مقالات مختارة

الإسلاميون والعلمانيون متحدون ضد الإرهاب في تونس

1300x600

شهدت تونس قبيل احتفالها بعيد الاستقلال حدثاً مأساوياً عنيفاً لم تتعود عليه، أدى لسقوط عشرين قتيلاً وجرح عشرات الأبرياء من ضيوف تونس وأبنائها، وخلّف ألماً وحزناً كبيراً في صفوف الشعب التونسي على هؤلاء الضحايا وعائلاتهم.

ورغم أن تونس أصيبت بصدمة جراء هذه المجزرة، فإن هذا لن يؤثر على موقفها من هؤلاء الإرهابيين، فمكان الهجوم في باردو يرمز إلى تاريخنا وثقافتنا وديمقراطيتنا الناشئة، ونحن مقتنعون بأن الإرهابيين يسعون إلى إجهاض التحول الديمقراطي ونشر الفوضى، في البلد الوحيد الذي أثمر فيه الربيع العربي نظاماً ديمقراطياً.

ويعزى الفضل في تحقيق ذلك التقدم إلى الالتزام الراسخ الذي أبداه التونسيون إزاء مبادئ الحوار والوحدة الوطنية، كسبيل أوحد لتجاوز العقبات التي اعترضت طريق الانتقال الديمقراطي. وقد تجلت هذه العزيمة من خلال تجاهلنا لخلافات الماضي، والتزامنا باحترام مختلف الآراء والمعتقدات، وكانت هنالك قوى حية تدفع البلاد نحو البناء الجماعي للديمقراطية التشاركية والتقدمية، ونحو بناء مجتمع العدل والتسامح.

الاستثناء التونسي

يرتكز الاستثناء التونسي على أربع أسس تتبناها حركة النهضة بشكل كامل، وهي أولاً الإقرار بضرورة المصالحة الوطنية من أجل بناء الديمقراطية، ثم الالتزام بدفع الفترة الانتقالية نحو تحقيق الديمقراطية من خلال الحوار والعمل المشترك، بين الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين بهدف تحقيق المصلحة الوطنية. والأساس الثالث هو الدستور الذي يعتبر حامياً للحريات الشخصية، وضامناً للمساواة بين الرجل والمرأة، وحامياً أيضاً للمؤسسات الشرعية والممثلة للشعب. وأخيراً توجد فكرة حكومة الوحدة الوطنية التي دافعنا عنها دائماً بقطع النظر عما تسفر عنه الانتخابات.

وقد عبر أولئك الذين ارتكبوا الهجوم الدموي على متحف باردو عن قلقهم من النجاح الذي حققته تونس في التوفيق بين الهوية العربية الإسلامية والقيم الكونية المدافعة عن حقوق الإنسان، والبرهنة على أن الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين يمكن أن يعملوا معاً لتحقيق الديمقراطية وتذليل العقبات التي تواجههم في الفترة الانتقالية.

واليوم نحن نتشارك في الحزن مع عدد من البلدان التي تعاني من معضلة الإرهاب، التي تمثل ظاهرة إقليمية نتجرع نحن أيضاً مرارتها، ولذلك يجب وضع استراتيجية عالمية مشتركة لمكافحتها.

وتجدر الإشارة إلى أن الإرهاب في تونس لم يكن وليد الثورة، فلطالما عانت بلادنا من التطرف في الماضي بسبب سياسات القمع وتقييد الحريات وانتهاك حقوق الإنسان التي مارسها النظام السابق، وبعد الثورة استفاد المتطرفون من حالة الارتخاء التي أصابت أجهزة الدولة ومن الحرية المطلقة التي حققها التونسيون.

ونحن واثقون من أن مكافحة الإرهاب في تونس التي خرجت حديثاً من عقود الاستبداد والظلم لا تتم عبر التضحية بالحريات التي تحققت بفضل دماء التونسيين. وقد تعاملت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة مع هذا الموضوع، في ظل مناخ من التجاذبات السياسية والصعوبات الاقتصادية والمشاكل الأمنية الداخلية والإقليمية، وأسفرت الجهود المبذولة خلال الفترة الماضية عن تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية، واستعادة السيطرة على المساجد، وتحسين المراقبة على الحدود، والتعاون مع الجار الجزائري وبقية دول المنطقة لتنسيق الجهود وتبادل الخبرات.

وفي هذا الإطار قامت حكومة الترويكا، المكونة من ائتلاف حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الوطني من أجل العمل والحريات، بحظر تنظيم أنصار الشريعة وتصنيفه كتنظيم إرهابي في سنة 2013، واستمرت هذه الحرب بتعاقب الحكومات وحققت نجاحات عديدة، ولكن نبقى في حاجة لمزيد العمل على تحسين الكفاءة الأمنية.

الحل الأمني وحده لا يكفي

وتبقى المقاربة الأمنية غير كافية بمفردها، إذ إن الإرهاب هو ممارسة إجرامية تتغذى من غياب العدالة الاجتماعية والفرص الاقتصادية وضعف المستوى الثقافي ومشاكل قطاع التعليم، ولذلك يجب علينا محاربة هذه المشاكل التي تؤدي لتهميش الشباب.

فالتجربة التونسية مهددة بانفجار اجتماعي إذا لم تكن مسنودة باقتصاد قوي، ولذلك نحن نتطلع للتعاون في هذا الإطار مع شركائنا الدوليين، وعلى رأسهم فرنسا والاتحاد الأوروبي، بهدف تقوية العلاقات الاقتصادية.

كما تقع على عاتق الدولة التونسية مسؤولية مقاومة الفكر المتطرف الذي يستهدف الشباب التونسي.

يجب أن ننجح في إقناعهم بالمبادئ الحقيقية للدين الإسلامي، ليكونوا قادرين على التمييز بين الخطأ والصواب من الأفكار التي تصل إليهم حول هذا الدين الذي يدعو للسلام والتسامح. فالعنف يتغذى من الجهل، ولذلك يجب إنهاء التصحر الفكري الذي نشأ فيه جيل كامل في عهد بن علي. وفي هذا الإطار، دعت حركة النهضة لعقد مؤتمر وطني يرسم فيه التونسيون بمختلف مشاربهم برنامجاً تساهم فيه جميع القوى الوطنية لمكافحة الإرهاب على المدى الطويل، لأن هذه الظاهرة لم تعد ظاهرة عابرة أو متقطعة.

وتمثل مكافحة الإرهاب عملاً متواصلاً يجب أن يشارك فيه كل الراغبين في حماية تجربتنا الديمقراطية، كما أن الوحدة الوطنية يجب ألا تبقى مجرد أمنية، بل يجب أن تصبح من الثوابت. فقط بالتعاون مع بعضنا يمكننا تجاوز هذه المحن، تماماً كما كنا متحدين ضد الدكتاتورية. وهذه المحاولات للتشويش علينا لن تثني الشعب التونسي، ولن يحني رأسه للخوف والترهيب، وسيبقى متحداً لتأمين مستقبل مشرق.

ستبقى تونس صامدة، وستستمر في استقبال الزوار والمستثمرين الذين يراهنون على استقرارها، ويمنحون الأمل لشعبها. ونجاح المثال التونسي لا يحقق فقط مصالح تونس ومواطنيها، بل يعد نجاحاً عالمياً يصل صداه إلى العالم العربي وأوروبا وبقية العالم.

(عن صحيفة لوموند الفرنسية)
ترجمة: عربي21