كتاب عربي 21

نذر حرب واسعة اليمن بعد سقوط عمران

1300x600
لا شيء يسود الأفق اليمني حالياً أكثر من الاحتمالات المتزايدة لخوض حرب شاملة مع الجماعة الحوثية المسلحة، التي أفصحت على نحو غير مسبوق عن مشروعها السياسي الذي أخرجها تقريباً من إطار الإجماع الوطني والتسوية السياسية، ودفع بها أكثر نحو مغامرة إسقاط الدولة والنظام الجمهوري وفرض واقع جديد في البلاد. 

هذه الاحتمالات السيئة عززها سقوط مدينة عمران (50كم( إلى الشمال من العاصمة، الثلاثاء الماضي، إثر سيطرة الجماعة الحوثية المسلحة، على مقر قيادة اللواء 310 مدرع، وهو اللواء الوحيد الذي تحمَّلَ عبئ الدفاع عن المدينة طيلة الأشهر الخمسة الماضية، واستطاع أن يُنهك هذه الجماعة والداعمين لها، ويكبدها خسائر هائلة لم تعرفها من قبل.

على الدوام اقتضت الانتهازية السياسية التي تبنتها الدولة وبتحريض من المجتمعين الإقليمي والدولي، على التعامل مع ما يدور في محافظة عمران في شمال اليمن، على أنه صراعٌ بين مليشيات مسلحة، وفي الواقع لم ير اليمنيون غير الميليشيا الحوثية تتحرك على الأرض وفق خطة عدوان محكمة تستهدف السيطرة على مزيد من الأراضي إلى الشمال من العاصمة اليمنية، في حين يتم الإصرار على أن دفاع الأهالي عن أنفسهم من هذا العدوان هو نوع من التحشيد المليشياوي،  وقد تبين فيما بعد أن الحرب لم تكن سوى بين المليشيا الحوثية المسلحة والجيش اليمني ممثلاً في اللواء 310. 

هذا النوع من الانتهازية السياسية، عبَّرَ بقوة عن التوجه الجديد في المنطقة والعالم، والمتمثل في تصفية القوى التي دعمت وساندت ثورات الربيع العربي، واعتبارها خصماً سياسياً وأيديولوجياً يستدعي التخلص منه بأي ثمن. وقفت خلف هذا التوجه وغذَّتهُ أنظمةٌ وبقايا أنظمة وخصوم أيديولوجيون، وعملاء منخرطون في إطار المشروع الفارسي الصفوي في المنطقة.

وفي سياق هذه الانتهازية السياسية، سُمح للقوى المساندة للحوثيين بالتسويق الفج لمقولة أن اللواء 310 في الجيش اليمني وقائده، ليس إلا مليشيا تابعة للتجمع اليمني للإصلاح، الحزب اليمني الكبير ذي التوجه الإسلامي، وتم ضخ كمٍ هائلٍ من الأكاذيب لدعم هذا الادعاء، لكنه لم يكن كافياً لإنهاء دور هذا اللواء في محافظة عمران، خصوصاً بعد أن فشلت المليشيا الحوثية المسلحة في دخول عاصمة المحافظة.

سلاح الخيانة هو وحده الذي أنجز مهمة القضاء على جزء مهم من قوة اللواء 310، هذا المُعطى أكدته معلومات متطابقة أفادت  بأن مهمة إسقاط مدينة عمران والسيطرة على مقر قيادة اللواء، لم تكن لتنجز لولا تواطؤ قيادات عسكرية عليا، وخيانة مبيتة من قيادات الوحدات المقاتلة في الميدان وبالأخص، قوات الأمن الخاصة، وقوات الشرطة العسكرية، وعناصر مدربة من لجيش  كانت تعمل بمعية الرئيس السابق.

الحقد على قوى الثورة وعلى قيادة اللواء 310 الذي أعاق تقدم القبائل الموالية للرئيس المخلوع إلى صنعاء، إبان اندلاع الثورة، هو الذي عزز هذه الانتهازية ودفع بها إلى حد المغامرة بسمعة الدولة وبمكانة وهيبة جيشها.

لقد ساهم الصمود الأسطوري للواء 310 وقائده في إرباك المخطط الذي كان يسعى من يقف وراءه إلى استدامة الصراع بين المليشيا الحوثية وقوى الثورة والتغيير، ولكن إلى حد يُبقي للدولة قوة تسمح لها بالتدخل والسيطرة على مجريات الأحداث. هذا لم يعد ممكناً اليوم، فقد أدت النتائج الدراماتيكية في عمران إلى إرباك المشهد وخلق معطيات جديدة، أهمها أن حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي باتت على المحك، ليس فقط من ناحية التهديد الأمني الخطير الذي تمثله الجماعة الحوثية المسلحة على العاصمة وعلى النظام الانتقالي، وإنما من ناحية مشروعية هذا النظام، وتآكل قاعدة التأييد الشعبي له بعد هذه النكسة الخطيرة للدولة في عمران.

ذلك أن سقوط اللواء وتصفية قائده وفق أوثق الروايات، وسقوط مدينة عمران، كل ذلك مثَّل صدمةً مروعةً للقيادة اليمنية وللشعب، ولكل الحريصين على النظام الجمهوري، لأن هذا الإنجاز العسكري الذي دفعت به الانتهازية السياسية بشكل أعمى، عزز أكثر من فرص المشروع الإيراني في النجاح، وهو مشروع يسعى إلى هدم الدولة وإسقاط النظام الجمهوري، وإقامة نظام إمامي طائفي في البلاد، بعد أن ساد اعتقاد في الدوائر الغربية خاصة، مفاده أن الحوثيين أقلية ثقافية مضطهدة وتناضل من أجل مزيد من الحرية الدينية.

لم يعد أمام الرئيس اليمني من خيار سوى استخدام القوة، وهو ما تشير إليه تصريحاته، وتأكيداته في سلسلة الاجتماعات التي عقدها خلال الأيام الماضية، مع كبار القيادات في الدولة والقوات المسلحة ومجلس الدفاع الوطني، وما صدر عنه من تحذيرات للجماعة الحوثية بضرورة الانسحاب من عمران خلال فترة انتهت عملياً مساء أمس السبت.

ولأن الجماعة الحوثية لن تلقي بالاً لتحذيرات الرئيس الذي يبدو أنه حصل على تأييد إقليمي ودولي بشأن إنهاء الأمر الواقع الذي فرضته هذه الجماعة في محافظة عمران، وبالتحديد الانسحاب من المحافظة وتسليم السلاح الذي تم الاستيلاء عليه، فإن حرباً واسعةً، يحلو للبعض هنا تسميتها بالحرب السابعة، هي الأمر المرجح حدوثه قريباً، وبحيث لا يمكن التكهن بالنتائج التي ستنتهي إليها حرب ستدور فيما لا تزال المؤسسة العسكرية تعاني من مأزق ازدواجية الولاءات ومن الارتهان إلى حد كبير لطبيعة تركيبتها المناطقية والمذهبية الواضحة، ما يسمح بتكرار سيناريو الخيانات العسكرية التي شهدناها في عمران.