مقالات مختارة

معركة تصفية حسابات بين الإخوان والسّلفيين

1300x600
كتب سلطان بركاني: المتتبّع لمسار العلاقة بين الإخوان والسّلفيين - أكثر طائفتين من طوائف أهل السنّة حضورا في المشهدين الدّعويّ والسياسيّ - في العقود الثّلاثة الأخيرة، يدرك أنّ حملة تصفية حساباتٍ بدأت تتصاعد حدّتها بين الجماعتين في العديد من الوقائع والمواقع.

ففي الوقت الذي يتّهم الإخوان المسلمون السّلفيين بالتواطؤ مع نظام الانقلاب في مصر لمحاصرة الإخوان وعزلهم عن المشهد السّياسي والدعوي المصريّ، وبالتّمادي في تزكية النّظام الجديد وتبنّي اتهاماته في حقّ الإخوان؛ يستحضر السّلفيون  - من جانبهم - الملفّ التّونسيّ، ليتّهموا الإخوان المسلمين ممثَّلين في حركة النّهضة، بأنّهم علاوة على تواطئهم مع العلمانيين لحرب جماعة أنصار الشّريعة المحسوبة على السّلفية الجهادية، ورفضهم التّنصيص على أنّ الشّريعة الإسلاميّة هي المصدر الأساسيّ للتّشريع في الدّستور؛ علاوة على هذا وذاك فقد سمحوا للقوات الأمريكية بدخول الأراضي التّونسية لملاحقة رموز التيار السّلفي الجهاديّ واعتقال منظّره أبي عياض التّونسيّ، كما يتّهم السّلفيون الإخوان بخيانة الإسلاميين في العراق أين تحالفوا - ممثَّلين في الحزب الإسلاميّ العراقي برئاسة الدّكتور طارق الهاشمي - مع الاحتلال الأمريكي والشّيعة ضدّ أهل السنة عموما والسّلفيين خصوصا، وقاموا بتأسيس الصّحوات للقتال إلى جانب المحتلّ الأمريكيّ.

وفي الملفّ الصّوماليّ، يتّهم السّلفيون الإخوان المسلمين بسحب البساط من تحت أرجلهم، يوم وصل ممثّلهم شريف شيخ أحمد إلى الرئاسة بمباركة أمريكية، وتحالفَ مع الصّليبيين ضدّ السّلفيين ممثَّلين في حركة الشّباب المجاهدين، كما لا يتردّد السّلفيون في العودة إلى الوراء ليستشهدوا بتواطؤ الإخوان المسلمين في أفغانستان بزعامة كلّ من رباني وحكمتيار مع الغزو الأمريكي الصّليبي في حربه ضدّ حركة طالبان المحسوبة على التيار السّلفي الجهاديّ، وهنا يردّ الإخوان المسلمون بتذكير أتباع السّلفية العلمية خصوصا بفتاواهم التي أصدروها لتسويغ الاستعانة بالأمريكان لاحتلال أفغانستان والعراق، ولتحريم قتال المحتلّ الصّليبيّ ما دام وليّ الأمر لم يأذن بذلك، ولا يتوانى السّلفيون - من جانبهم - في فتح دفاتر الملفّ الجزائريّ، ليستحضروا تواطؤ ذراع الإخوان المسلمين في الجزائر الممثّل في حركة "حمس" مع النّظام الجزائري في حملته ضدّ الإسلاميين، ويذهب السّلفيون بعيدا ليتّهموا إخوان الجزائر بالوقوف وراء حملة التّضييق التي تشنّها وزارة الشّؤون الدّينيّة والأوقاف ضدّ الأئمّة السّلفيين، على اعتبار أنّ إخوان "حمس" يسيطرون على كثير من دواليب الوزارة ومديرياتها الولائية.

هذا ويرى بعض المتابعين أنّ الصّدام الإخوانيّ - السّلفيّ بدأت بوادره تظهر مع بروز تيار داخل الإخوان أوغل في التّنازل عن المبادئ لصالح وحدة موهومة مع تيارات أخرى عرفت بمناوئتها للتوجّه الإسلاميّ السنيّ، وبروز تيار آخر في أوساط السّلفيين يعرف بالتيار المدخليّ حوّل السّلفية من سلفية ناصحة إلى سلفية ناطحة، وناصب العداء لكثير من الجماعات الإسلاميّة السنيّة، وركّز هجومه أكثر على الإخوان المسلمين وعلى كلّ من يتبنّى خياراتهم ويروّج لأفكارهم.

وفي خضمّ هذه الحملة من الاتّهامات والاتّهامات المضادّة، تنطلق بعض الأصوات الخافتة، لتذكّر الجماعتين بسنوات الودّ والوئام التي كانت على عهد الإمامين حسن البنّا وابن باديس عليهما رحمة الله، أين كان الإمام حسن البنّا مؤسّس جماعة الإخوان المسلمين في مصر لا يدّخر جهدا ولا يفوّت فرصة للثّناء على جهود الإمام السّلفيّ ابن باديس وإخوانه العلماء في مقارعة الاستعمار فكريا وثقافيا، والحيلولة دون طمس هوية الشّعب الجزائري المسلم، وكان كثيرا ما يبعث الرّسائل لشدّ أزر الشّيخ ابن باديس، ويكتب المقالات في مجلاّت الإخوان للدّفاع عن جمعية العلماء الجزائرية، ومن جانبه كان ابن باديس يبادل الإخوان المسلمين في مصر كلّ عبارات الثّناء والدّعاء بالتّوفيق، ولم يكتفِ بذلك حتى جعل الفضيل الورتلاني همزة وصل بين سلفيّي الجزائر وإخوان مصر.

فهل سيصغي الإخوان والسّلفيون إلى الأصوات العاقلة السّاعية للصّلح وتقريب وجهات النّظر ليعود الودّ بين الجماعتين كما كان على عهد الإمامين حسن البنّا وابن باديس، أم أنّ الهوة ستزداد اتّساعا في ظلّ حملة التّخوين وتبادل الاتّهامات وتصفية الحسابات التي علت وتيرتها، وهي الحملة التي لاشكّ أنّ أطرافا أخرى تقف وراءها للحيلولة دون تبلور عمل إسلاميّ سنيّ مشترك للدّفاع عن مقوّمات الأمّة وثوابتها التي أصبحت غرضا لكثير من التيارات الداخلية والخارجية التي يهمّها أن يتزعزع الصفّ الإسلاميّ السنيّ وتنشغل أقطابه بعضها ببعض لتخلو لها السّاحة وتتمكّن من تنفيذ مخطّطات الجهات التي تقف وراءها.


(الشروق أون لاين)