مقالات مختارة

إسرائيل… دولة "الخرافة" مقابل دولة "الخلافة"

1300x600
كتب بسام البدارين: يحدثني خبير من الطراز الذي يعتد بروايته عن استعدادات إسرائيل الباطنية لحسم ملف مدينة القدس، وإثبات النظرية التاريخية العقيمة حول جبل الهيكل وتهويد القدس، واستثمار لحظة انشغال الأمة بجراحاتها وانقساماتها، وحفلات التلاوم والصراع، لتنفيذ تلك السيناريوهات المجنونة في الذهنية الإسرائيلية اليمينية المتطرفة.

نظرية الصديق المخضرم تستند إلى أن إسرائيل في لحظة انتهازية كونية اليوم، وفي حالة ابتزاز للعالم، لأنها تريد ثمنا قويا بدل صمتها أو بلعها للاتفاق النووي الإيراني الأمريكي.. أقل ثمن مفترض في هذه الحالة هو فلسطين. 

بحسب المعطيات، جهز القوم فعلا مجسما ضخما لجبل الهيكل وغرقوا في تفاصيل التفاصيل، وهم يستعدون للحظة التي يحفرون فيها حتى يظهر دليلهم إياه على يهودية المكان.

القوم وصلوا لحد جنوني وراء الستارة، فهم يخصصون وقتا ومالا كبيرا لإنتاج تلك البقرة الحمراء التي لا تنبت فيها شعرة واحدة، دليلا على مزاعمهم، في خطوة من الواضح أنها تسبق سيناريو إعلان "يهودية الدولة"، في الوقت الذي تتضاعف فيه الجهود لحسم الأمر، وتغيير الواقع في مدينة القدس.

لذلك يضرب بنيامين نتنياهو عرض الحائط، فيتجاهل الرئيس محمود عباس ومناوراته التي تعكس قلة الحيلة والعجز، ويتجاهل مصر التي تخدمه بإغراق الأنفاق التي تدعم المقاومة، كما أنه يتجاهل كل الأطراف التي يمكنها أن تفكر في الاعتراض.

إسرائيل تتجاهل أيضا الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى وأوقاف القدس، بل تهدد عمّان وتتهمها بالتحريض، فيما لا يقود التصعيد الإسرائيلي لوقف مشاريع التعاون المتعلقة بصفقة بيع الغاز مثلا.

لا أميل كثيرا لتلك النظريات العقائدية التي تحاول تفسير الصراع الإنساني مع إسرائيل على أسس ميثالوجية وأدبيات تراثية من الطراز الصالح للمتحف.

وأميل إلى التحليل الذي يتحدث عن انقسام الأمة، وتخاذل نظامها الرسمي، ودور أنظمة الاستبداد في خدمة التفوق الإسرائيلي، وغياب الإصلاح والديمقراطية، والعمل بموجب الأسباب.

لكن ذلك لا يغير في حقيقة الأمور، فنحن إزاء كيان إسرائيلي متصهين غريب ومرتاب، يجازف بعلاقاته الدولية على أساس وهم الهيكل، ويخطط لابتلاع المزيد من الأرض، ولا يحفل بالمجتمع والقانون الدوليين، ولا حتى بالأصدقاء والحلفاء العرب.

يبدو أن العقلية التي قفزت بنتنياهو لواجهة السلطة هي ذاتها تلك المجنونة المهووسة بالأساطير والخرافات، مع خلاف بسيط معنا نحن معشر العرب، فحتى أساطيرنا المتعلقة بالمجد التليد في الماضي ضيعناها، وفقدنا الأمل بالمستقبل. 

ومن الواضح أن انحيازات المجتمع الإسرائيلي تثبت بأن القوة الأبرز في مؤسسات الكيان الإسرائيلي هي قوة "الخرافة الدينية"، فالخرافة تتجول في القدس على شكل جرافة، وعلى هيئة وزير ورئيس وزراء.

من غير المنطقي إسقاط عنصر الخرافة السياسية الإسرائيلية، في الوقت الذي تجتمع فيه نخبة من علماء الكيان لوضع ترتيبات جينية تضمن ميلاد البقرة الحمراء إياها، وفي الوقت الذي يعمل فيه الساسة والبيروقراطيون على تأسيس هيكل مزعوم للتدرب على الصلاة حوله بعد العثور عليه.

علق الشعب الفلسطيني المسكين وسط قوة ثلاثية الإبادة.. كيان مجنون يبني أمجاده على خرافات وأساطير يرددها الموتورون.. وسلطة منقسمة مفتتة.. وأمة في أضعف أحوالها، مع ميزان إقليمي منفلت يكرس الكراهية، ويبث في أجواء المنطقة وهواء شعوبها سموما مكثفة، على شكل أساطير وخرافات وخزعبلات، يرددها جميع المتشددين.

ثمة فارق بين أولادنا الموتورين وأولاد الإسرائيليين.. عندنا أفراد أومجموعات يعتبرون نقطة سامة في محيط المسلمين والإسلام، أما عند الشباب في الكيان فالمؤسسة برمتها مأزومة وقائمة على الأساطير وتدير عقولها الخرافات، وأصحاب الرشد والتعقل حتى في إسرائيل يتم إقصاؤهم.

نحن شعوبنا غير موحدة وراء رموز الإرهاب ورفض الآخر، ولا يمكنها أن تصوت لهم في أي انتخابات نزيهة ـلو حصلت- لكن المجتمع الإسرائيلي يصوت للوزراء الذين يحملون معولا ليحفروا فيه تحت المسجد الأقصى، ويحول أولئك الذين يحرمون تماس الجسد خلال التزاوج إلى أعضاء ومشرعين في الكنيست ووزراء في الإدارة.

لا فائدة من إقصاء نتنياهو وحكومته، لأن التطرف أصبح سمة متفوقة في المجتمع الإسرائيلي، وأي انتخابات بعد إسقاط نتنياهو قد تأتي بمن هو أسوأ منه بكثير، لأن الخرافة استحكمت في المؤسسة الإسرائيلية اليوم، وتملك الشارع والمؤسسات.

تماما كما استحكمت فكرة "الخلافة" في عقول وأذهان الكثير من شبابنا من ضحايا ثنائية الفساد والاستبداد.

واقعنا الإقليمي عالق بدوره في مأزق نادر، فالخرافة الإسرائيلية عندما تتحول لقوة عسكرية عمياء أو إلى رصاصة حية تطلق على مطلقي الحجارة من أطفال فلسطين، تعزز تلقائيا وفورا مؤسسة التخلف والتطرف والتشدد في عالمنا العربي الإسلامي.

وما يفعله الموتورون منا من قاطعي الرؤوس وأنماطهم في منطقة الشرق الأوسط، وجوار فلسطين، يبرر للإسرائيلي المتطرف بالمقابل المضي قدما في لعبة الدولة اليهودية التي تتطلب حسم مسألة الهيكل والقدس والمسجد الأقصى، والانتقال للخطوة التالية.

الطرفان في دولة الخرافة ودولة الخلافة يتبادلان المنافع، فممارسات إسرائيل ضد أقدس مقدسات المسلمين في القدس تعني تغذية وتسمين وإطالة عمر الاحتقان الطائفي والخطاب الإقصائي الجذري، كما تعني أن الإرهاب المتشدد سيرتع للمزيد من الوقت ولعقود في محيط من الذرائع والمبررات التي تنتجها إسرائيل.

إسرائيل كانت وستبقى المصنع الأساسي في إنتاج التطرف والتشدد، واليوم يقابلها المجانين الذين يتحدثون باسم الله والإسلام، فيحيلون حياتنا إلى جحيم، ويوفرون لها الذريعة الأقوى لتبرير الدولة اليهودية أمام مجتمع دولي بات مرتابا بالمسلمين، ويشكك بالإسلام.

(عن صحيفة القدس العربي اللندنية، 30 أيلول/ سبتمبر 2015)