مقالات مختارة

هل ستتحدث عمان إلى الأسد؟!

1300x600
كتب ماهر أبو طير: خرجت علينا دمشق الرسمية ببيان تحث فيه الأردن على التنسيق معها لمواجهة الإرهاب، والرسالة قد تبدو موجهة إلى عمان، لكنها فعلياً تشمل عواصم الإقليم والعالم.

البيان السوري، ومعه في الوقت ذاته التعبيرات السياسية والإعلامية كلها للمعسكر الإيراني السوري حزب الله، تصب باتجاه واحد يقول، إن على بقية الدول المجاورة لسوريا، وتلك الداعمة للثورة السورية، أن تذوق من الكأس المر، أي كأس التطرف والقتل والإرهاب، وإن على هؤلاء أيضاً أن يعيدوا مراجعة استراتيجيتهم القائمة على دعم الثورة السورية، وهي استراتيجية ارتدت عكساً وباتت شظاياها تضرب يميناً ويساراً.

احتفل هذا المعسكر بحياء وذكاء بحادثة الطيار، لأنهم اعتبروه يصب في المحصلة لصالح نداءاتهم، ولصالح معاناتهم من التطرف والإرهاب، ولأنه أصاب معسكراً سنياً غير مستهدف، وتساوى في الألم مع معسكر مستهدف منذ سنين.

حادثة معاذ الكساسبة كانت عالمية، ربما لأن الإعدام وشكله من جهة، ووقوف الأردن الرسمي والشعبي على درجة واحدة من التأثر، والذين يقولون إن الحادثة ستنحصر في دلالالتها الفردية، لايصيبون هنا كبد الحقيقة، فالحادثة ستؤدي ربما إلى مراجعة شاملة للوضع السياسي والعسكري، ولو بشكل جزئي وحذر.

دمشق الرسمية تريد أن تستفيد من حادثة الطيار؛ لاسترداد قوتها الإقليمية بحيث يساعدها العالم، عبر طريقتين، الأولى وقف تمويل وإسناد الثورة السورية، حتى لا يزيد عدد المقاتلين من جهة، ويزيد الاستنزاف، والثانية أن تستعيد دمشق مقعدها الإقليمي بحيث يكون العالم أمام أحد خيارين فقط، «داعش» أو دمشق الرسمية.

في تصريحات الأمريكان تعثر واضح، فهم يريدون محاربة داعش، وفي الوقت ذاته يتذكرون أن حربهم على التنظيم، تخفف الضغط عن الأسد، وهم هنا، كمن يحارب مع جيش الأسد، في وجه هذه الفصائل، وهذه بحد ذاتها مفارقة، وهم أيضاً لايمتلكون جرأة الإعلان عن أن حساباتهم تجاه الأسد كانت خاطئة، بحيث يعود خيارهم الوحيد في وجه «داعش».

في المعلومات هنا، أن هناك قراراً غير معلن بزيادة أعداد المقاتلين السوريين، من غير هذه الفصائل المتشددة، والأرجح أننا سوف نسمع الفترة المقبلة عن توسعة في أعداد السوريين الذين يتم تدريبهم في دول الجوار، بحيث يكون هناك عشرات آلاف السوريين المدربين بشكل قوي جداً، وبحيث يتم توظيف هؤلاء، لمحاربة «داعش» برياً في هذه المرحلة على الأقل، وفي الوقت ذاته محاربة دمشق الرسمية.

الواضح وفقاً لما هو مؤكد، أن لا نية لدى عواصم عالمية وعربية حتى الآن، الوقوف بين خياري داعش ونظام الأسد، ولأن هذا هو الواقع فإن الحرب على «داعش» التي سوف تشتد، ستقابلها حملات أقوى على نظام الأسد، لأن واشنطن وسلسلة حلفائها، باتوا يضعون أمام أعينهم هدفين في هدف واحد، فاستراتيجية استبدال الأهداف لم تنجح كما يجب، أي استبدال عداوة نظام الأسد، بعداوة داعش فقط.

رسائل دمشق الرسمية، حول التنسيق معها بشأن محاربة الإرهاب، بعد حادثة الكساسبة، ليست جديدة، فقد أبرق السوريون الرسائل ذاتها بوسائل مختلفة، وفي مؤتمرات مختلفة، لكن أحداً لم يتوقف عندها، لأن الذي يمول ويدعم «داعش»، خصوصاً، في مرحلة البدايات، هو ذاته الذي يريد رأس دمشق الرسمية.

وبما أن اللعبة خرجت عن قواعدها اليوم، بأنْ باتت داعش مستقلة نفطياً ومالياً وعسكرياً، فإننا أمام سيناريو وحيد، يقول: إن دمشق الرسمية و«داعش» في سلة واحدة، كلاهما يقتلان، ولا يصح محاربة طرف، والاعتذار للآخر، وفقاً لمنطوق المطلعين على بواطن الأمور.

هذا كله يعني في الخلاصة، أن دمشق الرسمية، على استفادتها جزئياً من أفعال «داعش»، لم تستفد كلياً، كما تريد، بأنْ تستعيد مقعدها الإقليمي، والأرجح أن لا نية لأحد عربياً وإقليمياً ودولياً، أن يطرق بابها، ولو من باب الحاجة أو الاعتذار المتأخر، وبهذا المعنى تتوسع الحرب وتزداد تعقيداتها على الجبهات كلها.

(عن صحيفة الدستور الأردنية 7 شباط/ فبراير 2015)