قضايا وآراء

محافظو إيران وعمى الألوان

1300x600
لم يعد خفيا على ذي لب أن سياسات إيران قد جرّت على إيران وعلى المنطقة الويلات والويلات، وأحدثت دمارا وخرابا لا تخلفه أشد الأعاصير والزلازل أو أي كارثة طبيعية أخرى، هذه السياسة التي تنطلق من صميم وصلب المنطق الطائفي الذي تعتمده إيران، والتي قررت منذ اللحظة الأولى تصدير ثورتها إلى دول الجوار، لعلها تصبح خادمة للمشروع التوسعي الذي أطلقه روح الله الخميني في السيطرة على الشرق الأوسط، ولما كانت إقامة النظام الإيراني على أساس دولة دينية "متطرفة" هي فكرة الخميني نفسه بصفته الأب الروحي لها، فلقد آتت هذه الرؤية أكلها حيث جعلت من إيران قوة إقليمية صاعدة، ينظر لها في أروقة المحافل الدولية على أنها الدولة الأولى المؤثرة في الشرق الأوسط، فهي تراوغ على كافة الأصعدة، وتمسك بأكثر من ملف في الوقت نفسه، ووجود دولة بهذه النمطية "الطائفية" سيكون من مصلحة الكيان الصهيوني، فهو المستفيد الأول من هذا الصراع والتنافس المذهبي الذي تفرضه الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط، وهذا سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف جميع دول المنطقة بدون استثناء، وتبقى إسرائيل هي القوة الأبرز في الشرق الأوسط، فإسرائيل لن تألو جهدا في استثمار الجهود الإيرانية، بعد أن تكون إيران قد استنزفت المنطقة تماما.

فالمحافظون الجدد في النظام الإيراني وعلى رأسهم الحرس الثوري الذي سيظل يحصد الامتيازات التي تدرها، فكرة إقامة دولة دينية تُجند وكلائها في المنطقة لخدمة "المشروع الإيراني الفارسي" مستفيدين من اتساع الهوة بين الحاكم والمحكوم ومن حالة الضياع والتشرذم الذي تعانيه المنطقة العربية عموما، لذلك يحرص المحافظون الجدد على التمسك بنهج روح الله الخميني فهو الأسلم والأنجع، طالما أن هذا سيجعل من إيران رأس الحربة في المنطقة، صحيح أن إيران تخسر مادياً ولكن ثمة ربح آخر ينتظرها و يدر عليها أضعاف ما يدر المال والاقتصاد! فبمجرد أن تصبح إيران الدولة الأولى في المنطقة تدير رعاياها وولاة أقاليمها بما يخدم مصالحها ولأمد بعيد جدا فإن ذلك سيشعرها بالظفر والقوة. 

ثم بعد أن تتمدد يأتي دور المال والاقتصاد بعد أن تكون قد استكملت السيطرة على مواطن النفط والغاز في دول الجوار.

ولما كانت سياسة إيران وقوة تأثيرها لا تتعارض مع المصالح الأمريكية، وتحقق لها مكاسب جمة، لذلك قررت أمريكا تعزيز الدور الإيراني في المنطقة واستثماره والتعاون معه، من أجل ذلك أطلقت أمريكا الكثير من الامتيازات لإيران في العراق وسورية واليمن، وهذه الامتيازات تذكرنا بتلك الحقبة المريرة التي كانت تطلق بها الدول الاستعمارية الامتيازات لسحق الشعوب واغتصاب حقوقها في القرن الماضي. 
وكان من نتائج هذه الامتيازات أن نجحت إيران في تفتيت البيت العربي وقلبته رأسا على عقب، عبر دعم أذرعها القوية في المنطقة العربية. 

نعم لقد كان لنظام إيران دور سلبي وسيئ، في تمزيق التعايش السلمي في الدول العربية حتى بدا الخوف هو الهاجس الوحيد الذي يسيطر على جميع الأقليات في المنطقة، بعد أن صدرت إيران نفسها الحامي الوحيد لهم، فلقد زرعت الخوف بين جميع أبناء الطوائف وخاصة الأقليات، الذين تحلم إيران في تجندهم وجعلهم خدما لمشروعها التوسعي، وتسعى لبقاء استنزافهم تحت شعار "إيران أو الاستئصال" لقد استطاعت إيران أن تستثمر وتستغل الربيع العربي أيما استغلال، فقلبت الطاولة على رؤوس اللاعبين، فجعلت من الغالبية السنية التي كانت تشعر بأنها الراعية الحصرية لجميع الأقليات، باتت اليوم تشعر باستهداف هويتها الوجودية هي أيضا، وهي تشعر اليوم بالذل والامتهان وبدأت تنمو غريزة الثأر والتشفي بين بعض أفرادها، كردة فعل أورثتها الظروف الموضوعية التي فرضها التخاذل الدولي والعربي، وخاصة بعد استمرار حمام الدم السوري والعراقي.

 ففي عام 2010 أي قبل الربيع العربي كان تنظيم الدولة في العراق ينظر له على أنه تنظيم سري لا قيمة له، ليصبح بعد التنكيل بالمتظاهرين السلميين في المناطق السنية المنتفضة ضد السياسة الإقصائية التي انتهجها نور المالكي، أقوى وأخطر تنظيم في العالم يمتلك قوة عسكرية كبيرة، يفرض أجندته على أرض الواقع، بينما الطرف الآخر "الساسة" لا يقدمون سوى أطروحات اعتمدها بعض المنظرين والدعاة التي لا تقدم شيئا، سوى توصيف الحال وذر الرماد في العيون، وما كان لهذا التنظيم أن يتمدد كل هذا التمدد لولا السياسة المتشددة التي انتهجها النظام الإيراني وعلى رأسهم علي الخامنئي الذي أوعز إلى وكلائه في سورية والعراق بالتصدي للمطالب المحقة للشعبين السوري والعراقي بالحديد والنار، فإيران في النهاية هي دولة بوليسية في هيكل دولة إسلامية عقيمة، وبعد الإسراف في استخدام القوة المفرطة من قبل النظام الأسدي بقتل المظلومين الأبرياء ومد إيران يد العون للقتلة، أصبح المكون السني يشعر بالمظلومية، لذلك استغل المحافظون الإيرانيون هذا التصعيد وخاصة أنهم يستغلون وكلاءهم في المنطقة، بدون الحاجة إلى تلويث أيديهم وخسارة أي عنصر من عناصرهم!

 لقد أثبتت إيران على أنها قادرة على إحداث تغييرات كبيرة في المنطقة كان أولها تغييرات ديمغرافية والاجتماعية وثقافية ثم انتقلت إلى تغييرات أمنية وعسكرية فلقد استطاعت بمليشيا صغيرة كحزب الله والحوثي، قلب أنظمة حكم بين عشية وضحاها، وأخيرا أصبح النظام الإيراني يشعر بالحاجة الماسة إلى توظيف تلك الجهود والعمل على تسريع الدبلوماسية الإيرانية ببراعة وحذاقة، لتحصد إيران ما استثمرته من خلط الأوراق في الداخل اليمن وسوري والعراقي، ولكن هل سيحقق هذا العبث والمجون لإيران الاستقرار والتقدم! 

أم إن هذا سيؤدي إلى خلق ردة فعل عكسية، تنعكس على العلاقات إيرانية والعربية إلى أمد بعيد؟!

 إن هذه السياسة الاستفزازية التي اتبعتها إيران، ستكون المسمار الأول في نعش نظام الملالي، لأن هذه الشرارة سيكون خلفها نار تتأجج، ولن تخمد حتى تحرق من أوقدها.