مقالات مختارة

سر استنفار اليمين الصهيوني للدفاع عن انقلاب مصر

1300x600

على الرغم من وضح مظاهر احتفاء الصهاينة بالانقلاب الذي قاده السيسي في مصر، إلا إن ما يبدو كمفارقة لأول وهلة، يكمن في حقيقة أن أكثر النخبة الصهيونية احتفاءً بالانقلاب كانت تحديداً النخب اليمينية والمتدينة، التي تتبنى تقليديا مواقف ذات طابع عنصري تجاه العرب.

فعلى سبيل المثال لا يكاد يفوت الوزراء الذين يمثلون حزب " البيت اليهودي " المتدين، أكثر أحزاب الائتلاف الحاكم تطرفاً أية فرصة خلال مناقشات الحكومة دون التأكيد على ضرورة تجند الحكومة الإسرائيلية لصالح الانقلاب، ويطرحون أفكاراً حول هذه القضية. فعلى سبيل المثال، يقترح أوري أرئيل، وزير الأسكان في حكومة نتنياهو، والمدير السابق لمجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية أن يتم تشكيل وفد يضم نواباً وباحثين ومستشرقين صهاينة ليتوجه إلى دول أوروبا والأمريكتين والدول المؤثرة في قارتي آسيا وأفريقيا لشرح الأسباب التي تدعو إلى ضرورة تجند العالم لتوفير كل أسباب النجاح لانقلاب السيسي. ويشير أرئيل إلى إن ضم مستشرقين للوفد الصهيوني مهم جداً، على اعتبار أنهم الأقدر على شرح مخاطر وصول الحركات الإسلامية للحكم. ولا يكتف أرئيل بذلك، بل إنه يقترح أسماء مستشرقين محددين، من المعروفين بمواقفهم الموغلة في العنصرية تجاه العرب والمسلمين. ولا حاجة للتذكير هنا أن أرئيل هذا بصفته وزيراً للإسكان في حكومة نتنياهو يتولى شخصياً المسؤولية عن مصادرة الأراضي الفلسطينية وتدشين المشاريع الاستيطانية عليها، وهو الذي لم يتردد عندما كان رئيساً لمجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية في تأييد تحويل قبر المجرم باروخ جولدشتاين؛ الذي قتل 29 فلسطينياً وهم ركوع في صلاة الفجر في المسجد الإبراهيمي، في 15-2-1994، إلى مزار لعشرات الآلاف من الصهاينة الذين يؤيدون نهجه. ليس هذا فحسب بل أن أرئيل هذا يجاهر بأن حلم الدولة الفلسطينية انتهى بدون رجعة، وأنه كوزير إسكال ملتزم بدعم المستوطنات النائية في أرجاء الضفة الغربية، على اعتبار أن هذا المستوطنات تجعل التوصل لتسوية سياسية للصراع مع الفلسطينية أمراً مستحيلاً.

بث الأراجيف لتخويف الغرب

 إن الخلفية الشخصية والسياسية لأرئيل توضح أسباب حماس النخب اليمينية لإنجاح الانقلاب في مصر. فزميل أرئيل وقائد حزبه نفتالي بنات، وزير الاقتصاد يصور أهمية الدور الذي قام به السيسي، حيث أشار في مقابلة مع قناة التلفزة الصهيونية العاشرة إلى أن الانقلاب في مصر مثل " سياجاً فولاذياً " يمنع مواصلة تجربة الإسلاميين في الحكم، وأن تجند العالم لدعم هذا الانقلاب مهم حتى يصبح نموذجاً يتكرر في بقية البلدان العربية. وفيما بات أسطوانة مشروخة، أخذ بنات مواصلة مسلسل تخويف وترهيب العالم الغربي من صعود الإسلاميين في العالم العربي، حيث ادعى أنه لو قدر للإخوان المسلمين مواصلة حكم مصر فترة أطول لما ترددوا في إغلاق قناة السويس أمام الملاحة الدولية، ما كل ما يترتب عليه الأمر من توقف امدادات الوقود للغرب، وتداعيات ذلك على اقتصاديات العالم الغربي. ولم يفت بنات أن ينفث محذراً من تحويل الدول التي يتولى فيها الإسلاميون الحكم إلى قواعد انطلاق لتنفيذ عمليات تستهدف مصالح والسلم العالمي. المفارقة أن بنات، الذي يبدي كل هذا الحرص على مصالح الغرب عبر طرح هذا القدر الكبير من الأكاذيب والافتراءات، صرح قبل شهرين وخلال جلسة للحكومة بحثت التعاطي مع الأطفال الفلسطينيين، الذين يلقون الحجارة على المستوطنين، قال إنه يتوجب عدم التردد في إطلاق النار بقصد قتل الفلسطينيين. وعندما عبر أحد المشاركين في النقاش عن استغرابه من هذه التصريحات، رد عليه بنات قائلاً: " ما الضير في قتل العرب، عندما كنت قائداً في الجيش قتلت الكثير من العرب، لن تقع السماء في حال قتلنا العرب ". وإن كان هذا لا يكفي، فأنه من الأهمية هنا الإشارة إلى حقيقة أن الحاخام دوف ليئور، المرجعية الأبرز لحزب " البيت اليهودي "، الذي يبدي وزراؤه كل هذا الحرص لإنجاح انقلاب السيسي، كان قد أصدر عدد من الفتاوى التي تبيح قتل المدنيين الفلسطينيين وضمنهم النساء والأطفال، علاوة على فتواه المشهورة التي أجاز فيها للمستوطنين اليهود سرقة محصول الزيتون الذي يملكه الفلسطينيون في الضفة الغربية، وجواز تسميم آبارهم الارتوازية.

يستنفرون لتمويل الانقلاب

هناك عدد لا يحصى من الأمثلة التي تدلل على حجم تجند نخب اليمين الصهيوني لتأمين الدعم المادي للانقلاب. أن أحد أكثر المتحمسين لتقديم الدعم المادي لسلطة الانقلاب هو المعلق العسكري رون بن يشاي، ذو التوجهات اليمينية الواضحة. ففي مقال نشره في موقع " واي نت " الإخباري يشرح الأسباب التي تدعو الغرب لعمل المستحيل من أجل انجاح الانقلاب، حيث يشير إلى أن الانقلاب سمح بنشوب حرب ضد كل الذين يحاولون إعادة الإسلام لصدارة العالم، علاوة على أن الانقلاب – حسب وجهة نظره -جعل الانقلاب مصر على رأس الدول التي تخوض مواجهة مفتوحة مع " قوى الجهاد العالمي "، التي تهدد مصالح إسرائيل والغرب. من هنا، فإن بن يشاي يرى إن إفشال  الانقلاب يعني حرمان الغرب من تمتع الطيران الحربي الغربي من الحق في استخدام الأجواء المصرية، والتوقف عن منح حاملات الطائرات الأمريكية الأفضلية لدى الإبحار في قناة السويس، وهذا يضر أيضاً بإسرائيل. من هنا يدعو بن يشاي الغرب إلى ضخ مليارات الدولارات من أجل منع حدوث انهيار اقتصادي يؤجج ثورة ضد حكم العسكر. ويشدد بن يشاي على ضرورة تركيز التمويل الدولي في البداية على دعم الجيش والأجهزة الأمنية المصرية التي تتولى مهمة قمع " المتطرفين ". ويشدد بن يشاي على إنه يتوجب على إسرائيل ألا تخجل من دورها في دعم حكم السيسي، مستذكراً بإنها تقوم بذات الدور الذي تقوم به دول عربية ترعى الانقلاب. وعند الحديث عن الحرص على توفير الدعم المادي للانقلاب، فإنه لا يمكن تجاهل دور زعيم اليمين الإسرائيلي رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، الذي لا يفوت أي لقاء يجمعه بالمسؤولين الغربيين دون أن يذكرهم بضرورة تطبيق خطة " مارشال " اقتصادية لدعم الانقلاب. ويشهد الصحافي الإسرائيلي بن كاسبيت، وثيق الصلة بدوائر صنع القرار في تل أبيب أن نتنياهو قد حول ديوانه إلى مكتب علاقات عامة لتأمين الدعم السياسي والمالي للانقلاب الذي قاده السيسي، لإيمانه العميق بالعوائد الإستراتيجية التي ستحصل عليها إسرائيل في حال نجح الانقلاب

دول مراكز البحث اليمينية في شيطنة الإخوان المسلمين

تلعب الجامعات ومراكز البحث الأكاديمية ذات التوجهات اليمينية دوراً أساسياً في تسويق الانقلاب في الغرب والتجند لخدمته، من خلال محاولة شيطنة جماعة الإخوان المسلمين في الغرب، وذلك عبر اصدار الدراسات والكتب وترجمتها للغات الأوروبية. فقد أصدر " مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية "، التابع لجامعة " بار إيلان "، ثاني أكبر الجامعات الإسرائيلية، التي يملكها التيار الديني الصهيوني، دارسة تجزم بإن " الإخوان المسلمين " يشكلون التهديد الأكبر على الغرب و إسرائيل من بين كل الجماعات السياسية والأيدلوجية في العالمين العربي والإسلامي. وحسب نتائج الدراسة التي جاءت تحت عنوان " الإخوان المسلمون والتحديات التي تواجه السلام بين مصر وإسرائيل "، والتي أعدها المستشرق ليعاد بورات، فإن الإخوان المسملين مسؤولون عن: مقاومة السياسات الأمريكية والإسرائيلية، وتأييد الصراع المسلح ضد إسرائيل والوقوف الى جانب المقاومة الفلسطينية، مع تركيز على دور الرئيس مرسي خلال حرب " عمود السحاب "، الذي مثل في نظر الباحث – نقطة تحول إستراتيجية في العلاقة مع مصر. وتتهم الدراسة الإخوان بتوفير الغطاء السياسي لحركات المقاومة، وتحديدا حركة حماس، علاوة على أن الجماعة تحرص على تجنيد تراث وإرث الماضي في تبرير وتسويغ التحريض على شن حروب على "إسرائيل"، والدفاع عن خطف الجنود. وتبرز الدراسة دور الإخوان في دفع قضية القدس والمسجد الأقصى والتشديد على مركزيتهما، مما يعقد فرص التوصل لتسوية سياسية للصراع؛ إلى جانب رفضهم المبدأي التطبيع ضد "إسرائيل"، وحرصهم على توفير الظروف التي تسمح مستقبلاً بالغاء اتفاقية " كامب ديفيد ".

الخوف من القوة الناعمة لحكم الإسلاميين

وتتفق محافل التقدير الإستراتيجي في الكيان الصهيوني مع ما ذهبت اليه  مراكز الأبحاث اليمينية الصهيونية. فحسب تقرير صادر عن " لواء الأبحاث " التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروفة بـ " أمان " فإن الحماس الحماس الإسرائيلي لانجاح الانقلاب لا يرجع فقط لرغبة إسرائيل من التخلص من حكم الإخوان المسلمين، بل أيضا لأن الانقلاب يؤذن بالقضاء على ما وصفه التقرير بـ " القوة الناعمة " التي كان يمكن أن يراكمها نجاح أول تجربة ديموقراطية في مصر، تحت حكم الإسلاميين. وقد شدد التقرير على إن نجاح الانقلاب وتسليم الشعب المصري بنتائجه مهم جداً لإنه سيسمح بمحاصرة الربيع العربي وتجنيب "إسرائيل" " ثماره السلبية ". وقد شدد التقرير على ضرورة تجند "إسرائيل" لاقناع الغرب بضرورة إن يشعر الرأي العام المصري بما أسماه " العوائد الإيجابية " لعزل مرسي وتعزيز صدقية تحالف العسكر مع الليبراليين عبر توجيه مساعدات مالية ضخمة لمصر، تحديداً في الوقت الحالي.

اليمين الصهيوني يدافع عن الانقلاب بإهانة العرب والمسلمين

إن أحد المفارقات التي تعكس حجم الجريمة التي يمثلها الانقلاب أن غلاة المتطرفين الصهاينة الذين انبروا للدفاع عن السيسي وما أقدم عليه من عزل لأول رئيس منتخب بوسائل ديموقراطية اعتمدوا على مسوغات عنصرية تعكس النظرة الدونية للعرب والمسلمين. وضمن الحجج التي استند إليها هؤلاء أن العرب ليسوا كباقي الأمم، وفقط نظم الاستبداد تصلح لإدارة شؤونهم، وأن تحول العرب إلى الديموقراطية يمثل خطراً على العالم، سما على الغرب. وتجتهد النخب اليمينية في لفت نظر الغرب إلى " دونية " العرب والمسلمين، الذين لا يمكن أن يعرفوا نمط الحكم الديموقراطي، كما هو الحال في كثير من دول العالم. ويقول الجنرال الصهيوني يسرائيل حسون، الذي شغل في السابق منصب نائب رئيس جهاز المخابرات الداخلية " الشاباك "، وأحد أبواق اليمين المتطرف بالحرف الواحد: "  في الغرب لا يدركون حقائق بسيطة عن الشرق الأوسط، هم يعتقدون إنه بالإمكان استنساخ تجربة السويد في هذه المنطقة، وهم ببساطة لا يدركون تأثير الموروث الثقافي والديني على سلوك الناس في هذه المنطقة، لا يمكن أن تنجح أية تجربة حكم إسلامية تعتمد على الديموقراطية ولن تنجح مثل هذه التجربة في يوم من الأيام ". ويواصل حسون مرافعته عن الانقلاب، قائلاً: " منظومة القيم السائدة في العالم العربي لا تساعد على إنجاح التجربة الديموقراطية،  وكل محاولة أمريكية لفرض منظومة القيم الغربية في المنطقة ستبوء بالفشل الذريع، فدين العرب وسماتهم الثقافية تتعارض بشكل صريح مع الديموقراطية ". إن الذي يجعل لدفاع حسون هذا تحديداً أهمية خاصة حقيقة إنه أحد أكثر القادة الأمنيين الإسرائيلين نفوذاً في القاهرة، حتى بعد تسرحه من " الشاباك "، حيث إنه يواصل عمليات التنسيق ونقل الرسائل بين الحكومة الإسرائيلية وقادة المؤسسة العسكرية في مصر. إن ما يدفع حسون للاستهانة بالمصريين والعرب والمسلمين على هذا النحو حقيقة إن الانقلابيين يتعاملون معه ويستقبلونه بحفاوة بالغة، على الرغم من سجله البشع في مجال ارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني. فحسون هذا قام بـ " تطوير " أبشع وسائل التعذيب التي استخدمها " الشاباك " في التحقيق مع الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الصهيونية على مدى عقود من الزمن. من هنا، فعندما تعرف عنه هذه الحقيقة ويتم استقباله استقبال الابطال من قبل الانقلابيين، فيمكن للمرء أن يصل لاستنتاج مغاير مما وصل إليه حسون.  فتعامل نظم الاستبداد، وضمنها سلطة الانقلاب في مصر، معه ومع سائر المجرمين الصهاينة، هو الذي يجعله يطلق هذه الأحكام، لإنه لا يمكن لنظام حكم قومي أو وطني أن يقبل بإقامة أي نوع من التواصل مع مثل هؤلاء المجرمين.
عن :البيان"