مقالات مختارة

الحرب الإيرانية- السعودية ومنفاخ "داعش" و"دميرطاش"

1300x600
كتب إبراهيم قرة غل: هل أدركتم سيناريو تعليم تركيا الأدب من خلال "كوباني – عين العرب"، لجرها لحرب غير واضحة المعالم، وإركاعها إذا قاومت، من تصدير إرهاب الشوارع لها؟ 

في ثلاثة أيام متواصلة واجهت تركيا في كل المدن تقريبا، ولا سيما في محافظات شرق وجنوب شرق البلاد، كافة أشكال القبح والوحشية والسوء. كان الناس يتم إنزالهم من سياراتهم وقتلهم، بل وحُرّقت البيوت بمن في داخلها، وأُطلق الرصاص على كل من له ذقن، ومن يقتله يقول "له ذقن إذن هو من أنصار داعش"، وأُلقي الناس من الشرفات، وأُحرقوا... حُرقت المحال التجارية ونُهبت، بل وحرقت المباني العامة، ووسائل المواصلات العامة والخاصة، ولم تخرج مدارس الأئمة والخطباء عن دائرة أهداف الإرهابيين. بل ووصل الأمر إلى قيام بعض المسجلين خطر بإرشاد الإرهابيين إلى عناوين الأسر المحافظة، وتعرض بعضهم للضرب في رأسه بالحجارة. 

لابد من محاسبة كل المسؤولين عن هذه الأعمال:

خلال ثلاثة أيام شاهدنا داخل الحدود التركية، مشاهد يندى لها الجبين، كنا نكتفي في السابق، بمشاهدتها في الجانب الآخر من حدود دول الجوار. إذ كشف العنف الجامح، عن وجهه القبيح بكل ما يحمله من سوء. وكان شأن، الذين أخذوا يتحدثون بغضب وحماسة، تأجيج ذلك العنف، فنرى بعض الساسة خرجوا يقولون لأنصارهم "اقتلوا"، "أحرقوا" و"اهجموا". غض الجميع طرفهم عن عملية السلام، ومساعي حل القضية الكردية، ونسوا ما يحدث في "كوباني"، ونسوا الأنشطة الإغاثية، بل وعموا عن الجهود المخلصة للدولة. 

لكني أقول إن كل من ساهم في تأجيج الغضب والعنف في الشارع، شريك في مسؤولية الجريمة، ولابد من محاسبته عن فعلته. وينبغي ألا ننسى أو نعفو مطلقا عمن سكبوا البنزين على النيران لتأجيجها. كما أن من أرادوا حمل ما يحدث في العراق وسوريا، وما يجري بهما من حروب قائمة على محور الهوية، لنقلها إلى تركيا، كلهم أعداء لهذا البلد وللأمة التركية. 

ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتستر على الدور الذي لعبه القائمون على أمور حزبي "الشعوب الديمقراطي"، و"الشعب الجمهوري" من قادة وساسة، وغيرهم من الجناة المستترين في زي الصحافة، ذلك الدور الذي ساهم في وقوع حالات القتل التي شاهدناها على مدار ثلاثة أيام متواصلة. 

معنى الدولة ليس التسامح، وإنما اتخاذ التدابير اللازمة ضد من يشنون الحرب على أموال وأعراض المواطنين، ومحاكمة المذنبين منهم، فهذا هو ما تقتضيه سيادة الدولة وسلطتها. لابد من محاكمة ومعاقبة كل من تعدوا على الأمة والدولة. 

هل سمعتم من أوجلان أي توبيخ أو تبكيت لأحد ؟ 

عقد "صلاح الدين دميرطاش" الرئيس المشارك لحزب "الشعوب الديمقراطي، مؤتمرا صحفيا، هو والفريق التابع له، وظهر على الشاشات وهو يتصبب عرقا شديدا، الأمر الذي عكس للمشاهد الحالة النفسية التي كان عليها. حاول الظهور، وكأنه ليست له أي مسؤولية فيما حدث، بل وكأنه لا يعلم شيئا مطلقا عما تم. في حين أنه قبل يوم أو يومين من التصريحات الأخيرة، أدلى بتصريحات لابد من مراجعتها، ومساءلته عن كل كلمة وحرف قاله فيها، والاستفسار عن الكيفية التي تحولت بها تلك التصريحات إلى إرهاب ودماء. 

لابد من توجيه هذه الأسئلة له: ألم تكن تتوقع عواقب دعوتك الناس، وحشدهم للنزول للشارع؟ ألم تكن تتوقع كيف سيزيد الناس الذين أنزلتهم للشوارع، من وتيرة العنف؟ عندما أدليت بتصريحاتك، جاء بعدك آخرون وقالوا للناس في الشارع "اقتلوا" و"أحرقوا" و"اهجموا"، فلماذا لم تتدخل على الأقل، حينما رأيت ذلك؟ بعد هذه الدعوات، أين كنت حينما قام آخرون عبر أحد المواقع الإلكترونية، بدعوة الناس إلى العنف والقتل قائلين "اهجموا على تلك الجمعية"، و"اقتلوا من ترونه"؟ لماذا سكتَّ حيال ذلك؟ ولماذا لم تُسكت من وجهوا هذه الدعوات؟ لا تتوقع أنك ستنجو من المسؤولية، فأنتم مسؤولون بشكل كبير عما حدث من عنف وقتل، بتصريحاتكم، ودعواتكم التحريضية التي أدت إلى تصرفات غير مسؤولة من الناس في الشارع. 

ولا أُخفي عليكم أنني حينما كنت أُتابع المؤتمر الصحفي لـ"دميرطاش"، كنت أعتقد أن سبب العرق الذي كان يتصبب من كافة أنحاء وجهه، هو أنه تم تقريعه أو تبكيته، من قبل "عبد الله أوجلان"، هكذا اعتقدت. لكني أتمنى ألا يكون هذا هو السبب، أتمنى أن يكون السبب عذاب الضمير، وأن يكون إدراك الخطأ الذي اقترفناه هو السبب في تأنيب ضمائرنا لنا. 

لكن القضية ليست "دميرطاش"، بل القضية الحزب الذي يترأسه، حزب "الشعوب الديمقراطي" الذي تحرك بمنفاخ وغياب عقلي، ناسيا هويته السياسية، ترك عملية السلام، وتخلى عن بصيرته، وهب لتأجيج الأحداث في الشارع. فهذا أمر مؤسف بكل ما تعني الكلمة من معنى. هذا افتقار للنضج السياسي، والأخلاق، بل هو بمثابة النقطة الأخيرة في مسلسل الانهيار السياسي للحزب. المسؤولون عن هذا الحزب، ارتكبوا بحق هذا البلد جريمة، من خلال التشكيلات التابعة له، ومن خلال الجهات التي يديرها ويتحكم فيها بشكل غير مباشر. 

الصراع الإيراني – السعودي: تركيا لن تقع في الفخ: 

لقد أجبروا تركيا على بعض الأشياء، بسبب "كوباني". هم وحدهم وليس تنظيم "بي كا كا – حزب العمال الكردستاني"، من اضطروا تركيا لارتكاب أخطاء. وهم يرون أن استيعاب المشاكل هناك، وتقديم المساعدات شيء، ومعاقبة تركيا باستغلال الأوضاع في "كوباني"، وشن حرب على الشعب التركي، شيء آخر. وأقولها بصراحة، إن كل هذه الأحداث لا علاقة لها من قريب أو بعيد بإنقاذ "كوباني"، وهذا ما نلاحظه رويداً رويداً، ندرك أن المقصود من هذا هو تركيا ذاتها، لجرها بشكل غير منضبط، إلى مستنقع القضيتين السورية والعراقية. 

تنظيم "داعش"، بمثابة وجه الصراع الإيراني – السعودي، فهو تنظيم تموله وتديره دول الخليج، من أجل كسر النفوذ الإيراني الذي امتد حتى البحر المتوسط. فهذا التنظيم لا ينبس ببنت شفاة ضد هاتين الدولتين، ولو فكرتم في الأمر رويدا رويدا ستدركون بكل سهولة من يقف وراء استهداف التنظيم لتركيا التي تسعى لتأسيس مستقبل مشترك مع الأكراد من خلال عملية السلام.  

وإذا أردت أن أوضح أكثر، أقول لكم ركزوا فيمن ساقوا "داعش" إلى "كوباني" و"أربيل" وإلى غيرها من المناطق الكردية، فهم يريدون التضحية بالأكراد في هذه الأحداث. فهم من ناحية يضربون "كوباني"، ومن ناحية أخرى يضربون من الداخل تركيا التي أخذت موقفا ضد هذا الاستقطاب. وحقيقة الأمر أن الأحداث الأخيرة، جعلت من تركيا، والأكراد ضحايا الصراع بين هاتين الجبهتين. ألم تفطنوا بعد لهذه الحقيقة؟ 

التضحية بتركيا والأكراد: 

بينما تسعى إيران من جهة لإيقاف "داعش" عن طريق الأكراد، نراها على الجانب الآخر تسعى لتصفية هذا التنظيم عن طريق تركيا. فهي تحاول إثارة حفيظة تركيا بـ"ورقة الأكراد"، لدفعها إلى الجبهة لمواجهة "داعش"، وذلك رغبة منها في كسر مقاومة الثنائي "داعش" والسعودية، بيد تركيا، وربما أنها حسبت جيدا أن الهجوم على المناطق الكردية، من شأنه أن يدخل تركيا في حالة اضطرابات، وهذا ما حدث بالفعل. 

ولا جرم أن تركيا لن تغوص دون تفكير، في الأزمات التي أسفرت عنها جبهة إيران – السعودية، ولن تتحرك كتنظيم، بل ستظهر ردة فعلها كدولة مخضرمة قديمة. والآن أقول إن مستقبل تركيا مع الأكراد، وما نشهده الآن، عبارة عن محاولات تقوم بها الجبهة المذكورة، لتخريب التضامن بين الأتراك و الأكراد. الساسة الأكراد، بكل أسف، لم يروا هذا أو يقرؤوه. 

ثمة تهديدات توجه لتركيا، بنقل الصراع في سوريا إليها، لأنها تقاوم، ولم تنجر للفخ المنصوب. ولا شك أن هذا بمثابة تهديد كبير. حتى أن هناك رغبة لتلك الجهات، في تصعيد الصراع بين "بي كا كا" و"حزب الله"، وهذا هو السبب في استهداف إرهاب الشوارع لأنصار "حزب الله" بصفة خاصة، وذلك من أجل إثارة حفيظتهم، واستفزازهم. وعلى كل فإن تركيا مدركة جيدا لأبعاد اللعبة التي تُحاك، لذلك فهي تحافظ على ضبط النفس جيدا، وهذا ليس ضعفا منها. لكن من المؤسف والمحزن أن السياسيين الأكراد لم يفطنوا حقيقة الأمر.  

تركيا لا ترغب في جار مثل "داعش" متاخم لحدودها، وهي تعرف جيدا أن هذا التنظيم لم يظهر بسبب الإرهاب. وحينما اقترحت حلا أوسع وأشمل، رأينا دول التحالف الدولي، والدول الإقليمية ترفض طرحها. ونحن نعرف جيدا أن الدول التي تعارض تأسيس منطقة آمنة على الحدود، هم نفس الأشخاص الذين لا يريدون على الإطلاق حلا في المنطقة. فهؤلاء يرغبون في استمرار الأزمات والصراعات، لأنهم يديرون أمورهم في أجواء فوضوية، ولا يفكرون على الإطلاق في مقتل مئات الآلاف، أو سقوط "كوباني"، أو نزوح الملايين من المشردين. 

وأقول إن من عارضوا مذكرة تفويض الحكومة، بإرسال القوات المسلحة لخارج الحدود للقيام بعمليات عسكرية، إذا اقتضت الضرورة ذلك، ليست لديهم كلمة واحدة يساهموا بها في عملية السلام. ولعل طلب "قليتشدار أوغلو" "تذكرة تفويض من أجل "كوباني"، آخر نماذج الجهل. 

لا تنسوا أن هناك مساعي للتضحية بالأكراد وتركيا، من خلال السيناريو المتعلق بتنظيم "داعش". فإذا كان لديكم عقل، ولديكم شيء يمكنكم القيام به، اذهبوا إلى إيران، والسعودية وألمانيا، وغيرها من الدول التي تغذي الفوضى، إذهبوا إليهم وحاسبوهم، لكنكم لا يمكن أن تفعلوا ذلك... 

وأخيرا أقول، تركيا لن تحارب مع العرب من أجل إيران، ولن تحارب مع إيران من أجل العرب. تركيا هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تقف بشكل متوازن حيال الحروب العرقية والطائفية.
 
أعرف أنكم لن تستطيعوا الفهم...