مقالات مختارة

«داعش».. وشتاء ساخن على الحدود اللبنانية

1300x600
كتب حسن بن سالم: إلى أين تتجه منطقة القلمون الشريط المحاذي للحدود اللبنانية في شتاء 2015؟ التطورات من هناك تشير إلى أن تنظيم داعش قد اتخذ قراراً استراتيجياً بالسيطرة على منطقة القلمون والمناطق القريبة من الحدود اللبنانية، إذ أصبحت من الأولويات في تمدد خلافته.

فالقلمون التي تعتبر ثالث معاقل جبهة النصرة بعد درعا وريف إدلب، إضافة إلى فصائل الجيش الحر، باتت أساسية في حسابات التنظيم، وأنه بدأ يعمل على قلب موازين القوى والحضور لمصلحته، بعد أن كان حضوره فيها ثانوياً، بحيث تتحول «النصرة» و«الجيش الحر» من أكثرية ممسكة بالأرض إلى أقلية.

هذه التطورات تشير إلى أن منطقة القلمون الوحيدة التي ظلت بعيدة ولمدة طويلة نسبياً عن أجواء الصراع والاقتتال الفصائلي وحروب التصفيات والإلغاء بين «النصرة» و«داعش» بعد توصل الفصيلين على تحييدها عن الصراع، بخلاف المناطق والمدن الأخرى التي شهدت تفجر خلافات وصراعات دموية فيها، لم تعد هي الأخرى في منأى عن احتمالية اشتعال الاقتتال فيها بين تلك الفصائل، وأن اشتعال الجمر تحت رماد التهدئات والهدنات قد يكون في أي لحظة.

فتنظيم داعش يسعى جاهداً بوصوله وعبوره الحدود اللبنانيّة إلى تأكيد أن قصف طائرات التحالف الدولي لم يمنعه من تحقيق انتصارات جديدة، ولذلك فإن «كسر الحدود» مع لبنان يعد انتصاراً في هذه المرحلة، وتعويضاً عن بعض الخسائر في العراق. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن «داعش» يسعى من خلال ذلك إلى إيجاد موطئ قدم؛ للهجوم على مناطق نفوذ «حزب الله» اللبناني، واستغلال ذلك في تسعير الصراع الطائفي (السني-الشيعي)، وهو ما يسهم في زيادة عدد المنتسبين الجُدد، كما سيؤدي إلى خلق ارتباك كبير في الساحة اللبنانية، في حال تدخل حزب الله لمساندة الجيش اللبناني، خطة التنظيم في بسط نفوذه وهيمنته على القلمون تقوم على أمرين أساسين:

الأول: نجاحه في استقطاب واستيعاب بعض فصائل «الجيش الحر»، وهوما أدى إلى زيادة وتضاعف عدد مقاتليه، بعد توقيف الأجهزة الأمنية اللبنانية ستة من أبرز قيادات الجيش الحر على رأسهم العقيد المنشق عبدالله الرفاعي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وهو ما أدى إلى ترك المقاتلين «أيتاماً» بلا قيادة ومصادر تمويل، فتمكن «داعش» من استيعاب واحتضان أعداد منهم، وبهذا الإجراء عملت السلطات الأمنية اللبنانية على تقديم خدمة بالمجان للتنظيم، فالجيش الحر -كما هو معروف- ظل دوماً طرفاً محايداً عن لبنان وحدوده واعتبار أمنه خطاً أحمر لا يجب تجاوزه.

وأخيراً تفجر القتال بين «داعش» وفصائل الجيش الحر في جبال القلمون؛ بسبب رفضهم مبايعة التنظيم، انتهت بسقوط وجرح العشرات واعتقال القائد الميداني عرابة إدريس والإفراج عنه لاحقاً خلافاً عما أشيع في معظم وسائل الإعلام بخبر إعدامه، وبذلك لم يعد أمام من تبقى من فصائل الجيش الحر الذي تناقص حضوره في القلمون ولم تبايع «داعش» سوى انتظار موعد الرحيل.

الثاني: تولية المناصب القيادية لـ«داعش في القلمون لأشخاص مغالين في التكفير والتطرف، وهو ما أثار حفيظة قادة الفصائل في المنطقة، وقد يتسبب في تهيئة مناخ اشتعال الاقتتال بين التنظيم وجبهة النصرة، ويشكل فعلياً نهاية حال المهادنة بين الفصيلين، ويأتي على رأس تلك القيادات الجديدة أبو الوليد المقدسي «الأمير الشرعي» السابق في «جبهة النصرة في القنيطرة»، قبل أن ينشق عنها وينضم إلى «داعش»، الذي كان صريحاً في تشدده وتطرفه بتكفيره «جبهة النصرة» واتهامها بالردة والخيانة؛ عبر إفتائه في تسجيل صوتي على سؤال ورده من بعضهم في القلمون، وقد جاء الرد من أبي مالك الشامي أمير جبهة النصرة في القلمون المعروف بأنه من أقل الراغبين على مستوى قيادات النصرة في سورية في مواجهة «داعش»، والأقرب ميلاً إلى مهادنتها بشكل متناغم مع النهج الذي تنتهجه قيادة «النصرة»، وعدم استعداء أو إثارة حفيظة التنظيم؛ بإن تنظيم داعش ليسوا خوارج أو كفاراً أو مرتدين، وأن ما يدين به أنهم إخواننا في الدين حصل من بعضهم بغي على المسلمين، ولا نطلق صفة الخوارج على تنظيم داعش بكل عناصره، على رغم أن «شرعي داعش» في القلمون قد حكم بكفرهم وردتهم، وبناءً على ذلك أشارت الأنباء إلى أن أبا مالك الشامي عقد اتفاقاً وهدنة مع «شرعيي داعش» ينص على تحييده نفسه عن المعارك التي ستدور بين «داعش» ومقاتلي الجيش السوري الحرّ الذي يرفضون المبايعة، وعلى تقسيم المناطق بينهم، وبالفعل استطاع أبو مالك تحييد نفسه وعدم جر فصيله إلى مواجهة، ولاسيما أنه لم يعد يمتلك القوة الكافية التي تسمح له بالمواجهة العسكرية، وهو ما يجعل «النصرة» تقف موقف الحياد وعدم التدخل من الاقتتال بين «داعش» مع الجيش الحر الذي كان يعمل بشكل مشترك مع جبهة النصرة في القلمون، ومن اللافت للاهتمام هو قدرة «داعش» على نقل عتاد ومقاتلين من مناطق نفوذه في شرق سورية إلى غربها، على رغم أن طرق الإمدادات هذه من المفترض أن الجيش السوري هو من يسيطر فعلياً عليها.

هذه التطورات الحاصلة في القلمون سيكون لها تأثير وتداعيات في الواقع اللبناني، ولعل تأثيرها الأول سيكون على ملف العسكريين المخطوفين الـ25 كلهم، وأياً تكن الأوضاع حالياً، إلّا أن الأكيد أن منطقة القلمون تتأهب إلى معركة كبرى، ستتركز اشتباكاتها بين «داعش» و«جبهة النصرة»، وبحال تمّت تسوية الأمر بين الفصيلين واتفقا على توحيد وجهتهما القتالية، فإن المعارك ستكون أعنف بينهما من جهة وبين حزب الله في الجهة المقابلة، ولاسيما أن «داعش» سيسعى إلى التمدد، ولن يرضى بالبقاء في الجرود، إضافة إلى أن أبامالك الشامي قد سبق أن أصدر تهديداً بدخول الأراضي اللبنانية، وهو ما يعني أن هذا التحوّل في حال حصوله سيفرض واقعاً أمنياً وعسكرياً جديداً بالنسبة إلى لبنان.



(صحيفة الحياة اللندنية)