قضايا وآراء

انشقاقات إخوان الأردن كلاكيت المرة الألف!!

1300x600
منذ فترة، ومن يتابع سير الحركة الإسلامية في الأردن (الإخوان المسلمين)، يجد جدلا طويلا، ليس وليد اللحظة، بل منذ سنوات، فمنذ تولي الدكتور همام سعيد مهمة المراقب العام، خلفا للأستاذ سالم الفلاحات، وإخوان الأردن يتجهون إلى أكثر من اتجاه في الخلاف، لكنه خلاف ظل دائما داخل إطار التنظيم الإخواني، لكن ما جد مؤخرا من انشقاق وفصل الأستاذ عبد المجيد ذنيبات وإخوانه، هو الأمر الجديد القديم، فما قاموا به من تأسيس كيان آخر باسم الإخوان المسلمين، ظاهرة قديمة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، لمن يراجع تاريخ انشقاقات بعض أفرادها عليها.

وأحاول في هذه الكلمات أن أتأمل أسباب توجههم، وهل لكلامهم وجاهة تقبل، أم لا؟ وما مصير مثل هذا الكيان من خلال استقراء تجارب الكيانات السابقة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين؟ وماذا ينبغي على قيادة إخوان الأردن فعله حيال هذه الأزمة؟ 

كانت الحجة التي تذرع بها هؤلاء الإخوة لتأسيس كيانهم الجديد: أن نشأة إخوان الأردن كانت امتدادا لإخوان مصر سنة 1945م، وأن النظام الانقلابي في مصر الآن يعدّ الإخوان جماعة إرهابية، بالإضافة إلى بعض الدول العربية، وخاصة الخليجية، كالسعودية والإمارات. وهنا سؤال وجيه: هل فجأة يا سادة اكتشفتم أن الإخوان جماعة محلولة وغير قانونية مصريا؟ إن جماعة الإخوان صدر قرار حلها في الثامن من ديسمبر سنة 1948م، فأي إفاقة أفقتموها بعد ما يقرب من سبعين عاما؟!!

ثم صدر قرار حل آخر في عام 1954م على يد جمال عبد الناصر، ثم في عهد السادات ومبارك لم تكن الـجماعة رسمية، فهل عشتم طوال هذه السنوات بغير كيان رسمي، أو عشتم بجناح مهيض، هو جناح غير رسمي في مصر، وجناح رسمي في الأردن؟ وما قولكم في حكم محكمة مصرية على (حماس) بأنها جماعة إرهابية؟ هل ستتنصلون من تأييدكم لحماس وجهادها في فلسطين ضد إسرائيل؟! وماذا لو أنكم أنفسكم اختلفت معكم الحكومة الأردنية ومع كيانكم الجديد فقامت محكمة أردنية بحظركم؟! ومنذ متى والدعوات الإسلامية والإصلاحية والسياسية تنتظر شرعية من الحكومات والأنظمة، وخاصة لو كانت أنظمة تقوم هذه الحركات بمعارضتها؟! وإن اختلف وضع الإخوان في الأردن وبعض البلاد الأخرى، كما في دولة الإمارات التي أدرجت كل مؤسسات الإخوان وغيرها، حتى التي في بلاد أوروبية بشراكة مع الدول الأوروبية أدرجتها منظمات إرهابية، ومنها: حزب الإخوان في الأردن،  فما موقفكم من هذه المؤسسات؟ وهل ستكون دائرة انطلاقكم تأييدا أو رفضا لأي عمل دعوي هو نظرة الحكومات غير الشرعية لهذا الكيان؟ فإن أيدته نهلل ونمد الأيدي للتعاون، وإن حظرته قلبنا له ظهر المجن، ولعنّا اليوم الذي عرفناه فيه، وبحثنا عن كيان جديد، بدلا من أن يكون كيان (أحمد) فليكن كيان (الحاج أحمد)؟!!!!

الأمر المحير هنا: أن الأستاذ الذنيبات ظل لفترة طويلة مسؤولا داخل الإخوان في كبرى مناصبها، التي منها: المراقب العام، ورئيس مجلس الشورى، فلماذا لم يسع لهذا التقنين لوضع الجماعة الجديد وقت أن كان مسؤولا؟! كما أنه عضو في التنظيم الدولي للإخوان، فلماذا لم يستقل منه، إن صحت الخطوة منه؟!

أما ما أتوقعه لهذا الكيان من خلال استقراء مثل هذه التجارب، فتاريخ الانشقاقات في جماعة الإخوان قديم قدم الجماعة ذاتها، وكان أوله عندما فكرت مجموعة بالخروج، وهم شباب سيدنا محمد، الذين رأوا أن حسن البنا خذل مبدأ الجهاد، وكانت للإخوان مجلة أسبوعية اسمها: مجلة (جريدة الإخوان المسلمين) وكانوا هم أصحاب الترخيص لها، فغيروا سياسة تحريرها، وظلت تصدر بالاسم ذاته (الإخوان المسلمون)، ولكن بعد انصراف الناس عنها، وقد عرفوا الحقيقة، قاموا بتغيير اسمها إلى مجلة (الخلود) فعلق بذلك حسن البنا قائلا: "أرادوا لها الخلود، وكتب الله عليها الفناء".

وقد كتبت دراسة مفصلة منذ سبع سنوات عن (الخارجون عن الإخوان... متى، وكيف، ولماذا؟) تناولت الذين خرجوا لخلاف فكري، واستمروا في مشاريعهم بعيدا عن التنظيم، وقد أحسنوا في مسلكهم، وبينت من خرجوا لأسباب أخرى، وكيف أنه -للأسف- لم نر إلى الآن نماذج ممن خرجت على الإخوان أعطت نموذجا يغري العقلاء بالانضمام إليها، ليس دفاعا عن الإخوان هنا، بل شفقة مما يفعله الخارجون بأنفسهم وتاريخهم، فتراه داخل الجماعة مفكرا ناقدا معبرا، يكتسب تعاطف الكثير من داخل التنظيم وخارجه، لكن ما يؤسف له أن ما نلاحظه أن عددا من الخارجين لا يستمر على مبدئه إلا القليل منهم داخل التنظيم وبعد الخروج منه، فالكثير منهم للأسف ينقلب فجأة بخروجه، إلى بيان عورات -كما يراها- في التنظيم وإدارته والجماعة، بينما كان وقتها أحد صناع القرار، فلا ندري أهو بذلك يدين نفسه مرتين، مرة بصمته وقت القرار ومشاركته، ومرة بتوبته المتأخرة التي لا تنفع ولا تضر، بل تضره وتضر تاريخه هو!!

وأما الكيانات التي تبنتها حكومات، فقد انتهت إلى أنها صارت ألعوبة في يدها، فلما انتهى غرضها من الكيان المنشق، رمته بعد أن أخذت منه كل شيء ولم تعطه أي شيء، ومن هذا النموذج تجربة وكيل جماعة الإخوان المسلمين وشريك الإمام البنا في تأسيس الإخوان، الأستاذ أحمد السكري، الذي استمالته حكومة الوفد ليهاجم حسن البنا بـأنه انحرف بدعوة الإخوان، وفتحت له مجلات وصحف الحكومة وقتها الصفحات الأولى، وقد خرج السكري من الجماعة كما تخرج الشعرة من العجين، دون أن يدري به أحد، أو يترك أي أثر يذكر، وبعدها لم تقبل مجلات وصحف الحكومة أن تنشر له أي مقالات، ولا في صفحات قريبة من صفحات الوفيات!!

يا سادة! الإخوان وسيلة، وليست غاية، فإذا اختلفتم مع هذه الوسيلة، فابحثوا عن وسيلة أخرى، وقدموا نموذجا يجعل إخوان الأمس معكم، يعيدون التفكير فيما نجحتم فيه من وسائل، وقدموا نماذج مقنعة، تحفظ تاريخكم، وتحفظ تقدير إخوان الأمس لكم، وتقدير المجتمع لكم، فلا يمكن أن تكسب ثقة حكومة ولا أحزاب معارضة، رأتك تنقلب على أصلك وأساسك، سيظل بداخلها في تعاملها لك: سابقتك مع إخوانك وفصيلك. هذه نصيحة من قرأ تجارب من فعلوا مثلما فعلتم.

أما رسالتي لقيادات الإخوان في الأردن الحالية: لا شك أن هناك مشكلة، وهناك أزمة، فما ذكرته من قبل عن نماذج تاريخية للانشقاقات، كانت كيانات تخرج فتسمي نفسها باسم غير الإخوان، وبتصريح رسمي وكيان جديد تماما، لكن الآن الأمر مختلف، بعيدا عن تخوين من فعل هذا الأمر، والدخول في النوايا، هذه المرة انقلاب دعوي واضح على الكيان الإخواني، لأنه بمقتضى هذا الكيان الذي ستزكيه حكومة الأردن وتوافق عليه، ستمكنه الدولة من تسلم مقرات الإخوان وممتلكاته، نكاية في الكيان الأصلي، وزيادة في توسعة الهوة، وحتى لو كان كيانا بمقرات خالية من الأفراد والنشاط، فيحول الصراع إلى صراع بين كيان كبير عريض بجماهيره وأفراده بلا مقرات رسمية، وكيان تعترف به الحكومة ولا يعترف به الكيان الدعوي الأصلي (الإخوان)، ولا تعترف به قواعده، وهنا لن يحمي كيان الإخوان الأساسي والجسم الأكبر للحركة، إلا التفاف صفه حوله، وهو أمر يحتاج لإجراءات وجهود من القيادة الإخوانية التنظيمية الحالية.

يجب أن نعترف أن هناك أزمة لدى إخوان الأردن ليست وليدة اليوم، بل وليدة سنوات مضت، وقد كنت في زيارة للأردن وقتها، وقابلت معظم الأطراف المختلفة، ووقفت على بعض مواضع الخلل بين الإخوان بعضهم بعضا، وذهبت لجنة من مكتب الإرشاد لرأب الصدع بين إخوان الأردن.

مما لا شك فيه أن هناك أزمة في قيادة الإخوان في الأردن، فهم سبب رئيس في مشكلة عدم توحد الصف الإخواني، وحتى يكونوا جزءا مهما من الحل، وينسى لهم الجميع سبب المشكلة، عليهم أن يخرجوا بمبادرة تنطلق من التوافق مع كل الصف الإخواني، تبدأ فيه القيادة الحالية بوقفة منصفة، تقف فيها على أخطائها، وتسعى لرأب الصدع الداخلي، فلن يقف حائط صد منيع أمام هذا الانقلاب الدعوي على الجماعة، إلا أن تكون اللحمة الداخلية قوية، ولن تقوى بغير الاعتراف بالخطأ، والسعي في علاجه بواقعية، وما أطرحه هنا هو: مبادرة توافقية، كأن تستلم قيادة الجماعة أطراف مستقلة موثوق بها، إلى حين إجراء انتخابات عاجلة من جديد، تقطع بها الطريق على المغرضين والمندسين، ويهدئ من غضب المغرر بهم، ويدفع المجتهدين المخطئين إلى مراجعة اجتهاداتهم. وبعد ذلك يجب على الجميع الالتزام بنتائج الانتخابات، ومن لا يريد الالتزام فـ"إلى حيث ألقت رحلها...".

حتى لو أدت هذه الانتخابات إلى تخلي القيادة الحالية عنها، وليس ذلك عيبا، يجب على قيادة الإخوان إعلاء مبدأ الحفاظ على المبدأ، ولو بتخلي الأشخاص عن مواقعهم، لتأتي قيادات جديدة من داخل الصف الإخواني، تعبر عن المرحلة بكل ما تتطلبه من قيادات تحظى بتوافق وقبول معظم أفراد الصف الإخواني، تلبي فيه طموحاته، وتعبر به هذه الأزمات.

Essamt74@hotmail.com