مقالات مختارة

نتنياهو: الرجل الذي عاد من بعد الموت

1300x600
حتى نتنياهو بدا مندهشاً من فوزه الحاسم في انتخابات الأربعاء. إلا أن فوزه يقص علينا حكاية أعمق حول المجتمع الإسرائيلي.

حتى في الأحلام لم يكن يتصور بنيامين نتنياهو إنه سيفيق هذا الصباح من نومه ليرى حزب الليكود وقد تقدم بما بين خمسة وستة مقاعد على المعسكر الصهيوني الذي يقوده إسحق هيرتزوغ. فقبل خمسة أيام فقط كانت استطلاعات الرأي تمنحه عشرين أو اثنين وعشرين مقعداً. وكان يعتبر سياسياً "كان وانقضى" وحتى أقرب حلفائه، وربما هو ذاته، فقد كل أمل في تفوقه. أما الآن، فقد عاد من بعد الموت بتسعة وعشرين أو ثلاثين مقعداً وبتحالف يميني مريح قيد التشكيل.

من المؤكد أن هذه الانتخابات سوف تعزز شهرة نتنياهو بالسياسي الأقدر في تاريخ إسرائيل، وسمعته كساحر يعلم كيف يخلص نفسه من وضع في غاية الصعوبة. وهذه المرة تمكن من إنجاز كل ذلك بشكل منفرد، وذلك من خلال هجوم إعلامي مكثف على مدى أربعة أيام دعا من خلاله متوسلاً وبلا أدنى خجل جميع ناخبي تيار اليمين للمسارعة إلى إنقاذه. وفعلاً، تسارعوا بأعداد كبيرة إلى صناديق الاقتراع، الأمر الذي كان مدهشاً حتى لهم أنفسهم.

وكانت هذه الحملة الانتخابية منذ بدايتها مركزة بشكل شخصي ضد نتنياهو. هناك منظمة اسمها "النصر 2015" ليست حزبية من الناحية الرسمية، ولكنها وثيقة الصلة بالجماعات والأحزاب اليسارية. أطلقت هذه المنظمة حملة ضخمة من خلال وسائل الإعلام، وكذلك من خلال طرق نشطائها أبواب المواطنين للدعوة إلى "تغيير الحكومة" دون أن تذكر اسم الشخص الذي كانت ترغب في أن يحل محل نتنياهو، ودون أن تذكر سبباً للتغيير المطلوب.

كما أن الشعار الانتخابي للمعسكر الصهيوني كان موجهاً جداً أيضاً: إما نحن -أي إسحق هيرتزوغ وتسيبي ليفني- أو هو، أي نتنياهو. وكأن ثمة فرضية انطلقت من اعتبار نتنياهو شخصية مكروهة لدى عامة الناس لدرجة أنه لم يكن هناك حاجة لشرح ما الذي يمثله كل من هيرتزوغ وليفني، باستثناء بعض الوعود المبهمة بتخفيض تكلفة المعيشة وتحسين العلاقات مع الإدارة الأمريكية.

وانساقت أجزاء كبيرة من الصحافة، وعلى رأسها صحيفة يديعوت أحرونوت اليومية الأضخم توزيعاً وكذلك موقعها على الإنترنت "واي نيت"، ضمن هذا الجهد، ونشرت تحقيقات موسعة حول إنفاق عائلة نتنياهو أثناء وجوده على رأس الحكومة، وصورت نتنياهو على أنه منفصل عن الحياة اليومية في إسرائيل، بل وذهبت إلى اتهامه بالفساد.

فلما شعر نتنياهو بالمأزق، وأظهرته نتائج استطلاعات الرأي في نهاية الأسبوع الماضي متأخراً عن منافسه في المعسكر الصهيوني بثلاثة أو أربعة مقاعد، لجأ إلى استراتيجية هجومية بسيطة جداً برسالة في غاية الوضوح مفادها: خصماي هيرتزوغ وليفني يستهدفانني، ولكن غرضهم الحقيقي من ذلك هو استهدافكم أنتم، يا ناخبي اليمين، وبشكل خاص أنتم يا معشر اليهود الشرقيين الذين يعيشون في المدن المطرفة وفي البلدات الصغيرة.

من وجهة نظر نتنياهو، يمثل هيرتزوغ وليفني النخب القديمة التي كانت باستمرار مرتبطة بحزب العمل. وهذا يوضح الكميات الكبيرة من المال الذي استثمر في الحملة ضده. ويرى نتنياهو أن "هيتزوغ وليفني يتظاهران بأنهما يهتمان بكم أيها الناس، ولكن ذلك مجرد ذريعة لإخراجي من السلطة رغم أنني من يمثلكم حقيقة".

وزعم نتنياهو أن الأمر لا يتعلق بالاقتصاد؛ لأن الاقتصاد ليس في وضع سيئ أبداً، رغم أن ثمة حاجة لبعض التحسين، وخاصة فيما يتعلق بتخفيض تكلفة السكن. وإنما يتعلق الأمر بأمننا القومي وبكرامتنا القومية وبهويتنا القومية.

ومن وراء كلماتهما الجميلة حول تكلفة المعيشة، يريد كل من هيرتزوغ وليفني بيع إسرائيل، بحسب نتنياهو، الذي يقول إنهما سيخضعان أمام الأمريكان فيما يتعلق بالقضية الإيرانية، وسوف يوافقان بسرعة على إقامة دولة فلسطينية سيكون من شأنها أن تقرب صواريخ حماس أكثر فأكثر من قلب البلاد. وقف نتنياهو مخاطباً الناخبين من منتسبي اليمين قائلاً: إذا أردتم إنقاذ إسرائيل من الاستسلام، فعليكم أن تتجاهلوا حملة "التشويه" التي يشنها المعسكر الصهيوني، وعليكم أن تصوتوا لي أنا.

وبالأمس، في يوم الاقتراع، ذهب نتنياهو إلى ما هو أبعد من ذلك في سياق هذا الخطاب. ففي محاولة أخيرة منه لحث أنصاره على التوجه إلى صناديق الاقتراع، سجل رسالة عبر هاتفه الخلوي وأرسلها إلى ملايين الإسرائيليين، حذرهم فيها من أن "العرب يتدفقون زرافات ووحدانا" ليصوتوا. وكان يشير بوضوح إلى القائمة المشتركة التي تمثل أربعة أحزاب تابعة للأقلية العربية في إسرائيل. والمعنى المقصود من تحذيره ذلك هو أن "العرب" يهددون الهوية اليهودية لإسرائيل، وأن الطريقة الوحيدة لمنعهم هي التصويت.

ونجحت خطته فعلاً. وتارة أخرى تكتشف الأحزاب اليسارية ووسائل الإعلام المهيمنة أنها لا تعرف حقيقة الوجه "الآخر" لإسرائيل. إنها إسرائيل اليهود التقليديين، والشرقيين منهم بشكل خاص، الذين يزعجهم أن يتعرض ممثلهم للهجوم، وأن تصبح ثقافتهم موضع سخرية واستهزاء من قبل أشخاص مثل يائير غاربوتز، الكاتب والرسام اليساري، الذي شكا في خطاب له أمام أحد التجمعات قبل أسبوعين من الاقتراع من "مقبلي التعويذات والرقي" الذين استولوا على المجتمع الإسرائيلي.

لقد ظن هيرتزوغ ومدراء حملته أنه من الممكن أن يُنتخب في إسرائيل من خلال التركيز فقط على القضايا الاجتماعية، بينما يخفون مواقفهم تجاه القضية الإسرائيلية الفلسطينية، زاعمين بأنها ليست ذات علاقة لقضايا المعيشة اليومية، ومن خلال الادعاء بأنه في كل الأحوال لا يوجد شريك فلسطيني جاد، كما أكدت ليفني مراراً وتكراراً. إلا أن الناخب الإسرائيلي أثبت أنه أكثر ذكاء، وآثر تصديق نتنياهو الذي تحدى خصومه ليثبتوا ما ادعوا فلم يفعلوا.

بنى نتنياهو على الفراغ الذي تركه المعسكر الصهيوني، فحقق فوزاً ساحقاً، كان أكبر حتى مما كان يتصور هو ذاته. ولكن عليه أن يحل أزمة العلاقات الشخصية مع موشيه كاهلون، الوزير الليكودي السابق الذي نافس نتنياهو، وتمكن من الفوز بعشرة مقاعد لصالح حزبه "كولانو". ولكن فيما عدا ذلك، فإن طريقه مشرعة نحو تشكيل حكومة هي الأكثر توجهًا نحو اليمين خلال العشرين عاماً الماضية.

بعد أن يشكل حكومته الجديدة سيجد نتنياهو نفسه في مواجهة خصوم أكثر ليبرالية من أمثال ليفني وحزب "ييش آتيد" بزعامة ليبيد، وكلاهما كانا وزيرين في إدارته السابقة. ولن يجد في طريقه ما يعيق إصدار تشريعات ذات صبغة قومية أو حتى مناهضة للديمقراطية. أما احتمالات استئناف المحادثات مع الفلسطينيين، فتبدو غير قائمة، وخاصة بعد أن أعلن نتنياهو على الملأ، قبل يوم واحد فقط من الاقتراع بأنه يعارض قيام دولة فلسطينية مستقلة.

لم يكن نصر الأمس نصرًا شخصيًا لنتنياهو فحسب، بل كان نصرًا للأيديولوجيا اليمينية في إسرائيل، ودليلاً آخر على مدى يمينية المجتمع الإسرائيلي.

ولكن ذلك لا يعني أن معسكر السلام قد انتهى، ولا أدل على ذلك من النجاح الباهر حزب القائمة المشتركة بزعامة أيمن عوده. كل ما يعنيه ذلك أن المعسكر بحاجة إلى بداية جديدة، وإلى تفكير جديد.


* ميرون رابوبورت – صحفي وكاتب إسرائيلي، حائز على جائزة نابولي للصحافة عن تحقيق أجراه حول سرقة أشجار الزيتون من ملاكها الفلسطينيين. عمل سابقاً نائباً لرئيس قسم الأخبار في صحيفة هآرتز، وهو الآن صحفي مستقل.

* نقلاً عن "ميدل إيست آي".