قضايا وآراء

الحركة الإسلامية .. حقيقة الخلاف والموقف منه

1300x600
المظاهر الشائعة التي برزت على السطح، وتجلت في مظاهر الانشقاق التي يحاول البعض عبثا أن يسميها بغير اسمها، لم تكن وليدة فترة زمنية قصيرة، بل هي تراكمات امتدت منذ أربعين عاما أو يزيد..

هذا على أرض الواقع هنا في الأردن، أما على صعيد الجماعة التاريخي، فقد ولدت بذورها مع الجماعة، ونمت حتى وصلت إلى حد محاصرة المركز العام في زمن الهضيبي، ومحاولة إجباره على التنازل عن موقعه، وهي خلافات في الرأي حول إدارة الموقف من الفرقاء، ولها بعض الجذور الفكرية والتاريخية في تاريخنا الإسلامي، وهي تشكل تهديدا في زمن ضعف الجماعة والحركة.

ولا تكون كذلك في حال قوتها وتماسكها، فلطالما كانت أسباب الخلاف وجذوره موجودة، ولكنها كانت أحيانا تذوب وتختفي لصالح الموقف القوي المتماسك الذي يديره رجال صادقون وصالحون، ولعل هذه طبيعة الأشياء.

ففي عهد الصحابة الكرام، ومع وجود النبي صلى الله عليه وسلم، ظهرت بوادر خلاف ونزعات جاهلية، ولكنها سرعان ما اختفت لصالح الفكرة والمبدأ، لوجود حراس حقيقيين لهذه المبادئ، حسمت الموقف، واستأنفت مسيرة البناء .

إن قوة الأفكار وتجريد الحقائق والحقوق، والنقاط المضيئة والمواقف المميزة لا يكفي استحضارها لحسم مواقف الخلاف في المسائل التي يحدث النزاع فيها أو الاختلاف حولها، بل لا بد من قوة حقيقية تحرسها على الدوام، وهذه القوة هي الرجال الذين يؤمنون بها ويجسدونها بصدق وتصميم وتجرد، هم الذين يجسدون الأركان التي تحدث عنها البنا، وصارت يتيمة في زمن خلافاتنا، وهم الرجال الذين يستوعبون الواقع المحيط بهم والأخطار والتحديات ويتعاملون معها بسعة أفق وبصيرة إيمان، ولا يدفنون رؤوسهم ويدعون أن الأمر سهل وميسور، ثم تكون النتائج وبالا على المجموع.

نعم هناك خلافات عميقة الجذور، ولكنها لا تصل إلى حد ما يمارسه مجموعات التكفير والخوارج بعضهم ضد بعض، فالاختلاف الذي نشير إليه في حالة الجماعة هو حول الأساليب والوسائل، أكثر مما هو حول الأفكار والمبادئ.

الذين يحاولون أن يعمقوا الخلاف بالبحث عن جذور فكرية له، إنما هم جزء من المشكلة التي أشرنا إليها، هم حالة مشوهة وصلت إلى موقع التأثير في غفلة من الحكمة والحزم، وإحجام من الأكثر صلاحا عن تولي المهام والمسؤوليات، أو انصرافهم إلى مصالحهم الخاصة على حساب مصالح العامة.

حين تكبر الأحقاد التاريخية والمصالح القريبة في نفوس كثيرين لتصل إلى حالة فراق، فهذا مؤشر على مرحلة الاستبدال، ومؤشر على مرحلة فشل، وحين يظن البعض أنه الموكل بالإصلاح دون سواه، ويستقوي بخصوم دينه ودعوته على رفاق أمسه القريب، وحين يعتقد ويتخيل ويتوهم بوجود أشباح تدير المشهد دون علمه ورضاه، فهذه حالة مستعصية لا يمكن أن تجد لها حلا ومخرجا.

وحين يظن آخرون أنهم الأكفأ والأقدر والأقرب إلى الصواب، دون اعتبار للتاريخ والجغرافيا والعلاقات الإنسانية، ودون التقدير الدقيق لفرصة الخصوم في الاستفادة من حالة الضعف العام والانشقاق الداخلي مهما كان حجمه، ودون الالتفات لآليات وديناميات الجماعة والقوانين التي تحكم عملها، فنحن أيضا أمام معضلة حقيقية تستوجب عملا جادا، يضع حدا لهذا المسار قبل أن يصل إلى حافة الهاوية.

الذي يجمعنا كثير، لا نحتاج إلى إعادة اختراع العجلة في الشأن الدعوي، نحن فقط بحاجة إلى مواصفات بشرية إنسانية تتوفر في من نقدمهم إلى موقع القيادة، نحتاج إلى الأقوياء الأتقياء الأنقياء، وهم بالمناسبة كثر، ونستطيع أن نستحضر منهم العشرات لو وجدت الإرادة الجادة والصادقة لهذا.

نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب أوضاعنا الداخلية، وهذه المهمة تزداد صعوبة في كل لحظة تأخير، وكما كنا نقول للحكومات، إن التأخير في الشأن الإصلاحي يزداد ثمنه كل يوم، وهذا ينطبق علينا، فهو ليس خاصا بأناس دون غيرهم.

المخيف في المشهد الحالي، أن الشقاق تمدد طولا وعرضا، وكل يوم يدخل فيه آخرون، وهذا منذر بكارثة لا تحمد عقباها، والمرعب أيضا، أنك لا تجد من تلجأ إليه من الحكماء والعقلاء، فالكل متورط في الأزمة، وهو يظن أنه بعيد عنها.

والأخطر من ذلك كله، إدخال جيل الشباب في المشكلة، وكان الأولى أن يبقوا بعيدين عنها، وفي لحظة تأمل تشعر أنك في مرحلة لا تختلف كثيرا في تفاصيلها عما يجري حولك في المنطقة من خراب ودمار وقتل وتشريد، حتى أنت صرت جزءا من المشكلة، بعد أن كنت مرشحا لحلها.

السعي الآن يجب أن ينصب على مواصفات الناس الذين نظن فيهم الخير، ولم يتورطوا في معركة الخلاف الذي كاد أن يكون فاجرا، لنقدمهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ثم نعينهم على إعادة بناء ما تهدم من الحصون، ثم نستأنف مسيرنا الواثق بنصر الله.