مقالات مختارة

الهند.. هل تخسر أفغانستان؟

1300x600
كتب ذكر الرحمن: جاءت الزيارة الأخيرة التي أداها الرئيس الأفغاني أشرف غني إلى الهند ودامت ثلاثة أيام بعد سبعة أشهر على توليه السلطة، متأخرة على ما يبدو، مثيرة بذلك العديد من الأسئلة في نيودلهي حول التغيرات المحتملة في السياسة الخارجية الأفغانية، وأيضاً حول احتمال خسارة الهند نفوذها الذي بنته في أفغانستان على مدى السنوات الماضية، عندما كان حميد كرزاي رئيساً للبلاد.

فمنذ وصول غني إلى سدة الرئاسة قبل سبعة أشهر، فضل البدء بزيارة باكستان والصين، ثم واشنطن، قبل التفكير في شد الرحال إلى الهند، وهو ما اعتُبر في الأوساط الهندية تغييراً في أولويات السياسة الخارجية الأفغانية، يبعث على القلق وينذر بفقدان نيودلهي نفوذها المتراكم عبر سنوات.

كما أن تقديم غني لدول إقليمية على الهند يعني أنه لن يسير على نهج سلفه كرازي، الذي سعى إلى تمتين علاقاته مع الهند ورفعها إلى مستوى استراتيجي، بعدما ساءت علاقاته مع باكستان وتوترت مع الولايات المتحدة.

والحقيقة أن العلاقات الهندية الأفغانية لم تكن سلسة في جميع الأحوال، وعادة ما تنطوي على تعقيدات، ولاسيما في ظل حساسية باكستان الشديدة إزاء أي دور هندي في أفغانستان، هذا الدور الذي كان قد تنامى بشكل ملحوظ في فترة رئاسة كرزاي، وانعكس إيجاباً على عموم الشعب الأفغاني.

هذا فضلاً عن الاعتراف الدولي الذي حازته المساعي الهندية في أفغانستان باعتبارها شريكاً مهماً في إعادة الإعمار، حيث أنفقت ما لا يقل عن 2,2 مليار دولار في بناء المدارس وشق الطرق، بل وتشييد مبنى البرلمان الأفغاني في كابول، لتكسب الهند بذلك تقدير واحترام الشعب الأفغاني.

ولكن يبدو أن الرئيس غني يعول أكثر في علاقاته الخارجية على باكستان والصين التي تمارس نفوذها على إسلام أباد بهدف أساسي، هو إقناع «طالبان» بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية، وهو ما يفسر تصدر إسلام أباد وبكين الأجندة الخارجية.

كما أن قرار غني بالانخراط مع باكستان في الجانب العسكري ليس مفاجئاً، فمنذ توليه السلطة اتخذ البلدان مجموعة من الخطوات الرامية إلى تعزيز التعاون العسكري بينهما. وربما يكون هذا الأمر نابعاً من قناعة غني بأن الدور الباكستاني لا مناص منه لتحقيق السلام في أفغانستان.

ومن بين أوجه التعاون العسكري بين البلدين استقدام خبراء باكستانيين للإشراف على تدريب القوات الأفغانية، في مقابل السماح للجيش الباكستاني بالقيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي الأفغانية للتصدي للجماعات المتشددة على جانبي الحدود.
 
ولكن ما فاجأ الهند فعلًا هو دخول الصين على الخط وتحولها إلى وسيط بين كابول و«طالبان»، فقد نقلت التقارير الإخبارية وصول دبلوماسيين صينيين قبل خمسة أشهر إلى بيشاور للبدء في عملية الوساطة، فيما أكدت مصادر وصول وفد من «طالبان» إلى الصين ضمن الجهود نفسها، حيث من المتوقع أن ينطلق الحوار الرسمي بين الحركة والحكومة الأفغانية في وقت ما في المستقبل القريب، بهدف واضح هو إقناع «طالبان» بالجلوس إلى طاولة المفاوضات والقبول بصيغة تدمجها في العملية السياسية.

والحال أن إمكان فشل هذه التجربة أكبر من احتمال نجاحها بالنظر إلى تجارب سابقة مثل تلك التي رعتها دولة قطر.

ولكن بالنسبة للهند يعني الدور المتنامي لباكستان والصين في أفغانستان أنه يأتي على حساب مصالحها، بحيث تواجه نيودلهي خطورة فقدان نفوذها الذي بنته على مدار العقد الماضي. ويبدو أن أشرف غني حريص على أن يظهر كرجل سلام، والنأي بنفسه عن مواقف صدامية مع أي من القوى الإقليمية، ولاسيما أن الموقع الاستراتيجي لأفغانستان يرشحها لأن تكون ساحة صراع ومطمحاً للقوى السياسية في المنطقة الراغبة في تأكيد حضورها.

وليس هناك من شك في أن باكستان والهند منخرطتان في تنافس حاد بأفغانستان، الأمر الذي يزعج غني والطبقة السياسية في كابول، ولذا كانت تصريحاته واضحة في زيارته الأخيرة للهند عندما قال إنه لا يريد «لأفغانستان أن تصبح ساحة لحرب بالوكالة بين الهند وباكستان».

وفيما يظل الصراع من أجل تأمين عمق استراتيجي سواء للهند أو باكستان قائماً بشدة في أفغانستان، إلا أن الجميع متفق على ضرورة الحفاظ على الاستقرار والأمن في البلاد، وذلك أن أي تدهور للوضع الأمني بأفغانستان وزعزعة استقرار باكستان، سيكون له تداعيات سلبية على عموم المنطقة.

(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية، 9 أيار/ مايو 2015)