ملفات وتقارير

"قرار صادم".. ما أسباب إغلاق قناة "أورينت" السورية؟

لم تعلن القناة عن أسباب إغلاقها بشكل كامل ونهائي- "أورينت"
سادت أجواء من الصدمة بين موظفي قناة "أورينت" السورية في مكتبها الواقع بمدينة إسطنبول، عقب تلقيهم خبر إغلاق المؤسسة الإعلامية بشكل كامل في مدة أقصاها نهاية العام الجاري، بعد لقاء مغلق جمع رئيس تحرير المحطة التي تهتم بالشأن السوري، علاء فرحات، مع مالكها رجل الأعمال السوري، غسان عبود.

ولم تعلن القناة رسميا بعد عن الأنباء التي ضجت بها العديد من الصفحات السورية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أمس الجمعة، وأشارت إلى أن قرار الإغلاق المفاجئ جاء عقب ضغوطات تعرضت لها المؤسسة التي انتقلت إلى إسطنبول في السابع من نيسان /أبريل عام 2020 عقب توقف بثها التلفزيوني الفضائي في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وتحدث مصدر عامل في "أورينت"، شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب شخصية، لـ"عربي21"، عن إبلاغ إدارة القناة موظفيها في اجتماع مغلق بقرار مالكها إغلاق المؤسسة بشكل نهائي دون تقديم أسباب واضحة حول القرار المفاجئ، الذي شكل صدمة لدى العاملين فيها، لا سيما في وقت كانت فيه "أورينت" تستقبل طلبات التوظيف لتعزيز طواقمها، بحسب المصدر ذاته.

وأشار الصحفي الذي اختار عدم ذكره اسمه، إلى أن إدارة القناة السورية لم تكن واضحة مع الموظفين حول أسباب إغلاقها المفاجئ، مستبعدا أن تكون الدوافع مادية، فيما أوضح خلال حديثه لـ"عربي21" أنه لا يستطيع تأكيد ما يثار حول تعرض المؤسسة الإعلامية إلى ضغوطات بسبب موقفها الداعم للثورة السورية ضد نظام بشار الأسد.

وتعتبر قناة "أورينت"، إحدى أبرز المنصات الإعلامية السورية الداعمة للثورة السورية، والتي تعنى بقضايا السوريين في الداخل وبلاد اللجوء لا سيما تركيا، التي سبق للمحطة أن تعرضت فيها لحملات تحريض من قبل مناهضين للاجئين السوريين، كما واجهت دعوى قضائية على خلفية طرد أحد المحللين الأتراك على الهواء مباشرة بعد مشادة حادة بينه وبين مقدم البرامج الرئيسي في القناة، أحمد الريحاوي.


وكانت القناة التي أسسها رجل الأعمال غسان عبود في الثاني من شباط /فبراير عام 2009 في إمارة دبي، قد أوقفت بثها التلفزيوني الفضائي عام 2020، في خطوة تزامنت مع اتخاذ صناع القرار في الإمارات مسار تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد، ما أثار تكهنات واسعة حول تعرض المؤسسة المؤيدة للثورة السورية إلى ضغوطات أفضت بها إلى الانتقال لإسطنبول وتحولها إلى منصات التواصل الاجتماعي بشكل كامل.

ضغوط تركية أم إماراتية؟
رغم التحريض المتواصل على قناة "أورينت" بسبب مواقفها المناهضة لمروجي خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين، فضلا عن انتقادها لحملات الترحيل التي تصاعدت عقب الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة بحق السوريين، إلا أن المحطة واصلت بثها وعملها بناء على مسارها التحريري المعتاد في كافة الميادين التركية.

الكاتب والصحفي، محمد منصور، الذي عمل في "أورينت"، من عام 2011 وحتى 2022، وواكب الكثير من التحولات الرئيسية التي طرأت على القناة طوال مسيرتها التي امتدت لسنوات طويلة، أوضح أنه رغم الدعوى القضائية ضد رئيس تحرير القناة ومذيعها الرئيسي أحمد الريحاوي بسبب المشادة التي حصلت بينه وبين محلل تركي، إلا أن وضعها في تركيا كان مستقرا.


وقال منصور في حديثه لـ "عربي21"، إنه لم يتم التعرض للقناة أو التضييق عليها بعد حادثة المحلل التركي، لا سيما أن الدعوى جاءت بناء على شكوى شخصية، مضيفا أن ذلك بدليل مواصلة "أورينت" متابعة شؤون السوريين كما كانت تفعل منذ انتقال إدارتها من دبي إلى إسطنبول.

وشدد الصحفي السوري على استبعاده أن يكون هناك ضغوط حقيقية تمارس على القناة في تركيا من شأنها أن تمنع الاستمرار عن العمل، مستدركا بالقول: "هناك إزعاجات، ولا توجد وسيلة إعلام تحاول أن تصل إلى الناس دون أن تتعرض لمضايقات سواء كانت في بلدها أم خارجه".

وردا على سؤال حول إمكانية أن تكون الضغوط عربية وليست تركية بسبب وجود جزء كبير من استثمارات مالكها غسان عبود في دولة الإمارات، فضلا عن مقر مجموعته التجارية الرئيسي، استبعد الكاتب الصحفي في حديثه لـ"عربي21" أن تكون الإمارات قد مارست أي نوع من الضغوط بناء على مسار التطبيع الذي اتخذته مع النظام السوري، معتبرا أنه من غير الممكن أن يكون هناك ضغوط إماراتية على مؤسسة خارج حدودها لمجرد إقامة مالكها في الإمارات.

واستدل منصور على ذلك بالإشارة إلى أن "أورينت" كانت تتجنب على مدى مسيرتها التعرض إلى كافة الأخبار التي تتعلق بالإمارات، منذ وجود مقرها في دبي، باعتبار أنها تختص بالشأن السوري، منوها إلى أن ذلك كان أحد المآخذ القوية التي نالت من مصداقية القناة، خصوصا بعد التطبيع الإماراتي مع نظام بشار الأسد.

رصيد في الثورة السورية
رافقت قناة "أورينت" التي تغلق أبوابها وهي على مشارف الذكرى الخامسة عشرة لانطلاقتها في الثاني من شباط /فبراير القادم، كافة مراحل الثورة السورية التي انطلقت بتظاهرات سلمية عمت كافة المدن السورية عام 2011 ضد نظام الأسد قبل أن تتحول إلى حرب أهلية مدمرة بفعل القمع الوحشي الذي قوبلت به من قبل النظام.


وتعد القناة إحدى أبرز المؤسسات الإعلامية التي ناصرت ثورة السوريين رغم العديد من الانتقادات التي طالتها خلال ذلك، في وقت أصبحت فيه المنصات الداعمة للثورة بعد 13 عاما على انطلاقتها معدودة على الأصابع، لا سيما مع اتخاذ العديد من الدول العربية نهج تطبيع العلاقات مع بشار الأسد بهدف إعادته إلى الحاضنة العربية، ما أفضى إلى حضوره قمة جامعة الدول العربية في العاصمة السعودية الرياض في أيار /مايو الماضي، وذلك لأول مرة منذ تجميد مقعد سوريا عقب الثورة.

الصحفية السورية، صبا مدور، اعتبرت في تغريدة عبر حسابها في منصة "إكس" (تويتر سابقا)، إغلاق قناة "أورينت" مؤشرا خطيرا لمحاولة اغتيال إعلام الثورة السورية، بحسب تعبيرها.


وأشارت إلى أنه بعد إغلاق المحطة ستكون الحمولة الإعلامية على السوريين، مشددة على ضرورة مواصلة طرق رؤوس العالم بجرائم الأسد ونظامه.

من جانبه، كتب الصحفي الفلسطيني ماهر جاويش في منصة "إكس": "لا أتفق تماما وبشكل متطابق مع سياسة التحرير لقناة أورينت ولا أوافق على كامل خطها التحريري ومع ذلك خرجت في إطلالات متعددة معهم، لكني أعتقد ومن زاوية دعم سردية الثورة السورية أن هناك حاجة ملحة لصوتها، ووجودها ضرورة كأحد منابر هذه الثورة التي نؤمن إيمانا جازما وقناعة تامة بأحقيتها وعدالتها وأنها ثورة قد تأخرت ربطا بحجم الظلم والفساد والاستبداد الذي خيّم على سوريا ولعقود طويلة". 


وتابع: "وعليه أي صوت من أصوات الثورة السورية يتم إسكاته هو خسارة لهذه الثورة ويخصم من رصيد حضورها في الفضاء العام".

أما منصور، فقد أشار إلى أن غياب "أورينت" من الممكن أن يخلق فراغا في الإعلام السوري المعارض لنظام الأسد، رغم تضاؤل حضورها في السنوات الأخيرة بعد تحولها إلى منصة للأخبار العاجلة وبعض التقارير النوعية القليلة إضافة إلى نشرات الأخبار.

واعتبر في حديثه لـ"عربي21"، أنها "فقدت الزخم الذي كانت تقدمه في الأفلام الوثائقية والبرامج التي كان يديرها مذيعون أكفاء"، مستدركا أنه "على الرغم من كل ذلك كان وجودها مطمئنا للجمهور الذي وجد فيها حاجة إعلامية لمواكبة أخبار الثورة السورية، لا سيما وأنها كانت تنحاز دائما للمواطن السوري"، بحسب تعبيره.