صحافة دولية

رئيس بلدية مدينة غزة في مقال بـ"NYT": الاحتلال يدمر البشر والحجر والثقافة والتاريخ

يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة لليوم الـ81 على التوالي- الأناضول
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للدكتور يحيى السراج، رئيس بلدية مدينة غزة، ورئيس الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية سابقا، أشار  فيه إلى أن حرب الاحتلال على غزة تدمر البشر والحجر والثقافة والتاريخ، ولكن غزة مثل طائر الفينيق تنبعث من الرماد.

وتاليا ترجمة "عربي21" لنص المقال كاملا:
"عندما كنت مراهقا في الثمانينيات، شاهدت بناء مركز رشاد الشوا الثقافي ذي التصميم الدقيق في مدينة غزة، والذي سمي على اسم أحد أعظم الشخصيات العامة في غزة. تضمن المركز مسرحا وقاعة كبيرة ومكتبة عامة ومطبعة وصالونا ثقافيا".

و"كان الطلاب والباحثون والعلماء والفنانون يأتون لزيارته من جميع أنحاء قطاع غزة، وكذلك فعل الرئيس بيل كلينتون في عام 1998. وكان المركز جوهرة مدينة غزة. لقد ألهمتني مشاهدتي له أثناء بنائه لأن أصبح مهندسا، الأمر الذي أدى إلى مسيرتي المهنية كأستاذ جامعي، وعلى خطى الشوا، رئيسا لبلدية مدينة غزة".

والآن أصبحت تلك الجوهرة ركاما. وتم تدميره بالقصف الإسرائيلي.

وتسبب الغزو الإسرائيلي في مقتل أكثر من 20 ألف شخص، بحسب إحصاءات وزارة الصحة في غزة، ودمر أو ألحق أضرارا بنحو نصف المباني في القطاع. لقد سحق الإسرائيليون أيضا شيئا آخر: ثروات مدينة غزة الثقافية ومؤسساتها البلدية.

وقال إن "التدمير المتواصل لغزة – رموزها المميزة، وواجهتها البحرية الجميلة، ومكتباتها وأرشيفاتها، وأي اقتصاد كانت تتمتع به – قد حطم قلبي.


لقد دمرت حديقة حيوان غزة، وقتلت العديد من حيواناتها أو نفقت جوعا، بما في ذلك الذئاب والضباع والطيور والثعالب النادرة. ومن بين الضحايا الآخرين المكتبة العامة الرئيسية بالمدينة، ومركز سعادة الطفل، ومبنى البلدية وأرشيفها، والمسجد العمري الكبير الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع. كما ألحقت القوات الإسرائيلية أضرارا أو دمرت الشوارع والساحات والمساجد والكنائس والحدائق العامة".

وأضاف: "كان أحد أهدافي الرئيسية بعد أن عينتني إدارة حماس رئيسا للبلدية في عام 2019 هو تحسين الواجهة البحرية للمدينة وتعزيز فتح المتاجر الصغيرة على طولها لخلق فرص العمل. استغرقنا أربع سنوات لإنهاء المشروع، الذي تضمن متنزها ومناطق ترفيهية ومساحات لتلك الشركات. ولم تستغرق إسرائيل سوى أسابيع قليلة لتدميرها. نيفين، وهي امرأة مطلقة أعرفها، كان من المفترض أن تفتتح مطعما صغيرا في تشرين الثاني/ نوفمبر، لكن حلمها ضاع. محمد، فلسطيني معاق، فقد المقهى الصغير الذي كان يملكه".

لماذا دمرت الدبابات الإسرائيلية الكثير من الأشجار وأعمدة الكهرباء والسيارات وأنابيب المياه؟ لماذا تقصف إسرائيل مدرسة تابعة للأمم المتحدة؟

إن طمس أسلوب حياتنا في غزة أمر لا يوصف. ما زلت أشعر أنني في كابوس لأنني لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن لأي شخص عاقل أن يشارك في مثل هذه الحملة المروعة من الدمار والموت.

تأسست بلدية غزة الحديثة عام 1893 وهي واحدة من أقدم البلديات في الشرق الأوسط. وتخدم حوالي 800 ألف نسمة، وهو من أكبر التجمعات الفلسطينية في العالم. وحتى بعد أن قامت إسرائيل بتهجير ما يزيد على مليون فلسطيني قسرا من شمال غزة بعد بدء الحرب، بقي معظم السكان في المدينة.

عندما بدأت إسرائيل حربها على غزة ردا على الهجوم المميت الذي شنته حماس، كنت في الخارج. فقطعت جولتي لأعود لمساعدة شعبنا. أنا أرأس لجنة طوارئ مكونة من عمال ومتطوعين في البلدية، الذين يحاولون إصلاح أنابيب المياه وفتح الطرق وإزالة مياه الصرف الصحي والقمامة المسببة للأمراض. مات ما لا يقل عن 14 من موظفي بلديتنا. كما فقد كل فرد في اللجنة تقريبا منزلا أو قريبا.

وأنا أيضا فقدت شخصا عزيزا علي. فبدون سابق إنذار، تسببت ضربة مباشرة لمنزلي في 22 تشرين الأول /أكتوبر في مقتل ابني الأكبر رشدي، وهو مصور صحفي ومخرج سينمائي. كان يعتقد أنه سيكون أكثر أمانا في منزل والديه. لقد جعلني أتساءل عما إذا كان من الممكن أن أكون الهدف. لن نعرف أبدا. دفنت رشدي ورجعت بسرعة للعمل مع لجنة الطوارئ.

إن إسرائيل، التي بدأت حصارها لغزة منذ أكثر من 16عاما والتي استمرت فيما تسميه الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان احتلالا متواصلا لفترة أطول بكثير، تدمر الحياة هنا. ووعد مسؤول دفاعي إسرائيلي لم يذكر اسمه بتحويل غزة إلى مدينة من الخيام وقامت إسرائيل بتهجير سكانها قسرا. لمرة واحدة، تفي إسرائيل بالوعد الذي قطعه مسؤولوها للفلسطينيين.

إنني أدعو بلديات العالم، الجميع، إلى الضغط على زعماء العالم لوقف هذا التدمير الطائش.

لماذا لا يمكن معاملة الفلسطينيين على قدم المساواة، مثل الإسرائيليين وجميع الشعوب الأخرى في العالم؟ لماذا لا نستطيع أن نعيش في سلام ولدينا حدود مفتوحة وتجارة حرة؟ يستحق الفلسطينيون أن يكونوا أحرارا وأن يتمتعوا بحق تقرير المصير. شعار غزة هو طائر الفينيق الذي ينهض من تحت الرماد. ويصر على الحياة.