مقالات مختارة

بعد أحداث طرابلس مسؤولية المؤسسات الإسلامية عن تداعيات ما يجري

1300x600
كتب إبراهيم المصري: الأحداث التي عصفت بمناطق طرابلس والشمال خلال الأسبوع الماضي لم تكن مفاجئة، فالجميع كانوا يدركون أن تداعيات ما يحدث في سوريا سوف تصل إلى الساحة اللبنانية، لكن أين ومتى، هذا ما كان مفاجئا، على الرغم من أن طرابلس كانت وما زالت تشكل ميدانا حيويا لأي تحرك إسلامي، وأن بيئتها التي كانت وما تزال غير حاضنة للإرهاب من أي نوع كان، سوف ترفض تبني أو احتواء أي تحرك إرهابي، خاصة إذا كان يسمي نفسه إسلامياً.. لأن كل التيارات الإسلامية، صوفية أو سلفية، دعويّة أو حركية.. نشأت في طرابلس ومحيطها الشمالي، وأن كل محاولات دمغ الإسلام بالإرهاب سبق لها أن حققت فشلاً ذريعاً، بدءاً بأحداث الضنية عام 1999، مروراً بأحداث مخيم النهر البارد تحت عنوان «فتح الإسلام»، وصولاً إلى ما سمي «الإمارة الإسلامية» تحت عنوان «جبهة النصرة» أو «داعش» أو غيرها.

لكن ما يجري في سوريا منذ أواسط شهر آذار 2011 من أحداث، بدأت بمظاهرات سلمية في شوارع المدن والقرى، وانتهى قصفاً بمدافع الدبابات وصواريخ الطائرات، والدفع باتجاه تشكيل مجموعات متطرفة تحمل الصبغة الإسلامية، ولجوء ما يزيد على مليون نازح سوري مع عائلاتهم إلى داخل الأراضي اللبنانية، واستمرار المواجهة الدموية ما يقارب الأربع سنوات، ووجود حدود مشتركة بين البلدين يتسرّب عبرها النازحون أو المقاتلون.. كل ذلك كان كفيلاً بأن يجعل من مختلف المناطق اللبنانية -لا سيما الإسلامية منها- مأوى حاضناً لجميع توجهات الشعب السوري، خاصة أن هناك مجموعات (أو ميليشيات عسكرية) تعبر الحدود كل يوم، وتنقل السلاح والعتاد ليلاً ونهاراً، حيناً بحجة الدفاع عن العتبات المقدسة في السيدة زينب وغيرها، وحيناً آخر بذرائع سياسية في مقدمتها الشراكة مع النظام السوري في المقاومة والممانعة، وكأنه يجوز لأي حزب لبناني أن يتبنى قضايا الشعوب الأخرى وان يشارك في إعلاء أو اسقاط أنظمتها السياسية، في أي إقليم أو قارة كانت.

نعود الى ما وقع في طرابلس، فقد كانت مواجهات أليمة خاضها الجيش اللبناني في غير ساحته الجنوبية، واجه خلالها مجموعات يسميها البعض متطرفة أو إرهابية أو تكفيرية.. لكن العنصر الجامع بصرف النظر عن سلامة التسمية أو صحتها، هو أن البلد كان بغنى عن كل ما يقع وما يدور، وأن لبنان الذي يتمتع بنعمة الديمقراطية ليس مقبولاً تحويلها الى فوضى تصل حدّ الاقتتال الداخلي، سواء كان بين منطقة وأخرى أو بين طائفة وأخرى. والمشكلة عندنا هي أن مرحلة الوصاية السورية خلفت علاقات وارتباطات، تجاوزت كل القيم الأخلاقية والسياسية، وباتت بعض القوى اللبنانية رهينة مصالحها هي أو مصالح من يديرها، فضلاً عن الارتباط العقائدي أو الولاية الشرعية.

ليس المقصود بهذا الكلام حزب الله وحده وعلاقته بإيران أو النظام السوري، وانما التيارات الناشئة التي باتت تدين بالطاعة والولاء لأمير المؤمنين أو «الخليفة»، سواء كان ذلك في الساحة العراقية أو السورية، أو ما يمكن أن يكون قد تسرّب الى الساحة اللبنانية، ما يستدعي توقفاً أمام هذه الظاهرة التي قد تعاني منها الساحة الإسلامية -في لبنان أو أي مكان من العالم- الكثير من الويلات. وقد تبيّن من خلال ما جرى الإعلان عنه من اعترافات بعض الذين جرى التحقيق معهم من أتباع «تنظيم الدولة» أو «جبهة النصرة» أنهم أوغلوا في الساحة اللبنانية كما في غيرها، وأن القرار يأتي عبر وسائل التواصل الالكترونية، العابرة للحدود، وأن واجب العاملين في هذه التنظيمات هو السمع والطاعة، كذلك الأمر بالنسبة لأمير التنظيم المحلي مهما علت رتبته أو ارتفعت قيمته. وهذا ما يلقي على عاتق العاملين في الحقل العام -ولا سيما في الحقل الإسلامي- مسؤولية بالغة الخطورة بتدارك هذه الظواهر ومعالجتها قبل أن يتسع اطارها وتترك المزيد من الآثار، سواء في الساحة السياسية أو الأمنية أو العسكر ية.

وإذا كانت أحداث طرابلس والشمال قد انجلت وانقشعت بعد أيام من الاقتتال الداخلي، تهدمت فيها المنازل واحترقت الشوارع وسقط فيها القتلى من كلا الطرفين، فإن وقف إطلاق النار لم يكن نتيجة حوار أو تفاهم سياسي، وانما كان نتيجة قناعة الفريين بعدم جدوى استمرار المواجهة، وأن أنصار التنظيمات الإسلامية غادروا مواقعهم إلى مكان آخر، بعيد أو قريب من ساحة المواجهة، وأن دوريات الجيش وقوى الأمن ما تزال تراقب وتداهم وتفتش عن السلاح والمسلحين، وأن ما وقع في طرابلس قد يقع في عكار أو صيدا أو حتى في بعض أحياء مدينة بيروت الداخلية أو الحديثة.

لذلك، لا بدّ من معالجة هذا الملف بما يستدعيه من أهمية. فطالما أن الثورة في سوريا مشتعلة، وان هناك من يخوض المواجهات ضد النظام.. وان هناك من يدافع عن النظام عبر الحدود اللبنانية.. فإن الأزمة عندنا سوف تستمر.

وطالما أن هناك فريقاً من اللبنانيين يفاخر بأنه يرسل مقاتلين الى الداخل السوري، وأنه يستقدم شهداءه الى لبنان ويشيّع جنازاتهم بمواكب في مختلف المدن والقرى اللبنانية.. فإن من حق الفريق المقابل ان يرسل الى الداخل السوري من يدافع عن الشعب الثائر، وأن يسارع في وقف عمليات القصف، سواء كانت بالصواريخ أو البراميل المتفجرة. وإذا كان التوازن القائم في الحكومة عبر الحرص على استمرارها دون الدخول في نقاط الخلاف قد ساعد حتى الآن في استمرار أدائها دون اقالات أو استقالات.. فإن المستقبل قد يحمل الكثير من المطبات والمخاطر. لذلك فإن الواجب يقضي بمعالجة ظاهرة عبور الحدود، من وإلى الداخل السوري ينبغي ان تعالج، حتى لا تبقى ثغرة في ما تبقى لمؤسسات الحكم في لبنان، خاصة بعد الشغور الرئاسي والفراغ النيابي.

أما الجانب الذي يعني الإسلاميين في هذه المعادلة البالغة الحساسية، فإنه يحتم سرعة اهتمام المؤسسات الإسلامية بعنصر الشباب، لا سيما الذي يحمل توجهات جهادية أو سياسية. والمسؤولية كبيرة بالنسبة للمؤسسة الإسلامية الرسمية «دار الفتوى» وأئمة المساجد وخطبائها، لأنهم يحملون مسؤولية توجيه الرأي العام. كذلك التيارات والقوى الإسلامية، التي تتولى قيادة الشارع وريادته، ومعالجة الشؤون الفكرية والسياسية. أما الإعلام الرسمي والإعلام الحرّ، والفضائيات وأدوات التواصل.. فأمرها إلى الله.

*إبراهيم المصري، الأمين العام للجماعة الإسلامية، ورئيس تحرير مجلة "الأمان"

(عن مجلة الأمان اللبنانية 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2014)