كتاب عربي 21

اطبع الجنيه حتى الانهيار

1300x600
النقود أو الفلوس هي شريان الحياة الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا، فبها يستطيع الناس شراء احتياجاتهم من سلع وخدمات، وبها يستطيع الناس الاحتفاظ بمدخراتهم، فيمكن أن تترجم عملك وجهدك إلى قيمة تحتفظ بها لك ،و لأولادك في المستقبل، وبها يمكن أن تقيم السلع، فيمكن لك أن تعرف عما إذا كانت اللحوم أغلى من سلعة مثل التفاح أو غيرها من السلع.

ورغم أهمية النقود أو الفلوس، فإن معظم الناس لا يزالون لا يعرفون سوى القليل عنها، وكيف يتم طباعتها، فمن الناس من يعتقد بأن هناك جهة دولية هي التي تطبع وتشرف على طباعتها، ولا تسمح هذه الجهة بأن تقوم الدولة بطباعة ما تريد من نقود مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، أو أن البنك الدولي هو من يقرر ذلك لكل دولة. 

ويعتقد الآخرون بأن طباعة النقود تتم على أساس ما تملكه الدولة من ذهب وفضة. 

وهذا اعتقاد صحيح.. في أزمنة ماضية كانت دول العالم حتى الحرب العالمية الأولى تتبع نظام قاعدة الذهب، التي بمقتضاها تحدد الدولة وزنا معينا، ومحددا لكل عملة، ولا تسمح بتجاوزها، ولاتسمح بانتقال عملاتها خارج البلاد. 

فمثلا الريال السعودي يعادل 2 غرام من الذهب، فإذا أرادت الدولة أن تطبع 1000 ريال، فعلى الدولة أن تحتفظ في حوزتها 2000 غرام من الذهب، أى مايقابل 2 كيلو غرام من الذهب. 

ثم مالبثت أن انتهت الحرب العالمية الأولى، وأوروبا في حالة دمار كبير للغاية، فأرادت الدول أن تطبع النقود دون غطاء من الذهب، لحاجتها إلى الأموال. فتخلت الدول عن قاعدة الذهب، إلى أن حدثت الحرب العالمية الثانية، فانهارت كل مرافق أوروبا الحيوية، من طرق و كباري، ومدارس، ومستشفيات، ومرافق عامة. 

فكانت الفرصة لبزوغ قوى اقتصادية جديدة، تحتل مكان القوى العظمى، بدلا من القوى القديمة، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية بعمل اتفاقية "بريتون وودز"، التي بمقتضاها أصبح الدولار هو العملة الدولية الوحيدة المغطاة بالذهب، فأصبح الدولار  هو عملية احتياط، وتسويات دولية. 

بمعنى أنه يمكن أن تدفع القروض أو الديون أو التجارة الدولية بالدولار، وهذا أعطى قوة جبارة للاقتصاد الأمريكي، وبمقتضى هذا النظام، يمكن للدول والأفراد أن تحول ما في حوزتها من الدولار إلى ذهب، عن طريق البنك الفدرالي الأمريكي. 

أما الآن، فجميع النقود المطبوعة من أوراق أو معادن تعتمد قيمتها على ثقة الناس في النظام الاقتصادي، بغض النظر إن كان النظام قويا أو ضعيفا، ففي الولايات المتحدة هناك بعض المدن والقرى اخترع أهلها عملات خاصة بهم، يتم تداولها فيما بينهم فقط، فمن خلالها يتم تشجيع الإنتاج المحلي، وزيادة الإنتاج في القرية أو المدينة. 

ولكن المشكلة الأكبر في البلاد التي لا تعد عملتها عملة دولية، أو لا يوجد عندها فائض من العملات الصعبة، فإنها تصبح في وضع حرج للغاية. 

فخذ على سبيل المثال ماحدث مع الجنية المصري، فقد كان يعادل خمسة دولارات قبل الثورة، فقامت الحكومة بمزيد من طباعة الجنية المصري دون غطاء، إلى أن أصبح الدولار يساوى ثمانية جنيهات. والأمر سيأخذ في التدهور والانهيار في قيمة الجنية المصري. 

عندما تطبع الحكومة النقود، أو تقوم البنوك بخلقها من لا شيء، فإن ما يقومون به في الواقع يؤدي إلى تدهور لقيمة النقود، طالما أنها لم تقم بزيادة الإنتاج، فإن المنطقي هو الغلاء، فالحكومة إذا قامت بزيادة المرتبات، فإن المواطن لن يستطيع شراء الكمية ذاتها التي كان يشتريها من قبل، أي إن دخله الحقيقي أصبح أقل فعليا، وهو مايسمى في الاقتصاد بالوهم النقدي. 

ما من شك في أن طبع الفلوس دون غطاء سواء من الإنتاج أو الذهب أو النقد الأجنبي، سيؤدي إلى انهيار العملة بلا أدنى شك.. 

فما قامت به الحكومة المصرية من تمويل عجز الموازنة العامة بالاقتراض من البنوك حتى وصلت الديون إلى أكثر من ألفين (2000) مليار جنية، بما يمثل تقريبا 100% من الدخل القومي، سيؤدي حتما إلى زيادة طبع الفلوس، والحكومة العسكرية مصرة على المسار ذاته.

على النقيض من ذلك، فإن بلدا مثل السعودية مازال الريال عند قيمته، ولم ينخفض إلا قليلا نتيجة الإنتاج البترولي الضخم، ما يعني استقرار الأسعار والدخول..

الخلاصة، إن الدول التي تطبع مزيدا من عملتها دون أى غطاء من الإنتاج ستؤول إلى ارتفاع في الأسعار، وانهيار في العملة الوطنية، ولكل الاقتصاد.

* أستاذ الاقتصاد في كلية أوكلاند الأمريكية