مقالات مختارة

حرب المسلمين الداخلية!

1300x600
كتب إبراهيم قرة غل: أعلم جيدا أن هذا المصطلح خطير جدا، وأن استخدام هذه الكلمة لها تبعات كارثية ومدمرة! وأعلم أيضاأن نشر هذا المصطلح قد يسبب تململاً لدى بعضنا أمام هذا الأحداث المرعبة التي نتعايش معها كل يوم.

لكن ثمة إعصار كبير قادم نحونا، وخطر محدق بنا! وبعد مدة قصيرة سنسمع مصطلح "حرب الإسلام الداخلية" كثيراً؛ خصوصاً في الإعلام الغربي وتقارير مؤسساته الفكرية. 

إن السبب الأول للحروب الداخلية في العالم الإسلامي والتي تفتك بها بلا رحمة هي نقاط الضعف المتمثلة بالفساد ووصاية الفكر السياسي. إن العالم الإسلامي -بسبب الأفكار السطحية العمياء والخيانات- يمر بأزمة عميقة وعدم استقرار كبير، والدول الإسلامية تُجر نحو حروب أهلية، وذلك من خلال أصول المسلمين العرقية كلها. ويلقى ترويج حالات الصراع وتفككك المسلمين إقبالاً لدى البعض، في حين أن كل نظام من أنظمة الدول الإسلامية منشغل بمستقبل حكمه للبلاد، متقبل ومطبق لكل مشروع دمار جاءه بالوصاية!

نداءٌ لأخذ الحيطة من الخطر القادم

من الآن فصاعدا، يجب ألا نقيّم العالم الإسلامي بحسب الحدود السياسية لكل دولة؛ فلا يجب تقييم تركيا ومصر وإيران وسوريا والعراق وباكستان وأفريقيا الشمالية وآسيا الجنوبية كدول. كل هذه السيناريوهات التي تجري في عالمنا الآن لا تقتصر على الدول فحسب، بل كلها مشاريع مناطقية، تفوق مستوى مشروع دولة  فقط.

إن قدر كل دولة مرهون بدولة أخرى، وقدر كل مجتمع مرهون بجاره الإقليمي. لذلك فإن من الممكن أن نقول إن ما يعيشه جارنا الإقليمي هو قدرنا، والأسلحة المشهرة بوجه جيراننا هي في الحقيقة مشهرة بوجهنا، وحربهم الأهلية هي حربنا الأهلية.

في الوقت الذي تشهده الساحة السياسية التركية الداخلية من وتيرة شديدة قبيل الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في حزيران/ يونيو القادم، وفي ظل تصفية الحسابات الداخلية بين الأحزاب التركية، ومواضيع عديدة بحاجة للسرد والمناقشة.. فإني أحاول لفت النظر إلى الخطر الذي ذكرته. 

قبل عشرين عاما، كانت مناقشة نظرية فوضى المنطقة تعتبر سيناريوهات وطروحات خيالية، والآن وبعد مرور عشرين عاما فإن المنطقة تسودها الفوضى العارمة، من حدود ليبيا إلى حدود إيران.

إن كل أزمة في عالمنا لها أبعداها ومسبباتها الخاصة، وكل أزمة تحدث بإرادة عالمية! ولكن إذا أخذنا كل الأزمات وجمعناها في سياق واحد، سنرى أنها طرح واحد لمشروع بات ينتشر في القرن الحادي والعشرين.

الدول الصغيرة وقتال الشوارع

إن المشروع الذي تحدثت عنه يتداول سرا من خلف الستائر، وسنرى قريبا انقسام دول أخرى وجرها نحو كتلة من عدم الاستقرار، وبالتالي انجرارها إلى الحرب الأهلية... بعد مدة ربما نرى اقتتال مدنٍ ودويلات مع بعضها!

ونحن نحاول الخروج من أزماتنا عبر الدول الوطنية القومية، تواجهنا مشكلة بحجم التسونامي، لتجعل من الدول القومية أكثر تشتتا وانقساما! والدليل؛ انظروا إلى حال الدول الإسلامية! لن ترى دولة صامدة إلى الآن سوى تركيا وإيران؛ وكلتا الدولتين تحاولان الانفتاح على المنطقة، وربما تكون القنبلة الكبرى هي دخول الدولتين في حرب مع بعضهما. 

علينا التأمل في مشاهدنا اليومية والنظر نحو المستقبل... يا ترى بعد سنة أو خمس سنوات أو عشر سنوات، كيف سيكون حال المنطقة ورسمها السياسي على الخريطة؟ إنني بأطروحاتي السوداء هذه أحاول شد الانتباه إلى الخطر الكبير الذي سيقع على منطقتنا، وأوجه نداء لمناقشة السيناريوهات التي نعيشها اليوم، والتي كانت مجرد طروح قبل عشرين سنة. 

إن الأنظمة القمعية التي اصطنعت في بدايات القرن العشرين عزفت على وتر الفوضى العارمة في المنطقة، وعلى الوتر نفسه يحاولون الآن العزف في القرن الجديد عبر تلك الأنظمة التي أوجدوها. وبقدر ما يتحمله عديمو المسؤولية والفكر في منطقتنا الإسلامية، فهنالك من  يحاول تحليل مستجدات وتطورات منطقتنا وقلبها لصالحهم، منتهزين الفرص لفرض اقتتال بين الدول الإسلامية، هادفين إلى السيطرة على المنطقة.

من جهة ثانية، أحاول لفت الانتباه إلى إيران؛ إن نظام طهران يحاول عن طريق تأجيج الفتن الطائفية البحث عن قوة تجعله أكثر سيطرة وفعالية في المنطقة، وبسلوكه هذا يقسم المنطقة إلى معسكرين، ويكون بذلك قد قاد أكبر مشروع للتقسيم في المنطقة.

الاقتتال اتجه إلى اقتتال الحدود الدموية باتجاه منطقتنا

إبان الحرب العالمية الثانية؛ هل تذكرون المقولة الشهيرة "الحدود الدموية للإسلام"؟ لقد رسموا خطوطا سياسية من آسيا إلى أفريقيا تحقق لهم فيما بعد معركة طاحنة في منطقتنا. وقد تسببت خرائطهم التي رسموها حروبا دامت عشرات السنين، وكانت تلك الحروب تأخذ أبعادا عرقية آنذاك، ولكن لم تكن الدول قد تقسمت داخلياً بعد، وكانت معظم الحدود الشريطية بين الدول مجرد خطوط على الخريطة.. وفيما بعد جعلونا نعيش حروباً طاحنة بسبب تلك الخطوط!

لقد غيروا المصطلحات في القرن الحادي والعشرين؛ فقد خططوا جيدا بحيث يتجه الاقتتال إلى قلب الإسلام، ليحققوا الصراع الإسلامي الإسلامي. وكالعادة، فإنه في اللحظة الأولى لهذا الطرح لم نصدق ذلك، ووصفناه بالخيال. في ذلك الوقت كنا نعيش في عصور التنوير والوعي، وكان لدينا بعض الآمال، وقلنا "لن يستطيعوا النجاح في ذلك". والآن نرى العكس! لقد نجحوا بمشروعهم؛ الاقتتال عبر الحدود الدموية إلى داخل دولنا، وهذه المرة بهويته المذهبية!

لن نضطر إلى احتلال الدول بعد الآن، ولا نجد ضرورة في إرسال جنود أجانب أيضا، ولا نرى حاجة في ذلك حتى؛ لأنه من خلال القوى المصطنعة في المنطقة تُحتل الدول، وتُجر باتجاه الفوضى، وكل هذا دون أي تكلفة أو خطورة تذكر!

أماكن اقتتال جديدة.. دول الخليج والسعودية

إنها حرب أهلية في العراق، وهي كذلك في سوريا ولبيبا، والآن تظهر جبهة جديدة في اليمن. مرة ثانية يحاولون تقسيم الدولة عبر الاقتتال الطائفي، ونرى المعارك الفاصلة في سوريا والعراق تتضح معالمها أكثر في المعارك الطائفية. وبعد عام من الممكن أن نرى الخليج العربي قد تحول إلى سوريا، أو بعد عام أو عامين من الممكن أن نرى السعودية قد تحولت إلى عراق جديد! لا تقولوا إن هذا لا يحدث، لقد عشنا أحداثا لم نكن لنتخيل أن نعيشها قبل عشرين عاما. لذا، فنحن بحاجة إلى ترياق يشفينا... نحن بحاجة إلى دولة قوية تقف أمام التفكك الذي نعيشه، وتعيد مد الأشرعة باتجاه الرياح الصحيحة. وهنا، فإن الدولة الوحيدة المرشحة لفعل هذا الشيء هي تركيا، فالمملكة العربية السعودية لا تملك هذا النظر، ومصر لا تملك القوة الكافية، وإيران منشغلة بخططها الاحتلالية لدول المنطقة، ولا تملك رؤية سياسية أبعد من ذلك.

إنهم يعلمون أن تركيا تمتلك هذه القوة، ولديها ما يغذي منظورها السياسي بفضل مخزونها التاريخي. لذلك، فهم يحاولون ضرب تركيا الوحيدة القائمة على أرجلها، والقادرة على مخاطبة العالم الإسلامي كله. يعلمون جيدا أن تركيا إن لم تتعثر، فإن احتمال فشل مشروعهم كبير جدا. لذلك، فإننا سنرى الهجمات الداخلية والخارجية تباعا، وسيحاولون الضغط عليها بشتى الوسائل، وإن لم ينجحوا في إفشال تركيا، فسيعملون على إلهائها داخليا، بحيث لا تستطيع التفرغ خارج حدودها.

الحرب الحقيقية تدور عبر تركيا

لذلك، فإننا نرى أن الحرب الحقيقية تدور عبر تركيا، ومنذ سنوات ونحن نشهد صراعا داخليا في تركيا، ولماذا يحاولون إنشاء حواجز أمام المسيرة التركية التنموية؟ إذا نجحوا في ضرب تركيا، فلن يبقى لديهم أي عائق يحول بينهم وبين مشروعهم، لذلك فإن منظور تركيا الجديدة هو تحد كبير بالنسبة لهم.
 
لنتذكر جيدًا... أننا من خلال تركيا خرجنا من موجة صدمة كبيرة أصابتنا بعد الهجمات الصليبية، واستيلاء المغول على منطقتنا. 

الحرب العالمية الأولى كانت الموجة الصادمة الثالثة بالنسبة لنا، واليوم نرى أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي لا ترضخ لغيرها، بينما دول المنطقة بأسرها مستسلمة لمشروع الفوضى. لذلك يجب على تركيا أن تنجح، ولذلك نقول إن الذين فتحوا جبهات داخلية على تركيا، إنما يفتحون حروبا على دول العالم الإسلامي بأسره، ولذلك نقول إن الخيانة كبيرة بهذا الحجم!

 (عن صحيفة يني شفق- ترجمة وتحرير: تركيا بوست)