قضايا وآراء

مونديال قطر.. نحن مع الأصالة حين تعني الانتماء

1300x600
لقد استطاعت قطر، بامتياز كبير، أن تترجم مقولة: "نحن مع الأصالة حين تعني الانتماء، ومع المعاصرة حين تعني الارتقاء" إلى أفعال؛ فقد استطاعت بعبقرية التخطيط والأداء أن تجمع بين حفاظها على قيمها وتراثها وثقافتها العربية الإسلامية، وبين الحداثة التقنية والمعلوماتية والفنية برقي واقتدار كبيرين؛ فجاء مونديال قطر 2022 واحدا من أرقى المهرجانات الرياضية على مستوى العالم.

وكان أن تمكنت قطر بكل أريحية وثقة بالنفس من إلزام العالم باحترام قوانينها وثقافتها العربية الإسلامية بكثير من الهدوء والانفتاح الحضاري والوعي وسعة الصدر، بعيدا عن الغوغائية والتحدي والصراخ؛ فقد واجهت منتقديها غير البريئين بأسلوب متحضر، ولم تلجأ إلى خلق عداوات وتبادل اتهامات، وتركت للعالم أن يحكم على أدائها، ودافعت بذكاء عن قيمها ومبادئها وأخلاقها.

وكانت فلسطين أكبر الحاضرين في العرس الكروي القطري، فرفعت الأعلام الفلسطينية في كل مكان، وغنى العرب جميعهم لفلسطين وانتصروا لقضيتها، بينما عاقبت دول عربية أخرى على رفع علم فلسطين أو حتى صناعته وبيعه، بل قامت بمصادرته من المحلات التجارية، كما حدث في كأس الأمم الأفريقية 2019 في مصر.
تمكنت قطر بكل أريحية وثقة بالنفس من إلزام العالم باحترام قوانينها وثقافتها العربية الإسلامية بكثير من الهدوء والانفتاح الحضاري والوعي وسعة الصدر، بعيدا عن الغوغائية والتحدي والصراخ؛ فقد واجهت منتقديها غير البريئين بأسلوب متحضر

لقد كان القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وصوت الأذان حاضرة في المهرجان الكروي، فاختار القطريون بفطنة وحصافة عالية بعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تظهر سماحة الإسلام، وعظمة الرسالة المحمدية، وترجمتها وأثبتتها في لوحات أنيقة ليقرأها الزوار ويتعرفوا إلى دين الإسلام من خلالها، بغية إزالة الصورة المشوهة التي رسمها الإعلام الغربي وساهمت فيها بعض التنظيمات المتطرفة كتنظيم الدولة (داعش).

وتم افتتاح المونديال بالآية 13 من سورة الحجرات التي تقول: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير". والآية تحمل روحا إنسانية عالية، وتؤكد على عالمية الإسلام، وعدم تفريقه بين البشر إلا فيما يختص بعلم الله في مسألة التقوى. وقامت قطر بخطوة ذكية حين جلبت مؤذنين أكفياء قادرين على إمتاع الحضور بصوت الله أكبر، بطريقة مريحة للأذن ومؤثرة في السامع.

وبينما أحس العرب والمسلمون بكثير من الفخر لقيام قطر بافتتاح المونديال بالقرآن الكريم والإجراءات الدينية الأخرى المصاحبة، نفاجأ بالإعلامي محمد الباز المقرب من الأوساط الحكومية المصرية، يوجه انتقادا غاضبا ومضحكا لما أسماه إقحام الدين في الرياضة، وعدّ ذلك نوعا من الخلل، بل وصفه بالجريمة، ثم يحرض ضد قطر بالقول: ".. لأنك هنا تغذي حالة دينية وحالة طائفية العالم لن يتسامح في ذلك". وعلق على اللوحات المترجمة بالقول: "عاملين لوحات ومترجمينها بالإنجليزية، وبعض الجهات معترضة لأن قطر أدخلت الدين في الرياضة، كنت أتمنى أن تكون مساحة الدين بعيدة.. الناس مش جاي عشان الدين، جاي عشان الرياضة"، مع أن كل الدول التي استضافت كأس العالم كان لها برامج تعرّف بثقافة بلادها وتراثها، بل إنها في الافتتاح تستلهم كثيرا من رموز تراثها من خلال تشكيلات فنية يتصل بعضها بالديانات والآلهة وغيرها. بل إن روسيا في مونديال 2018 وزعت نسخا من الإنجيل على الحضور، وهذا معروف لدى كل متابع للأحداث الرياضية العالمية.

لقد أرادت قطر أن تزيل من أذهان الخائفين من الإسلاموفوبيا الفكرة الخاطئة عن الإسلام، وأظنها نجحت إلى حد بعيد في ذلك؛ فما تم اختياره من آيات وأحاديث يُدخل الطمأنينة إلى القلب، ويضع الأمور في نصابها، فعلينا جميعا أن نرفع القبعة لقطر على ما قدمته من صورة مبهجة وراقية عن ديننا العظيم.
تعرضت قطر لحملة تشويه كبيرة، وكان للإعلام الصهيوني دور بارز في هذا التشويه الحاقد والناقم على قطر؛ الدولة الصغيرة التي أبهرت العالم بما قدمت من إبداع استثنائي، فالعالم الغربي لا يحتمل أن يرى دولة عربية ناجحة ومتفوقة، فالنجاح والتفوق لهم وحدهم، وحرام على غيرهم


لقد تعرضت قطر لحملة تشويه كبيرة، وكان للإعلام الصهيوني دور بارز في هذا التشويه الحاقد والناقم على قطر؛ الدولة الصغيرة التي أبهرت العالم بما قدمت من إبداع استثنائي، فالعالم الغربي لا يحتمل أن يرى دولة عربية ناجحة ومتفوقة، فالنجاح والتفوق لهم وحدهم، وحرام على غيرهم. حتى الديمقراطية التي يتبجحون بها ليل نهار؛ فهي لشعوبهم فقط، وينكرونها علينا، ويصمتون على حكامنا الدكتاتوريين، بل يدعمونهم ويقدمون لهم المعونات والمشورة ما داموا يؤدون فروض الولاء والطاعة لهم.. لقد قهرتهم قطر بإبداعها التنظيمي، وجعلتهم يحسون ربما لأول مرة بأن هناك من ينافسهم في الإبداع، فلم يرق لهم ذلك؛ فأقاموا الدنيا وأقعدوها ضد قطر ونجاحها.

نشكر قطر على ما قدمت لنا من إنجاز حضاري إنساني بالغ الجمال، ونطالبها بمعرفة عدوها من صديقها، وأن تتوقف عن مجاملة الأعداء الذين يظهرون لها الود، بينما يحملون لها في بواطنهم الكره والضغينة حسدا وغيرة من إنجازاتها المتلاحقة التي فاقت التصور في كل المجالات وعلى كل صعيد.

نبارك لقطر هذا النجاح الكبير في تنظيم مباريات كأس العالم في نسختها الحادية والعشرين بكفاية واقتدار عاليين، ونتمنى لقطر وشعبها وقياداتها كل التوفيق في أعمالها وأنشطتها الريادية، وأن تظل نموذجا حاضرا بقوة في المشهد الإنساني بعامة، والعربي بخاصة.