ملفات وتقارير

غازي عنتاب التركية.. مملكة البقلاوة واللاجئين

البقلاوة العنتابية وصلت إلى الأسواق العالمية لجودتها وطعمها - عربي21
تشتهر مدينة غازي عنتاب تاريخيا بإنتاج حلويات البقلاوة المعجونة بالفستق العنتابي الأخضر باهظ الثمن، إذ يقال "من لم يأكل بقلاوة غازي عنتاب لم يزر تركيا".
 
واليوم، تكتسب عنتاب صفة أخرى " كمملكة للاجئين السوريين" بحكم قرب المدنية التي تقع على بعد 100 كيلو مترا من مدينة حلب السورية، إذ استطاعت المدينة "ذات المناخ الشبيه في مدينة حلب من حيث البناء والعادات استقطاب اللاجئين السوريين للسكن".

سر الجاذبية

حول ذلك، تقول الصحفية السورية إيريس محمد، لصحيفة "عربي21"، إن "قرب المدينة من حلب ورخص المعيشة فيها مقارنة مع العاصمة اسطنبول وإجادة بعض سكانها للغة العربية، كانت أسبابا في جذب السوريين للاستقرار فيها".
 
بينما ترى الصحفية في راديو ألوان السوري، ديما شلّار، أن سر جاذبية المدينة بالنسبة للاجئين السوريين يكمن في "طبيعة سكان المدينة الطيبين الذين رحبوا بالسوريين، بالإضافة إلى المميزات التي حصل عليها السوريون من والي المدينة وحزب العدالة و التنمية؛ بحكم العلاقات التجارية القديمة بين حلب وعلاقات القرابة والنسب بين المناطق الحدودية، حيث أصبحت المدينة مركزا لمعظم المنظمات والنشاطات و الشركات التجارية السورية".

سوريون ينتجون بقلاوة عنتاب

واستطاعت صناعة البقلاوة استقطاب السوريين للعمل في صناعتها، و خصوصا اللاجئين القادمين من مدينة حلب التي تشتهر أيضا بصناعة البقلاوة والفستق الحلبي المعروف.

وحسب إبراهيم، العامل بمحل "فستق زادة"، فإنه "لا يستطيع أحد أن يعمل وينتج القلاوة العنتابية دون الحصول على موافقة من مؤسسة المعايير التركية التي تحدد مواصفات محددة لمادة البقلاوة تضمن المحافظة على الجودة".
 
ويقول إبراهيم، لصحيفة "عربي21"، إن "المعايير التركية تقوم بجولات تفتيشة لضمان التزام أصحاب المحلات بالجودة من حيث كمية مادة السمن و الفستق العنتابي الأخضر المستخدم في عجينة البقلاوة، التي رفعت من سعرها وأوصلتها للأسواق العالمية".

ووجد السوريون لهم موطئ قدم في صناعة البقلاوة في المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 900 ألف نسمة، بينما يقارب عدد السوريين في المدينة الـ 300 ألف نسمة أغلبهم لجأ من مدن وقرى شمال سوريا.
 
ويعمل ياسر الذي أتى من قرية عفرين السورية في معمل "فستق زادة" بوظيفة خباز، يقوم بإنتاج البقلاوة وخبزها على درجات حرارة تصل إلى 200 مئوية حتى تأخذ شكلها النهائي، وهي من أهم مراحل الإنتاج كما يقول.
 
ولم يكن ياسر قبل الثورة يعمل في صناعة الحلويات، فقد كان موظفا في شركة الكهرباء قبل أن تدفعه ظروف اللجوء للبحث عن مهنة أخرى يتقاضى منها ما يقارب 500 دولار أمريكي شهريا، بعد أن تسلسل في صناعة البقلاوة من موظف تغليف إلى منتج.

"حلب مصغرة"

"حلب مصغرة" هكذا بات لاجئون سوريون ينظرون إلى مدينة عنتاب بسبب نقل تجار حلبيين تجارتهم ومصانعهم إلى المدينة، التي كانت تاريخا جزءا من الأراضي السورية قبل عام 1939 أو ما يعرف بلواء الاسكندرون، الذي يتبع لولاية حلب آنذاك، قبل أن يقوم الاحتلال الفرنسي بسلخ اللواء عن سوريا الأم.

استثمارات سورية في عنتاب

وبحسب مستثمرين سوريين، يستثمر التجار السوريين في عنتاب بما يقارب 500 شركة بسبب تقارب المناخ التجاري بين مدينتي حلب وعنتاب، وبما نسبته 60% من الاستثمارات الأجنبية في المدينة.
 
وتتركز هذه الاستثمارات في قطاع النسيج والألبسة والمطاعم والمقاهي، وانتشرت في المدينة محلات بأسماء سورية من أبرزها مقهى يقع في قلب مدينة عنتاب لصاحبه فادي من مدينة الرقة، ويعتبر المقهى تجمعا للنشطاء السوريين.
 
وانعكست الأحداث في سوريا على التبادل التجاري بين مدينة عنتاب و المدن السورية الحدودوية؛ إذ تشير دراسة تحت اسم تأثير الأزمة السورية في اقتصاد محافظتي غازي عنتاب و هاتاي، أن عدد الشركات التركية المستثمرة في سوريا قبل الأزمة بلغت 300 مليون دولار  سنويا، بينما تراجعت هذه الأرقام بسبب الأوضاع في سوريا، بينما تشير الدراسة نفسها إلى أن نسبة الصادرات من مدينة هاتاي إلى سوريا، تراجعت من 118 مليون دولار سنويا إلى 65 مليون دولار.
 
و في محاولة لمساعدة الدول المضيفة على استيعاب الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين، يقول ممثل الاتحاد الأوروبي في غازي عنتاب جيريمي ناغودا، لصحيفة "عربي21"، إن "الداعمين يحاولون تقديم المساعدة للسلطات المحلية في عنتاب "لاستيعاب اللاجئين و دمجهم في المجتمع"، مقرا في الوقت نفسه بوجود خلل في بعض الأحيان بطريقة إيصال الدعم".
 
ويقدر عدد السوريين الموجودين داخل المخيمات التركية بحوالي 219 ألفا موزعين على 22 مخيما، في حين يقدر إجمالي السوريين الموجودين في تركيا بـ 800 ألف حسب إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بينما يصل الرقم إلى مليون ونصف حسب تقديرات السلطات التركية التي تبين أن 14.8% من اللاجئين الذكور في مدينة غازي عنتاب يعملون، و7.3 % من اللاجئات الإناث أيضا يعملن، وأن متوسط معدل دخل الفرد الشهري يبلغ 232 دولارا للذكور، و218 دولارا للإناث.