كتاب عربي 21

القاعدة تتحرك كالرمال في اليمن

1300x600
استغرق الأمر يومين حتى أعلن الجيش استعادة السيطرة على مدينة القَطَنْ، المدينة الواقعة عند مدخل وادي حضرموت من الناحية الغربية، هذا الوادي الذي يعتبر أكبر أودية اليمن و"ميزابها" الشرقي. وخلال اليومين الفاصلين بين الشك واليقين، كنا نسمع عن ادعاءات القاعدة أنها أسقطت حضرموت، وتبين أن في ادعائها شيء من الحقيقة.

حينما خاض الجيش اليمني معركته الرئيسية مع تنظيم القاعدة في أهم معاقلها بالمثلث الواقع بين محافظات شبوة وأبين ومأرب والبيضاء، بوسط البلاد، حيث كانت قد تحصنت وأوجدت لها ملاذات مستقرة، كان الشك يساور العديد من المراقبين بشأن حقيقة ما يجري في تلك المعركة، لقد تقدم الجيش وحرر المواقع التي كانت تتواجد فيها عناصر القاعدة، ولكن هذا الجيش لم يخض سوى اشتباكات محدودة وخصوصاً في مدينة عزان، المعقل الرئيس للقاعدة في محافظة شبوة والتي يمر بالقرب منها أنبوب الغاز الطبيعي المسال من مأرب إلى ميناء بلحاف على البحر العربي.

لقد انسحبت عناصر القاعدة من مناطق المواجهات بأسلحتها وعتادها، وبدا أنها قد تحولت إلى رمال متحركة لا يحدها حدود، ولكنها على ما يبدو قد اختارت وادي حضرموت وهضبتها وصحراءها ملاذاً مفتوحاً ومتاحة يصعب السيطرة عليها.

وهاهي القاعدة اليوم، وانطلاقاً من بيئتها الطبيعية الجديدة تبدو كرمال الصحراء متحركة لا تستقر وتباغت كل من تصادفه في طريقها وتدفنهه، فعناصر القاعدة تعاود هجماتها المنسقة والمنفذة بكفاءة وإحكام، على مدن الوادي والمنشآت الرسمية، وباتت تستهدف البنوك ومكاتب البريد بشكل خاص للحصول على التمويل، تحت ذريعة أن هذه الأموال حرام!!.

القوات التي تواجه القاعدة في وادي حضرموت، يبدو أنها تخوض معركة صعبة للغاية، لأسباب عديدة، أهمها أن هذه القوات، لم تتهيأ بما فيه الكفاية لمواجهة مقاتلين متمرسين كمقاتلي القاعدة، بالإضافة إلى أنها تعاني من عدم تماسك وتهميش إلى حد ما، ما جعلها مرتبكة، وهو ما يفسر كيف أن عناصر القاعدة قامت ليلة الجمعة السبت، الماضية بالتعرض لحافلة نقل عام، وأنزلت من على متنها جنوداً من المنطقة العسكرية الأولى بسيئون في طريق عودتهم  إلى صنعاء ثم قامت بذبح ما بين 14-19 جندياً بطريقة بشعة ومقززة.

الجديد في هذا المذبحة، أن من قاموا بها تذرعوا بأن هؤلاء الجنود "متحوثون"، أي ينتسبون إلى المليشيا الحوثية المسلحة التي تهيمن على المنطقة الشمالية الغربية من اليمن بقوة السلاح، وهي على النقيض من حيث المعتقد مع القاعدة، حتى أن الكتاب والناشطين السياسيين، أطلقوا على المليشيا الحوثية المسلحة لقب"داحش" مقابل "داعش"، وحيث يشير حرف الـ(ح) في المصطلح الأول إلى الخلفية العقائدية الشيعية للحوثيين.

لقد بات واضحاً أن القدرة الهائلة لتنظيم القاعدة على التحرك والمباغتة في وادي حضرموت أي في الجنوب الشرقي من اليمن، وفي مناطق أخرى جنوبية، والتقدم المستمر للمليشيا الحوثية المسلحة في شمال البلاد، يضع البلاد بين فكي كماشة الجماعات المسلحة الإرهابية، التي لا هدف لها سوى الانقضاض على الدولة، وكلا الجماعتين، تتلقيان الدعم والمساندة من أطراف عديدة.

لا يمكن التشكيك في أمر الدعم والإسناد اللذين تحصل عليهما هاتان الحركتان المسلحتان، إذ لا يمكن لهما أن يظهرا بكل هذه الإمكانيات من فراغ أو من عوائد الغنائم التي تقع في أيديهما من الجيش والأمن، فالمقاتلون يحتاجون إلى مؤونة، وما يظهر هو أن هاتين الجماعتين لديهما ما يكفي من الأموال لتغطية نفقات مشروعيهما لهدم الدولة كلاً من زاويته ومن الإملاءات التي تضخها من عقيدتها المثقلة بأوزار التاريخ وأحلامه ونكساته.