صحافة دولية

لوموند: سعيد ينقلب على مشروع قانون يجرم التطبيع مع "إسرائيل"

تهديدات أمريكية بفرض عقوبات دفعته للتراجع- الرئاسة التونسية
قالت صحيفة لوموند الفرنسية، إن الرئيس التونسي، قيس سعيد، قرر الانقلاب على مشروع قانون يجرم العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن سعيد ليس معتادا على ضبط النفس، فهو يتخذ موقفا تآمريا مع إيحاءات معادية للسامية. وبعد أن سمح بتمرير مشروع قانون يجرّم العلاقات مع الكيان الصهيوني من خلال لجنة في مجلس نواب الشعب، غيّر موقفه.

وبينما بدأت مناقشة النص من قبل النواب في جلسة عامة خلال جلسة حافلة بالأحداث، يوم الخميس الموافق للثاني من تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن رئيس الدولة معارضته لاعتماده على الرغم من تأييد أغلبية النواب. وعقب خطابه، سحب رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة تصريحه أيضا.


وفي رسالة رسمية إلى الشعب التونسي أشار قيس سعيد إلى أن تونس "تخوض حرب تحرير وليس تجريما". وأكد بطريقة بهلوانية أنه من غير المُجدي تجريم العلاقات مع "كيان" لا تعترف به تونس، وأن أي محاولة للتعاون مع إسرائيل تعتبر "خيانة عظمى"، وفقا للفصل 60 من المجلة الجزائية، الذي ينص على عقوبة الإعدام لكل تونسي تثبت إدانته بالتخابر مع دولة أجنبية.

بالنسبة لرئيس الدولة، فإن اعتماد مشروع القانون الجديد هذا سيشكل تهديدا "للأمن الخارجي" لتونس، بحسب تصريحات رئيس مجلس النواب. وقبل أيام، حاول وزير الخارجية نبيل عمار بنفسه تهدئة حماسة النواب، داعيا إلى "دراسة تداعيات" النص وأخذ "الوقت" الكافي لدراسته.

وينص النص على عقوبة تصل إلى اثنتي عشرة سنة سجنا، والسجن المؤبد في حالة تكرار المخالفة، ضد أي شخص يحمل الجنسية التونسية وله علاقات مع "الكيان الصهيوني الذي يطلق على نفسه إسرائيل". وكان من المفترض أن يشمل مفهوم "التطبيع" أي شكل من أشكال التواصل أو التعاون أو العلاقة التجارية "المتعمدة"، بطريقة "مباشرة أو غير مباشرة"، مع أشخاص طبيعيين أو اعتباريين إسرائيليين، باستثناء الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.

بالنسبة لبعض النواب، أطاع قيس سعيد المصالح التي تمليها القوى الأجنبية ولهذه المرة، أعرب عدد من النواب الذين يدعمون مع ذلك العملية التي أطلقها رئيس الدولة منذ انقلابه في 25 تموز/يوليو 2021، عن اختلافهم مع الرئيس واتهموا إبراهيم بودربالة بالاستسلام للضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة.

وبالإشارة إلى وجود "مراسلات رسمية من السفارة الأمريكية بتونس موجهة إلى وزارة الخارجية"، أكد مقرّر لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب (التي كانت مكلفة بدراسة مشروع القانون قبل إقراره في الجلسة العامة)، أن واشنطن هددت بفرض "عقوبات اقتصادية وعسكرية" إذا تم تبني المشروع.

في السياق ذاته، دعا النائب بلال المشري، عبر إذاعة "ديوان إف إم"، رئيس مجلس النواب إلى "توضيح موقفه" و"الكشف عن مضمون محادثاته الهاتفية شبه اليومية مع جوي هود، السفير الأمريكي لدى تونس". من جانبه، انتقد هشام العجبوني، القيادي في حزب التيار الديمقراطي، وهو حزب معارض قائلا: "في النهاية، لا توجد "إرادة الشعب" شعار رئيس الدولة خلال الانتخابات الرئاسية 2019 ولا أي شيء. فقط إرادة قيس سعيد ومصالحه الانتخابية هي التي تنتصر".


وحسب مصدر دبلوماسي مقيم في تونس، فإنه "من الطبيعي أن تعبر المستشاريات الأجنبية عن قلقها"، دون الحديث عن "ضغوط" في مواجهة مشروع قانون قد يكون له تأثير سلبي على السياحة في تونس، ولا سيما خلال رحلة الحج اليهودية السنوية إلى كنيسة الغريبة- حيث يمكن للمواطنين الإسرائيليين الذهاب إليه على الرغم من غياب العلاقات الدبلوماسية مع الدولة اليهودية - بالإضافة إلى الضغط على اقتصاد البلاد.

الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها على البرلمان مشروع قانون يهدف إلى تجريم العلاقات مع إسرائيل. وفي سنة 2015، قدم نواب من الجبهة الشعبية، وهي ائتلاف من أحزاب اليسار واليسار المتطرف، مشروعا في هذا الصدد، والذي ظل في أدراج مجلس نوّاب الشّعب. ومنذ ذلك الحين، يثار بانتظام النقاش حول الحاجة إلى تشريع بشأن هذه القضية، وتتخلله الأحداث الجارية المرتبطة بالقضية الفلسطينية.

وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أنه بعد أن تنصّلت منه السلطة التنفيذية في أول محاولة حقيقية لها لممارسة سلطتها التشريعية، خرج البرلمان من هذا التسلسل منقسما وأكثر ضعفا، حيث لم يترك الدستور، الذي كتبه قيس سعيد ليمنح نفسه صلاحيات واسعة، سوى مجال ضئيل للغاية للمناورة بالنسبة للبرلمانيين.