مقالات مختارة

حمدين صباحي.. هكذا يكون المناضل الوطني

1300x600
كتب عماد الدين حسين: حسنا فعلت حملة المشير عبدالفتاح السيسي الفائز بمنصب رئيس الجمهورية حينما أشادت بالمرشح المنافس حمدين صباحي، وأتمنى أن يبادر المشير شخصيا ويتصل بصباحي ويدعوه إلى فنجان شاي أو قهوة، يشكره في هذا اللقاء على دوره وجهده في الانتخابات الرئاسية.

مثل هذا اللقاء لا يقتصر على تناول الشاي بل يبحث فيه الطرفان كيفية العمل معا من أجل الوطن.

لا أقصد بطبيعة الحال أن يعرض السيسي على حمدين أحد المناصب، فالأخير أعلن بوضوح أنه لا ينوى قبول أي منصب غير منتخب.

في البلدان المتحضرة فإن المتنافسين يجلسون معا، كنوع من طمأنة المجتمع أولا، والجماهير المحتقنة والمتعصبة ثانيا وبحث كيفية الاستفادة من برنامج المرشح الخاسر إذا أمكن.

حمدين صباحي سيدخل التاريخ من أفضل أبوابه وسيتوقف هذا التاريخ طويلا أمام موقفه الوطني والشجاع والنبيل الذى اتخذه منذ 25 يناير 2011 وحتى نهاية الانتخابات الرئاسية مساء الأربعاء الماضي ثم إعلانه مساء الخميس الماضي إنه يقر بخسارته للانتخابات وإنه سيواصل العمل لبناء تيار وطني ديمقراطي.

الرجل من البداية كان محافظا على ما يؤمن به من مبادئ خلافا لما حدث مع الكثير من السياسيين في مصر، عارض السادات بشجاعة وهو طالب، وتصدى لحسنى مبارك، ووقف ضد الإخوان، ولعب دورا رئيسيا هو وتياره الشعبي في الحشد الجماهيري لثورة 30 يونيو التي أسقطت حكم الإخوان.

لم يستجب لكل مغريات الإخوان وأعلن أن شرعية محمد مرسى السياسية والأخلاقية سقطت بإصداره الإعلان الدستوري. ولعب دورا محوريا في جبهة الإنقاذ مع بقية قادتها.

التيار الشعبي الذى يقوده كان رأس الحربة في المظاهرات والفاعليات التي عجلت بإسقاط جماعة الإخوان، وغالبية قادة وكوادر حركة تمرد كانوا في الأساس داخل التيار الشعبي.


كان يمكنه ان يريح نفسه ولا يترشح وهو يرى غالبية الشعب تصطف مع المشير أو خلفه. لكنه وإيمانا منه بضرورة وجود دولة قوية ديمقراطية حديثة قرر أن يترشح أمام المشير، حتى وهو يدرك أن فرصه قليلة.

ترشح صباحي أنقذ الانتخابات الرئاسية، جعل لها مذاقا وطعما أمام العالم، لولاه لصارت استفتاء، ولتكرست الصورة التي تقول ان ما حدث انقلاب هدفه الوحيد الإتيان بالسيسي رئيسا والجيش متحكما.

تحمل السيسي بذاءات وسفالات كثيرة من بعض الصغار والجهلة والتافهين، وللأمانة فلم ينجر إليها وحافظ على نفسه مترفعا عن كل هذا، وظل يتحدث عن المشير السيسي بصورة محترمة وراقية، وفطن لكل المصائد التي تحاول إدخاله في معارك شخصية مع السيسي أو في خلاف وتعارض مع جيش مصر الوطني.

لكن الموقف الأكثر وطنية لصباحي هو رفضه نداءات الكثير من قيادات حملته للانسحاب عندما قررت اللجنة العليا للانتخابات مد التصويت يوما ثالثا. كان يمكن له وهو يدرك النتيجة أو مؤشراتها على الأقل أن ينسحب ويصير بطلا في عيون الغرب وبعض متطرفي حملته وجماعة الإخوان وكل كارهي 30 يونيو.

لو انسحب حمدين ما كان يمكن لأحد أن يلومه. لو فعل ذلك لحق له وقتها القول إن هناك انتهاكات قد حدثت، و«لعب» قد تم ومحاولات غير شريفة جرى تجريبها، وجماهير تم حشدها، لكنه، فضل مصلحة بلده على مصلحته وصورته الشخصية. هو قرأ بتمعن خطورة إقدامه على هذه الخطوة. صباحي كان وطنيا بامتياز ومصريا حتى النخاع ومتسقا مع نفسه وتاريخه. فوجب على كل مصري أن يحييه ويرفع له القبعة امتنانا وعرفانا.

(عن الشروق المصرية)