ملفات وتقارير

"الوجه الخفي لفرنسا".. مقتل نائل ينكأ جراح المهمشين والفقراء بضواحي باريس

هل تلتفت فرنسا إلى سكان الضواحي وتعالج مشاكلهم؟ - جيتي
"أشعر كأنني أعيش أحداثا تشبه فيلما سينمائيا، العنف والنيران تحيط بعدد من المباني الرسمية والسيارات والحافلات، بالإضافة إلى أعمال النهب، وكأنها حرب عصابات، مما يجعلني أعيش في حالة خوف مستمر"، هكذا تصف شابة من أصول تونسية، تعيش في ضواحي باريس، الأحداث الجارية.

وتصف هذه الشابة المهاجرة ذات الـ 27 ربيعا، لـ"عربي21"، ما يقع الآن في فرنسا بأنه "محاكاة واقعية لفيلم أثينا"، خاصة إثر تناقل وسائل التواصل الاجتماعي لمشاهد حرق المنشآت، وتدخل الشرطة، وغضب أبناء الضواحي من المهاجرين؛ "أعيش حياة رأيتها مُسبقا في ذلك الفيلم".

نائل.. إيقاظ الجراح

وفتح مقتل نائل المرزوقي، البالغ 17 عاما، ذي الأصول الجزائرية، برصاص شرطي، في ضاحية نانتير، الثلاثاء الماضي، جراح أبناء الأحياء الشعبية في ضواحي فرنسا، وأشعل فتيل الغضب، فيما وجهت للشرطي جريمة القتل العمد.

وعلى الرغم من أن عائلة نائل كانت قد طلبت عدم حضور الصحفيين لتغطية مراسم تشييع جثمانه، يوم السبت الماضي، من مسجد ابن باديس إلى مقبرة مونت فاليريان في نانتير، إلا أن مصادر عدة أكدت أنه حظي بـ"جنازة مهيبة حضرها عشرات الآلاف".



وفي شوارع حي بابلو بيكاسو الذي تقيم فيه عائلة الفتى، خلّف مقتل نائل، ليالي طِوالا من أعمال الشغب، فيما اختار آخرون تفريغ غضبهم على الجدران بعبارات تطالب بـ"العدالة الإلهية"، وذلك بالرغم من أن أم نائل كانت قد دعت لمسيرة سلمية.

وبينما قال البعض إن الذين خرجوا بضواحي باريس مطالبين بالعدالة لنائل هم مهاجرون مغاربيون وأفارقة، قال وزير الداخلية الفرنسي، في مداخلة برلمانية إن "90 في المائة من الموقوفين فرنسيون".


"من بين 4000 شخص تم إيقافهم 90% منهم فرنسيون و10% أجانب، 40 شخصا فقط بدون وثائق خلال الأحداث الأخيرة"، بحسب وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان.

خوف مُتسلل لساكني الضواحي

وخلّف مقتل الشاب ردود فعل واسعة عبر مختلف وسائل الإعلام الدولية؛ ففي بريطانيا، سلّطت وسائل الإعلام الضوء على توجيهات وزارة الخارجية البريطانية بعدم السفر إلى باريس، وفي روسيا، تم توجيه الانتقادات للرئيس إيمانويل ماكرون، والإشارة إلى احتمال نشوب حرب أهلية؛ وفي أمريكا تم التركيز على أوجه الشبه بين مقتل نائل من طرف شرطي فرنسي، وبين مقتل الأمريكي من أصل أفريقي، جورج فلويد، على يد أحد عناصر الشرطة الأمريكية، سنة 2020؛ أما جُل وسائل الإعلام العربية فركزت جُهودها للإجابة على سؤال هل الجيل الجديد من مهاجري فرنسا العرب فقدوا الثقة في السياسات؟

وأظهرت مشاهد الاحتجاجات المُتداولة، انعدام المساواة بين الأحياء الفرنسية، فبينما تعج قلب باريس بمبان راقية، تجد الضواحي تعيش في قلب فقر ظاهري؛ وذلك على الرغم من إنفاق فرنسا مبلغ 12 مليار يورو، خلال سنتي 2004 و2020، على برامج تهدف لتحديث الأحياء الشعبية وتحسين أوضاع سكانها.



وفي هذا السياق، يقول الصحفي الاستقصائي المتخصص في الهجرة واللجوء، سعيد المرابط، إن "المقيمين في الضواحي الفرنسية ينحدرون غالبا من دول أفريقية، لا سيما المغرب وتونس والجزائر، وجُلهم يعملون في الشركات الصناعية؛ لا سيما شركات صناعة السيارات الفرنسية الشهيرة من قبيل "رونو" و"بيجو" و"سيتروين"".

ويضيف المرابط، في حديثه لـ "عربي21" أن "حياتهم هناك، منعزلة عن الحياة في فرنسا المركز، حيث لا يتحدثون الفرنسية بطلاقة، لأنهم أنتجوا مجتمعات خاصة بهم، لدرجة أصبح لهم سوق معزول خاص بهم، يسمى Val Fourré".

ويتابع: "حتى أبناء الجيل الثالث من هؤلاء المهاجرين، والذين هم فرنسيون في المحصلة، لا زالوا يعتبرون أنفسهم مواطنين أصيلين لبلدانهم، وفرنسا يُعجبها هذا الحال ما داموا يعملون بجد لترتفع صادرات الصناعة الفرنسية".

ويسترسل المتحدث نفسه، الذي زار ضواحي باريس في الآونة الأخيرة، قائلا إن "هناك اتفاقا غير معلن بين فرنسا وهؤلاء المهاجرين، يتجلى في أنها خلقت لهم بيئة أصلية يعيشون فيها كأنهم في بلدانهم، ودون أن يكون لهم تأثير فعلي في اتخاذ السياسات الخارجية والداخلية لجمهورية فرنسا".

ما الحل؟

وفي تعليقها على موجة الاحتجاج التي تعيش على إيقاعها الشوارع الفرنسية، في الأيام الأخيرة، قالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، رافينا شمداساني، إن "الوقت قد حان لكي تعالج فرنسا بكل جدية مشاكل العنصرية والتمييز المتشعبة في صفوف عناصر الأمن".



كذلك، أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في وقت سابق، ما وصفتها بـ"الانتهاكات التي تُمارس بحق كل من هو ليس أبيض البشرة"، مشيرة إلى أن "فرنسا انتهكت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تحظر كافة المعاملات السيئة".

ويرى أستاذ علم الاجتماع في كلية مولاي إسماعيل بالمغرب، خالد منى، أن الأحداث الجارية في فرنسا تخص "شابا فرنسيا من أصول مغاربية وبالتحديد جزائرية، فهو أولا وقبل كل شيء مواطن فرنسي وليس مهاجرا" مبرزا أن هناك "من يبني خطابه على الحقد وكراهية الآخر، من خلال اعتبار نائل مُهاجرا".



ووصف أستاذ علم الاجتماع، في حديثه لـ"عربي21" ما يقع في فرنسا بـ"انتفاضة شعبية يقودها جيل جديد من أصول أفريقية، فيها نوع كبير من العنف الموجه ضد كل شيء. حيث شاهدنا مع حركة السترات البيضاء نفس العنف أو ما شابه لكنه لم يُنعت آنذاك بالشغب".

ويتابع: "كل ما تنتجه ساكنة الضواحي، ممن يعيشون في أوضاع اجتماعية واقتصادية مُزرية يُنعت بالفوضى، في حين أن هذا الأمر ليس له علاقة بالهجرة بل بالهرمية الاجتماعية التي أقصت جزءا من المجتمع ونزعت عنه حق التعبير لأنه من أصول أجنبية" بحسب أستاذ علم الاجتماع.

وفي ختام حديثه لـ"عربي21"، يقول خالد منى، إن "ما نشاهده لن يؤثر على صورة المغاربيين في فرنسا، لأن هذه الصورة أصلا مشوهة. حيث أن الإشكال ليس في الهجرة لأن فرنسا تعد بلدا لاستقبال المهاجرين منذ عقود، لكن المسيء في الأمر هو الطريقة التي تدخلت بها بعض الجهات، حيث أصبحنا نتحدث عن حراك أو فوضى جيل ينتمي إلى بلدٍ أجنبي، بينما الأمر عكس ذلك، فهؤلاء الشباب هم فرنسيون أولا، ثم إن العنف المبالغ فيه هو نتيجة فشل المؤسسات الاجتماعية في فرنسا وعلى رأسها المدارس".