مقالات مختارة

العرب ودروس الأزمة السورية

1300x600
لا شك في أن الحل الأمثل للأزمة السورية المعقدة هو الحل السياسي، لأن إدارتها من جانب بعض الدول الكبرى بقصد استطالة أمدها وإنهاك الوطن السوري وإذلال شعبه، لا يجوز التسليم بها. وإذا كانت جولة «جنيف- 2» فشلت، فيجب أن نواصل البحث في جولة ثالثة تستفيد من ثغرات الجولتين السابقتين. وحتى يتحقق ذلك تظل الأزمة السورية مصدراً خصباً لدروس ثمينة يستفيد منها العالم العربي ليعيد بناء منظمات العمل المشترك على أساس سليم.

أول هذه الدروس أن يتم تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم داخل الدول العربية على أساس التراضي وليس القمع. والدرس الثاني، أن القسوة في معاملة الشعوب، لم تعد مقبولة، بعد تفاقم مشاكل الاستبداد والفساد وانكشافها في المرآة الدولية. الدرس الثالث، حظر تدخل الدول العربية لمساندة المعارضة في دول عربية أخرى وحظر مدها بالسلاح أو غيره.

صحيح أن مد المعارضة السورية بالسلاح قد يكون له هدف نبيل وهو مواجهة بطش السلطة، لكن تظل سلمية الاعتراض وعدم رفع السلاح في وجه الحكومة أكثر حكمة وأكثر فاعلية فى نيل الحقوق.

الدرس الرابع، أن الدول المجاورة للعالم العربي لها مصالح بعضها مشروع يستحق التعاون وبعضها منكور يستحق المصارحة. لذلك لا يجوز أن تتفرق المواقف العربية حول هذه النقطة وأن تتماهى بعض المواقف العربية مع مواقف الدول الخارجية.

الدرس الخامس، أن الحاكم المستبد يدفع ثمن بقائه من استقلال بلاده وحياة مواطنيه، ولذلك فإن تذرعه بأنه هو الوطن وأن استمرار نظامه برغم أخطائه هو المصلحة العليا للوطن، يحتاج إلى مناقشة. الدرس السادس، ضرورة وجود مشروع لبناء الوطن وتنميته يشغل كل دولة بما ينفعها وأن يكون هناك مشروع قومي للقضاء على الفقر والبطالة ومشاكل الشباب وأن تستفيد الشعوب العربية من مساحات وموارد العالم العربي والتركيز على التنمية الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية في إطار عربي حتى نلحق بجيراننا في أوروبا وأن نقيم أفضل الصلات مع العالم ليكون العرب إضافة للحضارة الحديثة وليس عبئاً ينشغل العالم به.

الدرس السابع، إعادة النظر في إنشاء المشروع القومي العربي الذي يلتقي ولا يتصارع مع المشروعات القومية الأخرى بخاصة المشروع الإيراني والمشروع التركي. وإذا كانت تركيا ذات التاريخ الطويل سياسياً وثقافياً مع العالم العربي، لها مشروع في المنطقة، فإن إيران لها مشروع أيضاً، وعدم وجود مشروع عربي يجعل فضاءنا مخترقاً من المشروعين، فضلاً عن المشروع الصهيوني.

الدرس الثامن، أن الأزمة السورية لا بد أن تعرف الحل السياسي مهما طال الزمن، لكن الذي يعرقل هذا الحل هو عدم التوصل إلى صيغة تتناسب مع مصالح أطراف الصراع الأجانب، ولا يعطي أي اعتبار لمصالح الشعب والدولة في سورية. ولذلك يجب أن يتفق العالم العربي على حل واحد يراعي هذا البعد الغائب حتى يمكن التوصل إلى حل سليم.

وبصراحة أكبر فإن الصراع الإيراني - السعودي لا بد أن يتم حله بأسرع ما يمكن، وكان الظن قائماً عند المراقبين أن تخفيف التوتر الإيراني الأميركي سيؤدي إلى تخفيف التوتر في العلاقات السعودية الإيرانية. ولكن ظهر العكس، وهو ما يقتضي من العرب التنبه إلى ملامح وتحولات السياسات الدولية في المنطقة. ومن بين مبادئ هذه التحولات أن محاولة التقرب من روسيا نكاية بواشنطن تعتبر حلاً ساذجاً، لأن المصالح المشتركة بين البلدين كفيلة بأن تجعلهما المستفيدين معاً من مثل هذا التقارب بعدما انتهت الحرب الباردة إلى غير رجعة. ومن هنا لن نمل الالحاح على البدء في حوار عربي - إيراني، ويجب ألا نغفل عن أهميته. الدرس التاسع أن شباب العالم الإسلامي الذي أصبح وقوداً للصراعات والمفاهيم الخاطئة لا بد من إنقاذه وتوجيه طاقاته إلى التعليم والوعي والبناء. عند هذه النقطة أدعو التيارات والحركات الإسلامية كافة إلى مراجعة أولوياتها وأن تعتمد في ذلك على عقولها وليس على التوجيه الأعمى من قياداتها مهما علت، لأن الرجال يُعرفون بالحق وليس العكس. هذه المراجعة تعد بالغة الأهمية بعيداً من الأجندات السياسية، ويوم تخلص النيات وتستنير العقول فسوف ترى أن دعم الأقصى ونجدته بالأسلوب العلمي هي الأولوية المطلقة وليس القتال بين المسلمين بنار الفتنة والتضليل.

التسوية الإيرانية السعودية، والحوار العربي الإيراني والتركي، والمراجعة الأمينة لمشروع الحركات الإسلامية، ونبذ الفتنة بين أتباع المذاهب، بل الشرائع، والتعاون في بناء الأخلاق العامة، هي بنود برنامج المرحلة المقبلة، بعد حقن الدماء الزكية في سورية والعراق واليمن ولبنان ومصر وليبيا.

عن صحيفة "الحياة"