مقالات مختارة

الهند موقف مغاير تجاه فلسطين

1300x600
كتب ذِكْرُ الرحمن: للمرة الأولى منذ استقلالها، امتنعت الهند في هيئة الأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر عن التصويت بشأن قرار حول فلسطين.

وكان هذا موقفا مغايرا تماما لمواقف هندية سابقة، لأنه فقط في يوليو من العام الماضي، قامت نيودلهي بالتصويت لصالح قرار لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ينتقد إسرائيل لحربها على غزة.

ولكن هذه المرة، امتنعت الهند، جنبا إلى جنب مع إثيوبيا وكينيا وباراجواي ومقدونيا عن التصويت بشأن قرار يوجه اللوم للقيادة الإسرائيلية بسبب انتهاكات القانون الدولي خلال حربها على غزة. وقد استند قرار مجلس حقوق الإنسان على تقرير الأمم المتحدة، الذي ذكر أن 2100 فلسطيني قد قتلوا خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة العام الماضي، الذي استمر 50 يوما. ومن بين هذا العدد، كان هناك 1462 مدنيا في الجانب الفلسطيني، بينما فقدت إسرائيل 67 جنديا وستة مدنيين.

وأشار المتحدث باسم الخارجية الهندية إلى سبب فني باعتباره السبب في الامتناع عن التصويت، قائلا إن ذلك كان بسبب وجود ذكر للمحكمة الجنائية الدولية، وهي هيئة لا تعترف بها الهند.بيد أن امتناع الهند يظهر بوضوح تحولا في السياسة الخارجية لحكومة «مودي»، ويشير إلى ضعف في دعم الهند الطويل لشعب فلسطين المقموع. وربما يخلق القرار أيضا مناخا من الترحيب الحار في أثناء زيارته المرتقبة لإسرائيل، في وقت لاحق من هذا العام، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء هندي لإسرائيل، ولكن يبدو أنها ستكون لها نتائج واسعة النطاق.

ويخلق قرار نيودلهي بالامتناع عن التصويت صدمة مفاجئة في المبادئ الأساسية لسياسة الهند الخارجية. فالهند، منذ استقلالها، أعدت نفسها دولة مكرسة لإنهاء الاستعمار والدفاع عن قضايا الشعوب المحتلة. وفي السنوات الأولى بعد إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل عام 1992، كانت إسرائيل ثابتة في دعمها لفلسطين، وتدرك تماما أن الشعب الفلسطيني المحتل يلقى معاملة غير عادلة ويواجه أعمالا وحشية منذ نصف قرن على أيدي المحتلين.

الهند أصبحت أكثر قربا لإسرائيل خلال العقد الماضي، خاصة في مجال الدفاع، إلا أنها كانت دائما تضع القضية الفلسطينية في اعتبارها.

وظلت الحكومات الهندية المتعاقبة تدعم القضية الفلسطينية، وغالبا ما تنتقد الأعمال الوحشية التي تقوم بها إسرائيل وقرارات إنشاء المزيد والمزيد من المستوطنات في الأراضي المحتلة، وبذلك تغتصب مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، وتقيد حركة المدنيين الفلسطينيين في وطنهم.

ولطالما حاول صناع السياسة الخارجية في الهند تحقيق توازنا بين العلاقات مع إسرائيل وفلسطين، وغالبا ما يحاولون فصل سياسة الهند مع إسرائيل عن النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، بيد أن هذا التوازن الماهر أصبح قيد الفحص منذ تولي حكومة «مودي» السلطة قبل عام.

ومؤخرا، نُقِل عن «مارك سوفر»، السفير السابق في الهند، وحاليا المدير العام لإدارة آسيا في وزارة الخارجية الإسرائيلية، قوله إن العلاقات الودية بين الهند وإسرائيل هي بسبب «الكيمياء» التي تربط «بنيامين نتنياهو» و «ناريندرا مودي». لكن سياسة الهند الخارجية لا يمكن أن تستند إلى الكيمياء بمفردها.

وفي الواقع، فإن الاعتبارات الاستراتيجية الوطنية يجب أن تزن مثل هذا القرار وليس الكيمياء الشخصية. في هذا الوقت، فإن نتنياهو في حاجة ماسة إلى الأصدقاء؛ فرفضه التفاوض بشأن حل الدولتين واستمرار احتلال فلسطين لم يلق استحسانا من القادة الغربيين.

ويأتي تحسن العلاقات بين الهند وإسرائيل في الوقت الذي تتردد فيه الدول الأوروبية بشكل متزايد بشأن التعامل مع إسرائيل بسبب سياسة نتنياهو تجاه المستوطنات ورفضه التفاوض مع القيادة الفلسطينية حول حل الدولتين.

ومن ناحية أخرى، يبدو «مودي» بأنه قد جاء لإنقاذه من خلال العمل على اتفاق التجارة الحرة مع إسرائيل. ومن الواضح أن «مودي» يبذل ما بوسعه من أجل تعزيز علاقات الهند مع إسرائيل. وقد كان هذا واضحا في رفض حكومته إدانة الهجوم الإسرائيلي على المدنيين في غزة العام الماضي.

وقامت على مضض بقبول مناقشة القضية في البرلمان تحت ضغوط من المعارضة، ولكن بموجب قاعدة ألغت التصويت في البرلمان بإدانة الاستخدام المفرط للقوة من جانب الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. يذكر أن الفلسطينيين كانوا دائما يقدرون موقف الهند المبدئي في دعم قضيتهم.

غير أنه بالرغم من تأكيدات الحكومات الهندية المتعاقبة للفلسطينيين بأن العلاقات معهم لن تتأثر بالعلاقات الأمينة بين إسرائيل والهند، إلا أن الهند تحت حكم «مودي» تتحرك عكس وعده.

(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية 1 آب/ أغسطس 2015)