مقالات مختارة

ماذا بقي من "المقاومة والممانعة"؟

1300x600
كتب منار الرشواني: رغم استعجال الاحتفال بعملية مزارع شبعا، رداً على مقتل بعض من قادته في القنيطرة السورية، وبما يؤكد التطمينات التي نُقلت إلى إسرائيل، وأعلنها أمس صراحة حسن نصرالله، بأن حزب الله لا يريد حرباً مع إسرائيل.

فلربما يظل ممكناً للبعض ادعاء أن الحزب، وبفضل العملية الأخيرة، ما يزال يمثل مقاومة ضد العدو الإسرائيلي، هدفه تحرير القدس، حتى وإن أوشك مقاتلوه أن يصلوا إلى أفغانستان وأبعد منها، بعد سوريا والعراق وسواهما، لكنهم لا يتدخلون لمساندة المقاومة الفلسطينية في كل عدوان إسرائيلي.

إلا أن أحدث الدلائل وأوضحها على ما انتهى إليه محور "المقاومة والممانعة"، هو ما جاء على لسان بشار الأسد في مقابلته مع مجلة "فورين أفيرز" قبل أيام، التي من الضروري الإشارة إلى أنها جاءت بناء على طلب من نظام الأسد، كما أوضح مدير تحرير المجلة جوناثان تيبرمان؛ الذي كان قدم الطلب بإجراء مقابلة مع الأسد في العام 2013 من دون أن يتابعه أو يتلقى رداً، حتى جاءه اتصال من القصر الجمهوري مطلع الشهر الحالي.

في هذه المقابلة، جاء التعليق لأول مرة من النظام على استهداف إسرائيل لضابط أو ضباط إيرانيين وأعضاء من حزب الله على الأرض السورية. ولا بد أن يكون ملفتاً، بعد كل التهديدات بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية المزمنة حد فتح جبهة الجولان، تكذيب الأسد شخصياً للادعاءات الإسرائيلية بهذا الخصوص!

مدللاً على ذلك بتأكيده الحقيقة المعلومة للجميع، عبر القول حرفياً: "لم تقع عملية ضد إسرائيل انطلاقاً من الجولان منذ وقف إطلاق النار في العام 1974. ومن ثم، فإن مزاعم إسرائيل بوجود خطة لعملية بعيدة تماماً عن الحقيقة، وعذر لاغتيال أفراد من حزب الله".

أما الأهم الذي يتكامل مع هذا التأكيد على استمرار حسن نوايا نظام الأسد، أباً وابناً، تجاه إسرائيل، وعلى النحو القائم منذ أكثر من أربعة عقود، فهو تأكيد بشار الأسد في المقابلة ذاتها، لا على الرغبة في التعاون مع الولايات المتحدة التي يُفترض -بحسب محور الممانعة والمقاومة- أنها صانع الإرهاب الأول، بل وانفتاح الأسد على توقيع اتفاقية ومعاهدة مع الشيطان الأكبر!

هنا قد يُقال، حتى من أنصار الأسد، إن تصريحاته ليست ذات قيمة، طالما أن مصيره -ناهيك عن قراراته-بات بيد إيران. ورغم دقة هذا القول تماماً، إلا أنه لا يتعارض أبداً مع التفسير الآخر لهذه التصريحات؛ بأنها منسقة تماماً ضمن السياسة الإيرانية التي باتت واضحة وجلية الآن.

ففي "معسكر المعتدلين"، يجب التذكير أن الرئيس حسن روحاني يتحاشى في كل مقابلاته وتصريحاته، منذ توليه السلطة، أي إشارة لفلسطين والفلسطينيين، ولا يوجه انتقاداً لإسرائيل إلا في حدود معارضتها أو تحديها للمصالح الإيرانية الخالصة. وهو ما يتكامل مع موقف "المحافظين الإيرانيين" الذين يواظبون على توظيف عبارات الشتم لأميركا "الشيطان الأكبر"، لكنهم يتحالفون معها عملياً في العراق واليمن وحتى سوريا، أملاً في تحالف استراتيجي معلن يُتوّج بالاتفاق على البرنامج النووي الإيراني، جزءاً من صفقة كبرى إقليمياً.

باختصار، لم يبق من محور "المقاومة والممانعة" إلا ما هو ضروري لنيل الرضا الأمريكي، وعلى حساب فلسطين ذاتها التي أبدع المستبدون في توظيف قضيتها، بما يخدم بقاءهم، ويجذر الاحتلال الإسرائيلي في الوقت نفسه، كما تشهد بذلك الحقائق على الأرض بلا أي مبالغات.

(عن صحيفة الغد الأردنية 31 كانون الثاني/ يناير 2015)