ملفات وتقارير

قلق في المغرب من تنامي ظاهرة "زواج القاصرات".. ودعوات لتجريمه

هل يعدل المشرعون في المغرب القوانين لسد ثغرات تتيح زواج القاصرات؟- جيتي
"جعلوني أنقطع عن الدراسة وأنا في الرابعة عشرة من عمري، بحُجّة تزويجي بعدها بأيام، وتحمّلت كامل المسؤولية للحفاظ على أسرتي الجديدة، لأكتشف بعدها بسنوات أنّني حُرمت من طفولتي، وأنّ مكاني الأساسي آنذاك هو المقعد الدراسي"، هكذا عبّرت عتيقة، سيدة أربعينية، عن حُزنها من حرمانها من الدراسة بسبب الزواج.

وتضيف عتيقة في حديثها لـ"عربي21": "بعد توالي السنوات خفّت آثار الندم، ودرست في مدارس محو الأمية، وتخرّج أبنائي من تخصصّات علمية مهمة، أشعر أنني قمت بأداء دوري الأسري بنجاح".

دعوات تجريم مُتتالية 
وعاد موضوع زواج القاصرات، لساحة النقاش العمومي في المغرب، خاصة بعد ارتفاعه من 12 ألف حالة في 2020 إلى 19 ألفا في 2021، بحسب أحدث الأرقام، ويقول المُتابعون للوضع الاجتماعي في المغرب إن الأرقام الجديدة ستكون "صادمة".


ودعا وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، إلى ضرورة "تجريم زواج القاصرات، وإلغاء الإذن الذي يُعطى من طرف القاضي للقاصر من أجل السماح بهذا الزواج"، مشيرا إلى أن "السن المناسبة للزواج هي 18 سنة فما فوق، وكل من هي أقل من هذا السن مكانها هو المدرسة، وليس بيت الزوجية".

وأضاف وزير العدل، في جلسة الأسئلة بمجلس المستشارين، الثلاثاء الماضي، أن "تزويج القاصرات لن يُحل من خلال الخطابات وحملات التوعية، بل بالقانون من خلال تجريمه"، مردفا بأن قناعته "راسخة بأن من يتزوج قاصرا يجب أن يذهب للسجن، لأن الأمر يُعتبر اغتصابا، لكونها فاقدة للرأي والاختيار".

وفي ختام مُداخلته، التي أثارت ردّات فعل مُتباينة على مواقع التواصل الاجتماعي، استفسر وزير العدل المغربي: "هل من يدافعون عن زواج القاصرات، يرضون بتزويج بناتهم وإخراجهن من المدرسة؟".

من جهته، سبق لرئيس الحكومة المغربي، عزيز أخنوش، الاثنين الماضي، القول إن "ظاهرة زواج القاصرات تؤرق بال كل الفاعلين والمؤسسات، وتُعدّ من الظواهر المُقلقة التي تمس بصورة تعامل المجتمع المغربي مع قضايا الطفولة".


وأوضح رئيس الحكومة، خلال الجلسة العمومية المخصصة للأسئلة الشفوية حول السياسة العمومية في موضوع "تمكين المرأة ورهانات التنمية"، أنه "على الرغم من تقييد الظاهرة بإطار قانوني، إلا أن المملكة لا تزال تسجل حوالي 13ألف حالة زواج سنويا".

تزويج القاصرات.. مُجرّم ولكن.. 
ووسط مطالب حقوقية مُتصاعدة لإيجاد حلول ناجعة فإنها لا تزال ظاهرة زواج القاصرات تُثير نقاشا حقوقيا وقانونيا؛ فيما التصريحات الأخيرة للمسؤولين، قدّمت جُرعة أمل للجمعيات الحقوقية التي تُطالب منذ سنوات بتجريم زواج القاصرات.


ووفي جولة بسيطة في القانون المغربي، نجد أنه يُتيح الزواج للذكور والإناث في سن الـ18 عاما، ويشترط الحصول على إذن من القاضي لتزويج الإناث اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و18 عاما، فيما يُمنع على الذكور الزواج قبل 18 عاما؛ وهذه النُقطة هي التي كانت ولا تزال تُستغّل من طرف عدّة أسر لتزويج بناتها قبل وصولهن للسن القانونية.


وتقول أمينة، ذات الـ 20 ربيعا، في حديثها لـ"عربي21": "تزوجت قبل خمس سنوات، من خلال حُصول والدي على إذن القاضي، بعد مُشكلة حصلت لي مع شاب كُنت على معرفة به آنذاك" مشيرة إلى أنها حاليا أم لطفلين، وإنها إن عاد بها الزمن لكانت ستمضي وفق نفس المسار، حيث إنها لم تكن لتقبل بنظرة المُجتمع إليها، وهي أم عازبة.


وعلى غرار أمينة، شابّات كُثر، بمشاكل أو بدونها، تم تزويجهن قبل السن القانونية، استنادا إلى مُوافقة القاضي، مع تبيان المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأب القاصر أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي. وهو الشيء الذي يطالب الحقوقيون في المغرب، بتعديله، بجعل السن القانونية للزواج 18 عاما، ومنع زواج من هم في سن أقل.


وتعتبر منظمة العفو الدولية أن "هناك العديد من مواد القانون الجنائي المغربي المُتعلّقة بالمرأة، تحتاج إلى تعديل، من أجل حمايتها من العنف والتمييز"، من بينها المادة 20 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه "لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، على ألا يقل سن المأذون له عن 16 عاما، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة وجوبا بخبرة طبية وبحث اجتماعي، وفي جميع الأحوال، ينبغي على القاضي أن يراعي تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج".


رفض قانوني وقبول مُجتمعي
وتقول الباحثة في القانون العام والعلوم السياسية، أسماء مهديوي، إن "زواج القاصرات يعرف  انتشارا واسعا، داخل المجتمع المغربي على الرغم من كافة محاولات الجهات الرسمية والمجتمع المدني الحد منها".

وتضيف مهديوي، في حديثها لـ"عربي21"، أنه "رغم نجاح الدولة عبر قوانينها وأجهزتها القضائية بالقطع مع زواج الطفلات، فإن القبول المجتمعي لظاهرة زواج القاصرات في أوساط كثيرة يحد من فاعلية  النصوص القانونية والمناشدات الحقوقية للحد من الظاهرة" مشيرة إلى أن "ظاهرة اجتماعية كهاته لا يمكن مقاربتها من زاوية قانونية خالصة أو حقوقية بحتة أو وضعها في بوتقة البروباغاندا السياسية المؤقتة".


وتابعت: "إن التحولات العميقة التي يعيش على إيقاعها المجتمع المغربي، جعلت دور الأسرة التأطيري للأبناء المقبلين على الزواج، يتراجع" مرجعة أسباب تفاقمها كذلك، إلى "التحولات الاقتصادية المتسمة بخروج المرأة إلى سوق العمل المنظم، وما رافقه من تغير في الأدوار والوظائف داخل الأسرة".

وختمت مهديوي حديثها لـ"عربي21"، بالقول: "إن فئات عديدة من داخل المجتمع المغربي، عادت إلى زواج القاصرات كمحاولة فاشلة منها للهروب من نموذج الأسرة الذي ضاعف الأعباء على الأفراد وحدّ من العلاقات الاجتماعية بين الأسر، ولم يحسم في الالتزامات المالية والمسؤوليات الأسرية لأطراف الزواج".