مقابلات

فيدرالية مسلمي فرنسا: هذه مخاطر طرد الأئمة من البلاد

مقابلة مع مخلوف مامش الأئمة في فرنسا - عربي21

حذّر عضو مجلس إدارة فيدرالية مسلمي فرنسا (اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا سابقا)، رئيس الفيدرالية الفرنسية للمدارس الإسلامية الخاصة، مخلوف مامش، من التوسع في سياسة طرد بعض الأئمة من فرنسا.

وقال: "هذه السياسة كانت موجودة سابقا، إلا أن وزير الداخلية الحالي، جيرالد دارمانان، سرّع من وتيرة الحديث عن تلك السياسة التي بثت الخوف في الأوساط الإسلامية بفرنسا، خاصة أن الأمور تمضي بسرعة فائقة خلال الأشهر الأخيرة".

وأوضح، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن قانون "مكافحة الانفصالية"، الذي تم إقراره منذ نحو عام، "يعطي السلطات الحق في اتخاذ قرارات إدارية كإغلاق المساجد أو طرد بعض الأشخاص، إذا ثبت عنهم قول شيء ما يُخالف ما يسمى قيم الجمهورية، دون الوقوف أمام العدالة".

 

اقرأ أيضا: فرنسا تجهز قائمة دعاة ورؤساء جمعيات لطردهم من البلاد

وتابع مامش، وهو مؤسس أول مدرسة ثانوية إسلامية في فرنسا (ثانوية ابن رشد): "قانون النزعة الانفصالية يحتاج إلى مراجعة، وأي قرار يُتخذ لا بد أن يمر عن طريق القضاء، فأي قانون هذا الذي يسمح بترحيل الأشخاص وفصلهم عن عائلاتهم بعد أن قضوا حياتهم في فرنسا؟".

ولفت مامش إلى أن قانون مكافحة الانفصالية "يشمل أكثر من 50 مادة تمس كل ما هو إسلامي؛ سواء مساجد أو مدارس أو جمعيات أو أشخاص، ونحن المسلمين نشعر الآن وكأننا نعيش غير الحقبة التي كنّا نعيشها سابقا".

وأشار إلى أن "هناك إجراءات رقابية (ضد المسلمين) بشكل أكبر، بل نعتقد أن كل شيء بات يخضع للرقابة، وكأن مكافحة الانفصالية مخصصة للإسلام والمسلمين فقط دون غيرهم".

وكشف مامش أنه "تم استدعاء رؤساء الجمعيات الإسلامية التي ندّدت بقرار إبعاد الإمام المغربي حسن إيقيوسن، وهو الأمر الذي اعتبره البعض ضمنا رسالة تخويف"، منوها إلى أن أكثر من 200 مسجد كانوا قد أصدروا بيانا ينددون فيه بالإجماع بطرد إيقيوسن.

وذكر أن "ماكرون ترك لوزير داخليته كل الحرية المطلقة في إدارة شؤون الإسلام والمسلمين في فرنسا. وفي الحقيقة، هذا الوزير زاد الطين بلة بسياسته المنتهجة التي أصبحت الآن سياسة غير مرحب بها بين الأوساط الإسلامية وأوساط المسلمين في فرنسا عموما، وأتمنى أن يستدرك الأمر ويتراجع عن هذه السياسة المنتهجة".

يشار إلى أنه في 30 آب/ أغسطس الماضي، نقض مجلس الدولة، أعلى محكمة إدارية فرنسية، قرارا صادرا عن المحكمة الإدارية في باريس يعلق طلب ترحيل إيقيوسن إلى المغرب. هذا القرار وصفه وزير الداخلية الفرنسي بأنه "نصر عظيم للجمهورية"، مؤكدا أنه يعطي "الضوء الأخضر" لترحيل إيقيوسن.

وفي 28 تموز/ يوليو الماضي، نشر دارمانين عبر حسابه على "تويتر"، خبرا لمجلة "لا بوينت" اليمينية تحت عنوان: "الإمام الإخواني مهدد بالترحيل"، وعلق عليه بالقول: "هذا الداعية يتبنى خطاب كراهية ضد قيم فرنسا، ويتنافى مع مبادئ العلمانية والمساواة بين الرجال والنساء، وسيتم طرده من الأراضي الفرنسية".

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

موقع "ميديا بارت" الفرنسي كشف مؤخرا أن وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، يعمل على إعداد قائمة تضم رجال دين مسلمين يخطط لإبعادهم من البلاد، فما مدى دقة هذه الأنباء؟

وزير الداخلية صرّح سابقا بأنه تم إبعاد أكثر من 734 "أجنبيا متطرفا" منذ أن تولى الرئيس ماكرون الحكم في شهر حزيران/ يونيو 2017. كما أعلن بأن في حوزته قائمة بالمساجد ذات "التوجه المتطرف والراديكالي".

 

وأعلن كذلك قائمة تضم نحو 100 شخص لأئمة ودعاة لا يحترمون قيم الجمهورية، وقال إنه سيكشف عن تلك القوائم في حينه، ونحن نعرف منها بعض المساجد التي تم بالفعل غلقها بقرار إداري، وهي ليست كثيرة أو كبيرة، وأغلبها لم ينطبق عليها شروط السلامة المنصوص عليها في القانون الفرنسي.

أما بالنسبة للأشخاص المُشار إليهم، فكلهم ذوو جنسيات أجنبية، ولم يتم تجديد إقاماتهم. وكذلك هناك جمعيات ثقافية تدافع عن حقوق الإنسان، وأخرى تهتم بالمساعدات الإنسانية سواء لفلسطين أو لدول أخرى، تم تجميدها وتجميد أرصدتها وغلقها، وهذا قبل سنة ونصف تقريبا.

بحسب ما تم نشره، سيكون من بين الأئمة الذين سيتم طردهم الرئيس الأسبق لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، أحمد جاب الله، وهو الحليف التاريخي لوزارة الداخلية، ما دلالة ذلك؟

في الحقيقة هذا كلام سابق لأوانه، وهي تخمينات صحفية جاءت عقب حديث موقع "ميديا بارت" مع محامي الدكتور أحمد جاب الله؛ إذ اعتبروا أن عدم تجديد الإقامة له يُمهد لطرده من التراب الفرنسي. وهذه الوضعية التي يعيشها الدكتور جاب الله بدأت منذ ثلاث سنوات، وليست وليدة الأمس.

أضف إلى ذلك، أن الدكتور جاب الله شخصية علمية تحظى بالاحترام والتقدير من كل مكونات المجتمع الفرنسي، خاصة أن خطابه "خطاب مسؤول"، وقد أسّس معهدا لتخريج الأئمة في منطقة شاتو شينون ومعهد آخر في باريس، وله نشاط كبير في الحوار بين الأديان، ويقيم في فرنسا منذ أكثر من 40 سنة.

 

ونحن لم نفهم هذه السياسة المنتهجة في عدم منحه الإقامة حتى الآن، خاصة أنه لم تكن له سوابق مع المحاكم أو أي شيء. وعليه، فما الذي تغير؟

هل هذه الخطوة المرتقبة لها علاقة بفشل وزير الداخلية في إتمام عملية ترحيل الإمام حسن إيقيوسن؟

بالنسبة للإمام حسن إيقيوسن، فقد صدر في حقه قرار من مجلس الدولة (أعلى محكمة إدارية فرنسية)، يقضي بترحيله وطرده من فرنسا تماما.

 

الآن يبدو أن حسن إيقيوسن -حسب تصريحات المحامية- خرج بنفسه من فرنسا، ولا نعلم أين هو موجود حاليا، ومن ثم فهذا القرار يسري عليه تماما الآن، لأنه قرار محكمة، ولا ينسخ إلا بقرار آخر من العدالة.

وهل سينجح وزير الداخلية في طرد بعض رجال الدين الآخرين؟

أظن أن الوزير قبل أن يتخذ أي قرار له آليات ينبغي عليه اتباعها؛ فهناك آليات للترحيل والطرد قبل إصدار القرار. والقرارات هذه تخص بالدرجة الأولى الأشخاص والأئمة الذين لا يحملون الجنسية الفرنسية، وإنما عندهم جنسيات أجنبية، فهذا يُسهّل على السلطات الفرنسية طردهم.

وسياسة طرد بعض الأئمة الذين يطلقون تصريحات مثيرة للجدل وتتعارض مع قيم الجمهورية -كما يقول وزير الداخلية-، كانت موجودة قبل مجيء الوزير الحالي، إلا أن هذا الوزير سرّع من وتيرة الحديث عن طرد بعض "الأئمة المتطرفين"، بحسب قوله.

 

الأمور تمضي بسرعة فائقة في الأشهر الأخيرة، وهذا لا ينسينا أننا مررنا بفترات مشابهة، خاصة في أثناء إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية؛ فكلما كان هناك انتخابات، كان الإسلام له حصة الأسد في الحملات الانتخابية، وهذا منتظر ومتوقع للأسف.

هل السلطات الفرنسية تسعى بحق إلى "خلق إسلام فرنسي من خلال تكوين أئمة على التراب الفرنسي، وتهيئتهم لأخذ دورهم بدل الأئمة القادمين من الخارج"؟

ليس من حق السلطات الفرنسية أن تسعى إلى خلق "إسلام فرنسي" من خلال تكوين أئمة على التراب الفرنسي. هذا مُخالف لقانون الجمهورية ولمبادئ العلمانية في فرنسا. فمن المفترض ألا تتدخل السلطات في تكوين الأئمة، وإنما يحدث ذلك من خلال جمعيات ومؤسسات دينية إسلامية، تهتم بتكوين الأئمة على التراب الفرنسي، ولديهم علم بالمجتمع والقوانين الفرنسية، وهذا أمر مهم جدا.

لكن المسلمين في فرنسا الآن، هم الذين يهتمون بتكوين الأئمة، وهناك مراكز ومعاهد تهتم بتكوين وتخريج الأئمة الذين لهم أصول فرنسية، ويتكلمون باللغة الفرنسية، ويحسنون الأداء، ولديهم تكوين شرعي وعلمي لا بأس به، وهذا هو الذي نريده ونصبو إليه.

 

اقرأ أيضا: FP: خطة ماكرون لصنع "إسلام فرنسي" فاشلة لهذه الأسباب

أما الأئمة الذين يأتون من الخارج، فالرئيس ماكرون أكد في أحد خطاباته، أنه ابتداء من السنة المقبلة لن يُسمح لأي إمام من خارج البلاد أن يدخل إلى فرنسا، ونحن نشاطره الرأي؛ لأن الأئمة لا بد أن يجيدوا اللغة الفرنسية، وأن يحسنوا معرفة المجتمع الفرنسي وتاريخ وقوانين البلاد، وهذا أمر مهم للغاية. ولكن ليست هناك إرادة سياسية من أجل تفعيل ذلك، فيبقى إلى حد الآن مجرد كلام نتغنى به ولم نر له أثرا على الواقع.

ما تقييمكم لمواقف ماكرون ووزير داخليته من الإسلام والمسلمين؟

ماكرون لم يوفق حتى الآن في وضع آليات موضوعية من أجل حل إشكالية تمثيل المسلمين أو بعض مواقفه الأخرى من الإسلام، خاصة خطابه الذي تكلم عن أن الإسلام يعيش أزمة عالمية، وهذا كان كارثة بمعنى الكلمة، خاصة على المستوى الخارجي والدولي. وصورة فرنسا تغيرت حتى كانت هناك مثلا مقاطعة للمنتجات الفرنسية في بعض الدول الإسلامية.

أما على المستوى الداخلي، فكذلك المسلمون يعيشون أوضاعا صعبة، وللأسف الشديد لم يتم جمع كل الفيدراليات والمؤسسات الرائدة في فرنسا التي تُمثل المسلمين والتحاور معهم من أجل إيجاد حلول للمشاكل التي يعيشها المسلمون، وننتظر تدارك ذلك خلال الفترة الثانية من حكم ماكرون.

ويبدو أن ماكرون ترك لوزير داخليته كل الحرية المطلقة في إدارة شؤون الإسلام والمسلمين في فرنسا. وفي الحقيقة، الوزير زاد الطين بلة بسياسته المنتهجة التي أصبحت الآن سياسة غير مرحب بها بين الأوساط الإسلامية وأوساط المسلمين في فرنسا عموما، وأتمنى أن يستدرك الأمر ويتراجع عن هذه السياسة المنتهجة في الحقبة الأخيرة.

ماذا لو أقدمت السلطات الفرنسية على ترحيل بعض العلماء والدعاة المسلمين؟

السلطات الفرنسية قامت بترحيل مجموعة من الأئمة وبعض الشخصيات، ولديها بعض الآليات القانونية التي تسمح لها بذلك، خاصة من خلال الأحكام القضائية، لكننا نقول؛ إن الأمر لا بد أن يمر عبر العدالة وليس فقط بقرار سياسي أو إداري.

 

إلا أن قانون الانفصالية هو الذي يعطي السلطات الحق في إبعاد هذا أو ذاك، وكذلك الأمر بغلق دور العبادة، وهذا أمر غريب لم نعهده من قبل؛ لأن فرنسا كما نعرفها دولة القانون وتحترم العدالة، وأي شخص لم تثبت عليه تهمة فهو بريء حتى تثبت إدانته، وهذا هو الأصل؛ فهذا الذي ندعو له، وهناك عدة أصوات موضوعية غير إسلامية هنا في فرنسا تنادي بذلك.

إلى أي مدى ساهم "منتدى الإسلام في فرنسا" في فتح صفحة جديدة في العلاقة بين الدولة الفرنسية ومواطنيها المسلمين؟

منتدى الإسلام في فرنسا بدأ هذه السنة، وكان أول لقاء في شهر شباط/ فبراير الماضي، أي قبل شهور قليلة من انتهاء فترة الحكم الأولى للرئيس ماكرون. وأمر غريب أن يخرج الرئيس في آخر أيامه بمشروع كهذا.

وهذا المشروع بدأ ضعيفا، واليوم لا نسمع عنه شيئا، وهو لا يمثل كل التيارات الإسلامية ولا كل المسلمين على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم، بل جمع مجموعة معينة من الشخصيات وبعض أئمة المساجد.

لذا، فالمنتدى لم يكن مفتوحا للجميع، بل كان هناك انتقاء لبعض الشخصيات، ونحن مثلا تلقينا الدعوة وساهمنا في المنتدى، لكن كانت مساهمة لا ترقى إلى المساهمات التي قدمناها في المجالس الأخرى من قبل؛ لأن الدعوة وصلت إلينا في آخر يوم، ولم نجد تشجيعا.

ولا أظن أن هذا المنتدى يضمن تمثيل أكثر شرعية وفاعلية لثاني أكبر ديانة في البلاد. والمنتدى أيضا جاء كمبادرة من وزارة الداخلية ولم يكن مبادرة من المسلمين، وهذا هو المشكل الأساسي؛ فحتى ينجح المنتدى كان يجب أن يكون للمسلمين مساهمة فعالة فيه، ولذا هو لا يحظى بالشرعية والفاعلية؛ لأنه جاء بقرار وزاري وليس عن قناعة.

كيف تنظر لحقبة "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" الذي كان المحاور الرسمي والوحيد للحكومة الفرنسية لمدة 20 عاما؟

هذا المجلس كان في البداية مجلسا جيدا يُمثل المسلمين، ويُمثل كل التيارات والجمعيات الكبيرة في فرنسا، وكان بمنزلة المبادرة الوحيدة التي نجحت إلى حد ما في تمثيل المسلمين بفرنسا. على الأقل كان هناك حوار بين كل الفيدراليات والجمعيات التي تُمثل المسلمين من جانب والسلطات الفرنسية من جانب آخر، لإيجاد حلول لبعض الإشكاليات المطروحة كالحج، واللحم الحلال، والتعليم، وبناء المساجد، إلخ. لكن بعد 20 سنة، ظهرت فيه تصدعات كثيرة أدت به إلى الانهيار، خاصة بعدما انسحبت منه كل الفيدراليات باستثناء فيدرالية واحدة فقط، وإن كان لم يُحل رسميا حتى هذه اللحظة، ولكنه في غيبوبة تامة للأسف الشديد.

لذلك، دوره الآن تآكل جدا، والدولة الفرنسية لم تساهم في تفعيله، بل خلقت منتدى الإسلام في فرنسا لمنافسته، ومن ثم لم يعد للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أي تمثيل، حتى على مستوى المدن والمناطق، ولم يبق منه شيء إلا الاسم الرسمي فقط.

ولماذا تآكل دور هذا المجلس؟

لأن بداخله صراعات كبيرة بين الجمعيات أو الفيدراليات الإسلامية نتيجة للتدخلات الخارجية، وأظن أن الحكومة الفرنسية رأت بأن هذا المجلس لم يعد له دور، فعملت على إنهائه، وهذا هو العامل الأكبر في طي صفحته. وإنشاء "المنتدى الإسلامي" دليل على أن الحكومة تريد أن تُنهي دور المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية؛ إذ لا يمكن أن يكون هناك مجلس ومنتدى في آن واحد.

الحكومة الفرنسية تريد طي صفحة ما تسميه بـ"الإسلام القنصلي" (في إشارة للبلدان التي تزعم أنها تتحكم في خيوطها عن بُعد)، كيف ترى تلك الإشكالية؟

نعم. "الإسلام القنصلي" موجود في فرنسا، ويتمثل في بعض الدول الإسلامية التي لها جالية إسلامية كبيرة، وهي المغرب والجزائر وتركيا، وكذلك بعض الدول الأفريقية بتأثير أقل، وهذه الدول تُشرف على جالياتها، ومساجد بعينها، وعلى ما يسمى بالإسلام القنصلي، وقلنا منذ البداية إنه لا بد أن ننتهي من هذه الإشكالية المطروحة؛ لأن المسلمين يعيشون في فرنسا كجالية واحدة متناسقة ولها اهتماماتها المشتركة.

 

في حين تتغير أجندات ومصالح الدول، ونحن لا نريد أن تأتينا أي ضغوطات أو أي إملاءات إيديولوجية وقنصلية من الخارج؛ فنحن جالية إسلامية في فرنسا تملك قراراتها، ولا نريد أن يتدخل القناصل أو السفراء في هذه الجالية، والرئيس ماكرون كان قد أكد ذلك، ونحن نستبشر خيرا، لكن هناك تدخلات قنصلية لا تزال تتواصل؛ لأن هناك سفارات لها بعض الآليات تمكنها من مراقبة المسلمين هنا في فرنسا، وهذا من الإشكالية المطروحة على مستوى الإسلام الفرنسي.

بعد مرور أكثر من عام على إقرار قانون "مكافحة الانفصالية"، كيف ترى هذا القانون اليوم؟ وكيف تأثر المسلمون بإجراءاته؟

هذا القانون يشمل أكثر من 50 مادة تمس كل ما هو إسلامي؛ سواء مساجد أو مدارس أو جمعيات أو أشخاص، وهو يفتح الباب أكثر لمكافحة الانفصالية. لكن نحن المسلمين نشعر الآن وكأن الأمر تغير، وكأننا نعيش غير الحقبة التي كنّا نعيشها في السابق؛ فهناك إجراءات رقابية بشكل أكبر على المساجد والمدارس الإسلامية والخطابات الدينية.

 

وحقيقة، تأثَّرَ المسلمون اليوم -خاصة الأئمة ورؤساء المساجد- بهذا القانون، ونظن حاليا بأن كل شيء بات يخضع للرقابة. وهذا أمر في الحقيقة ليس جيدا، خاصة أن المسلمين يحترمون قوانين الجمهورية احتراما كاملا، ولسنا الوحيدين الذين قلنا بهذا، وإنما حتى بعض رجال السياسة والقانون، وبعض الإعلاميين تكلموا أيضا عن هذا الأمر، وكأن مكافحة الانفصالية مخصصة للإسلام والمسلمين فقط دون غيرهم.

وهل نجح قانون النزعة الانفصالية في أهدافه المُعلنة، التي تمثلت في محاربة ما يوصف بالفكر الانفصالي، واستهداف "الإسلام المتطرف"، ومنع المظاهر الدينية في الخدمة العمومية؟

بالنسبة للمظاهر الدينية في الأماكن العمومية، هذا مسموح به، لكنْ، هناك تضييق واضح بعد إقرار هذا القانون، وأخص بالذكر النساء المحجبات؛ لأن هذا من المظاهر الدينية التي ستعرضهن في بعض الأحيان إلى مشاكل كالسخرية والتحرش.

وأظن أن قانون النزعة الانفصالية نجح في أهدافه المُعلنة آنيّا، وذلك بترحيل بعض الأئمة، وتخويف أئمة آخرون، لكن على صعيد محاربة ما يوصف بالفكر الانفصالي واستهداف ما يصفونه بـ "الإسلام المتطرف"، فالمثال الذي هو الآن بين أيدينا هو الإمام حسن إيقيوسن الذي لا يمثل "الإسلام المتطرف"، وإنما يمثل الإسلام المعتدل الذي يدعو إلى احترام قوانين وقيم الجمهورية، وهذا واضح في كل نشاطاته، وهي موجودة على الشبكة العنكبوتية.

ومن ثم، عندما نرى مثل هذه الأعمال كإبعاد إمام ذي توجه معتدل ولا يدعو إلى الانفصالية بأي حال من الأحوال، فهذا يجعلنا نتساءل أكثر: ما الذي يريدونه بقانون الانفصالية؟ وقد أصبح من الصعب حاليا أن تقوم جمعية إسلامية بإدارة مسجد، وبات من الصعب أيضا الآن أن تتكلم في خطبة حول بعض المواضيع الحساسة، بل إن هناك صعوبات تمنعك من أن تتكلم بكل حرية؛ لأن هناك نوعا من التخوف من جانب المسلمين للأسف الشديد.

على سبيل المثال، قامت السلطات الجهوية باستدعاء رؤساء الجمعيات الإسلامية التي ندّدت بقرار إبعاد الإمام حسن إيقيوسن، وهو الأمر الذي اعتبره البعض ضمنا رسالة تخويف، وكان أكثر من 200 مسجد قد أصدروا بيانا ينددون فيه بالإجماع بطرد إيقيوسن.

ونحن نريد أن تبقى فرنسا دولة العدل والقانون والمساواة. إلا أن قانون الانفصالية يعطي السلطات الحق في اتخاذ قرار إداري كإغلاق المساجد أو في إبعاد بعض الأشخاص إذا ثبت عنهم قول شيء ما يُخالف ما يسمى قيم الجمهورية دون الوقوف أمام العدالة، فهذا القانون يحتاج إلى مراجعة، وأي قرار يُتخذ لا بد أن يمر عن طريق العدالة، وإذا ثبت على أي شخص التهمة يمكن اتخاذ الإجراءات القانونية ضده، أما ترحيل الأشخاص وفصلهم عن عائلاتهم بعد أن قضوا حياتهم في فرنسا، فأي قانون يسمح بهذا؟