ملفات وتقارير

عام على سيطرة تنظيم الدولة على دير الزور.. كيف يبدو المشهد؟

بايع بعض قادة الفصائل وجبهة النصر التنظيم بعد سيطرته على ريف دير الزور - أرشيفية
مر عام على سيطرة تنظيم الدولة على غالبية مناطق محافظة دير الزور، شرق سوريا، التي كانت خاضعة لسيطرة الفصائل المختلفة، وباستثناء المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري. وجاءت السيطرة بعد معارك دموية سالت فيها دماء كثيرة من الطرفين.

يقول الجامعي حسام  من أهالي دير الزور، متأسفا لما جرى: "استبشرنا بداية برفع التنظيم راية نصرة السوريين، لكن صدمنا لاحقا بتوجيه البنادق لصدور الثوار، ووقوع آلاف القتلى من الطرفين، والمدنيين، في معاركَ عبثية لم تخدم إلا النظامَ السوري" حسب تقديره.

وكانت جبهةُ النصرة أبرز من تصدى للتنظيم، وخاضت معارك طاحنة سقط فيها أكثر من 700 قتيل، أغلبهم من أهالي دير الزور في  جبهة النصرة، قبل أن يضطر البقية للاستسلام وإعلان "التوبة"، أو الانسحاب ومتابعة القتال في جبهات أخرى في القلمون وحلب وإدلب.

وقام الثوار مضطرين بتسليم المحافظة للتنظيم ريفا وأجزاء من المدينة، بعدما رأوا عدم جدوى المقاومة، وتم التسليم بشرط عدم تدخل التنظيم في الحريات الشخصية، والعفو عن الفصائل الثورية.

ويقول أحد عناصر الجيش الحر ممن لم يقاتلوا التنظيم: "أمام انعدام الدعم المالي والعسكري للثوار، وتغول النظام، كان الثوار بين خيار ترك الجبهات مع النظام ومقاتلة التنظيم أو التسليم للتنظيم وبقاء الرباط على جبهات النظام، فاخترنا التسليم والرباط"، وفق قوله.

ويعاني تنظيم الدولة وضعا أمنيا هشا في المدينة ذات الطابع العشائري، حيث لا ينسى أهلها الثأر، فيما أسهمت عمليات الإعدام المتتابعة والكثيرة في تأجيج مشاعر الكراهية ضد التنظيم، حيث أعدم خلال الشهرين الماضيين عشرات في ريف دير الزور، أغلبهم بتهمة الردة ومحاربة التنظيم.

وتميز حكم التنظيم بالطابع الأمني الصرف، إذ قام التنظيم بعمليات تهجير واسعة لمدن وبلدات كاملة بدعوى معارضته. واختلفت مدة التهجير من بلدة لأخرى، إذ هجر التنظيم 120 ألفا من أبناء الشعيطات في بلدات الكشكيّة وأبو حمام وغرانيج، عقب التحركات التي قادوها ضد التنظيم، ولم يُسمح بعودتهم إلا منذ فترة بسيطة، فيما قتل أكثر من ألف من أبناء هذه القرى.

ولم يقتصر التهجير على الشعيطات، بل شمل بلدات أخرى، كخشام والطابيّة في ريف دير الزور الشرقي، وبلدة الشحيل معقل جبهة النصرة التي هُجّر أهلها 15 يوما. وتبقى عمليات الاعتقال والإعدام الجماعي أبرز مؤشر على السياسة الأمنية الصارمة.

وترجع السياسةُ الأمنية لحالة القلق التي يعيشها التنظيم في المحافظة، وربما هذا ما يفسر ندرة وجود المقاتلين الأجانب، إذ يقتصر الوجود غالبا على المقاتلين العرب، من خليجيين يشتركون مع أهل البلد باللهجة والخلفية القبلية، بالإضافة للتونسيين.

وتعيش المحافظة أوضاعا خدمية واقتصادية ومعيشيّة مأساوية، لا سيما على المستويين الصحي والتعليمي. فقد أغلقت مشافي كاملة، وصودرت أخرى، وعانت البقية من نزف بالكادر الطبي. ولم تفلح إجراءات التنظيم بالحد من هذا النزف الذي ينذر بكارثة إنسانيّة.

ويقول أبو أحمد، أحد ناشطي ريف دير الزور، لـ"عربي21": "قام التنظيم بتهديد الأطباء بمصادرة ممتلكاتهم في حال الهجرة، لكنه نسي أن إجراءاته وممارساته هي من دفعتهم للهجرة"، حسب قول الناشط.

وتمتد المأساة للتعليم، إذ أغلق التنظيم كافة المدارس دون أن يوجد البديل. ويمتد النزف لكل النخب الثقافية والعلمية، بل والاقتصادية أيضا، إذ هاجرت كثير من رؤوس الأموال. وما يلفت الانتباه هجرة شيوخ العشائر أو اعتزالهم الناس في بيوتهم حتى لا يحسبوا على التنظيم، ما يشير إلى ضعف الحاضنة الشعبية.

عززت القبضة الأمنية وطريقة السيطرة النقمة الشعبية، ولا سيما أن التنظيم لم يراع التركيبة العشائرية  للمدينة، فضلا عن نكثه للعهود والتعهدات.

يقول المدرس علي، من ريف دير الزور: "قام تنظيم الدولة بخيانة العهد أكثر من مرة، ومن ذلك إعدام الأمير في جبهة النصرة الملازم عبيدة أبو الحارث في شهر شباط/ فبراير الماضي في بلدة القورية، بعد شهور من إعلان مصالحته مع التنظيم، ما أثار سخطا وحقدا ضد التنظيم لما عرف الرجل به من نبل وشهامة"، حسب تعبيره.

وتأتي الخارطة العسكرية في مقدمة عوامل النقمة الشعبية، إذ لم يقم التنظيم بالسيطرة سوى على المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار، في حين فشل بانتزاع الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام، فضلا عن مطار دير الزور الذي ما زال خاضعة لسيطرة النظام السوري.

يقول مقاتل سابق بالجيش الحر من ريف دير الزور: "استبسل التنظيم في قتال الثوار المجاهدين الذين وصمهم بالكفر والردة، في حين بقي عاجزا عن فعل شيء تجاه النظام السوري الذي لم تتوقف مجازره تجاه الأهالي".

ويبدو لافتا في محافظة دير الزور حجم الاختراقات الأمنية لتنظيم الدولة. ومن عمليات الاختراق اللافتة اغتيال أبو سياف والقبض على زوجته خلال عملية للقوات الأمريكية.

وتشهد عمليات الإعدام للأمراء بتهمة العمالة للمخابرات الغربية، كأبي عبد الله الكويتي، على حجم الاختراقات. ويضاف لذلك الانشقاقات على مستوى شيوخ وقادة كبار كان لهم دور بارز في دخول التنظيم للمحافظة، ومنهم الشيخ عمار الحداوي في ريف دير الزور.