تقارير

"برية القدس".. كنز للموروث البشري وملجأ للديانة المسيحية

"برية القدس" واحدة من أهم المواقع الأثرية التاريخية في فلسطين وأحد كنوز موروثها الثقافي والطبيعي

تعتبر "برية القدس" واحدة من أهم المواقع الأثرية التاريخية في فلسطين وأحد كنوز موروثها الثقافي والطبيعي، وهي محمية طبيعية ضخمة فريدة من نوعها حيث نشأت فيها الديانة المسيحية قبل أكثر من 2000 عام، وتضم مجموعة من الآبار الرومانية والأديرة والمواقع الأثرية المهمة.

ولأهمية هذه البرية التي يطلق عليها أيضا اسم "برية فلسطين" اقتطع الاحتلال أكثر من نصفها وسيطر عليها في محاولة منه لتهويدها في إطار نهجه في سرقة التاريخ والتراث الفلسطيني.

وتقع "برية القدس" بحسب الدكتور إياد حمدان مدير آثار أريحا في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية إلى الجهة الشرقية من حدود فلسطين على الحدود مع الأردن، وتمتد شمالا إلى العوجا وتقع شمالي مدينة أريحا وجنوبا إلى حدود قرية بني نعيم في الخليل جنوب فلسطين.

 

              إياد حمدان.. مدير آثار أريحا في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية

أوضح حمدان في حديثه لـ "عربي21" أن الديانة المسيحية في بداياتها نشأت في برية القدس حينما كانت ملاحقة ومطاردة من إمبراطور روما.
 
وقال: "عدد من الرهبان والنساك النصارى هربوا من بطش الإمبراطور الروماني لجأوا إلى برية القدس وسكنوا فيها وأقاموا عددا من الأديرة فيها مثل: دير أخرطون، دير أطموس وغيرها من الأديرة والتي أقيمت في مدينة أريحا التاريخية وهي: حجلة وحتى دير القرنطل، ودير وادي القلط".

وأضاف: "كانت برية القدس الملجأ إلى الديانة المسيحية لحين قوتها ونشأتها، وشكلت ملاذا في المنطقة الصحراوية إلى الرهبان إلى أن قويت الديانة المسيحية واشتد عودها".

أوضح حمدان أن برية القدس هي منطقة شبه صحراوية، ويوجد فيها حاليا بقايا عدد كبير من هذه الأديرة، والمواقع الأثرية، وكذلك يوجد فيها مقام النبي موسى.

وأشار إلى أن البرية تقع في محيط منطقة البحر الميت شمالا إلى أريحا شرقا، وتمتد جنوبا إلى الخليل، وتحوي كافة الأودية والجبال المطلة على السفوح الشرقية لفلسطين، وهي تعتبر محمية طبيعية فريدة من نوعها فيها الكثير من الطيور والحيوانات النادرة، وأحد محطات هجرة الطيور إلى فلسطين.

ومن جهته قال مدير مؤسسة مسار فلسطين التراثي جورج رشماوي: "إن برية القدس موقع ضخم جدا يوصل من شمال أريحا حتى خليج أم الرشراش، ويعتبر مهما جدا".

 

                  جورج رشماوي.. مدير مؤسسة مسار فلسطين التراثي

وأضاف رشماوي لـ "عربي21": "برية القدس مليئة بالآبار الرومانية والمواقع البدوية والكنائس والأديرة، ويوجد فيها مقام النبي موسى".

وأشار إلى أن الاحتلال يولي أهمية كبيرة لبرية القدس ويحاول طمسها وتهويدها وقد اقتطع منها جزءً كبيرًا.

وشدد على ضرورة أن يصبح في هذه المنطقة تواجد فلسطيني أكبر من خلال دعم المواقع والتجمعات الفلسطينية وتطوير السياحة في هذه المنطقة سواء الداخلية او الخارجية حتى تصبح أكثر وجود للشعب الفلسطيني والذي يتمثل من خلال التجمعات البدوية وذلك لعدم وصول الاحتلال الإسرائيلي اليها وضم ما بقي منها.

وقال مدير مؤسسة مسار فلسطين التراثي: "إن الاحتلال لا يسمح للفلسطينيين ترميم المواقع الأثرية في تلك المنطقة، والمواقع التي تم ترميمها من قبل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية تم تدميرها من قبل الاحتلال الإسرائيلي وتم توقيف العاملين بالترميم، ومنع حفر الآبار في تلك المنطقة".

وأضاف: "إقبال المجتمع الفلسطيني على المواقع الأثرية وزيارتها قليل جدا خصوصا في تلك المناطق التي توجد تحت السيادة الإسرائيلية، أما برية القدس فهناك إقبال كبير على زيارتها وخصوصا من المناطق المجاورة لها مثل منطقة النبي موسى والمواقع الأخرى التابعة لمحافظة القدس".

وأشار إلى أن وزارة السياحة والآثار الفلسطينية تشجع وجود أنماط سياحية مختلفة في المناطق، ولكن المطلوب وجود دور أكبر لوزارة السياحة والآثار والحكم المحلي وذلك للحفاظ علي المواقع الأثرية من الاندثار والسرقة من الاحتلال الإسرائيلي.

وطالب رشماوي بضرورة العمل على المحافظة على الموروث الثقافي المادي وغير المادي وهو دور وزارة الثقافة، مؤكدا على أن الحفاظ على المناطق الأثرية لا يقتصر فقط على وزارة السياحة والآثار بل هناك العديد من الوزارات التي لها دور بارز في الحفاظ على تلك المناطق مثل وزارة سلطة جودة البيئة ووزارة الثقافة والحكم المحلي.

وقال: "يجب أن تعمل تلك الوزارات جنبا إلى جنب لدعم الحفاظ على الموروث الثقافي والتاريخي في مثل تلك المناطق الموجودة تحت السيادة الإسرائيلية، وقد صنفت تلك المناطق تحت سيادة الاحتلال منذ اتفاقية أوسلو عام 1993م ويعتبر العمل في تلك المناطق صعب جدا بالنسبة للوزارة".

وأضاف: "برية القدس وضعها سيء جدا من ناحية أن المناطق مستهدفة سياديا من قبل الاحتلال الإسرائيلي والعمل والترميم في مثل تلك المناطق صعب جدا، ولكن يجب تكاتف جهود المجتمع المدني والمجتمع المحلي والحكومة مع بعضها البعض وذلك للحفاظ على المواقع الأثرية من الضياع والسرقة والنهب من قبل الاحتلال الإسرائيلي".

ومن جهته قال الدكتور أيمن شواهنة، مدير التوعية والتعليم البيئي في سلطة جودة البيئة الفلسطينية: "إن برية القدس هي محمية تاريخية وكبيرة من حيث المساحة تمتد حدودها من شرق بيت لحم حتى حدود البحر الميت شمالا وجنوبا حتى حدود الخليل والنقب".

 

        أيمن شواهنة.. مدير التوعية والتعليم البيئي في سلطة جودة البيئة الفلسطينية


وأضاف شواهنة لـ "عربي21": "تبلغ مساحة برية القدس الأصلية 500 كيلو متر مربع، وتقلصت مساحتها مع قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994م بسبب الاعتداءات الإسرائيلية إلى أكثر من النصف لتصل مساحتها الان 225 كيلو متر مربع".

وشدد شواهنة على أنه تم الاعتداء من قبل الحكم العسكري الإسرائيلي على هذه المحمية، حيث أعلن منذ عام عن مجموعة محميات واقتطعوا تقريبا 225 دونما تحت اسم محمية "وادي المثلث" وهي في الأصل جزء من محمية برية القدس.

واعتبر البرية بأنها محمية طبيعية من ناحية تركيبتها الطبغرافية، وتصنف ضمن الشعوب الشرقية الفلسطينية وحتى امتداد الأغوار الفلسطينية.

 



وأشار إلى أن ارتفاعاتها عن سطح البحر تصل في مناطق إلى 8 كيلو متر وتنحدر حتى تكون 300 متر تحت سطح البحر حسب الامتداد الجغرافي حتى مشارف البحر الميت.

وأكد المسؤول الفلسطيني أن المحمية جيولوجيا هي تعود للعهد الطباشري وتنتشر فيها تشكيلات طبيعية والصخور الجيرية، مشيرا إلى أنها حديثة العهد في السياحة البيئية.

وقال شواهنة: "محمية برية القدس لا تشبه المحميات الموجودة في فلسطين من حيث الغطاء الشجري فلا تشكل الغابات نسبة كبيرة منها، وإن كانت أجزاء السفوح موجود بعض الأشجار ولكن تميل إلى الطبيعة الصحراوية".

وأضاف: "هنا تنوع هائل جدا من النباتات مثل أشجار السدر وغيرها إضافة إلى النباتات الشرقية المتنوعة والعديدة والتي تميل إلى أن تكون ذات استخدامات طبية مثل الشيح ومشتقاته والتي يستخدمها المواطن الفلسطيني لأغراض طبية".

 



وأشار شواهنة إلى أن هناك تنوع حيواني فهناك الذئب الفلسطيني وأيضا أنواع من الضباء الزواحف موجودة بكثرة السلاحف البرية وغيرها.

واكد على أنه في ظل الامتداد الكبير لهذه المحمية وهذا التنوع الحيواني فإن جزء من مساحتها ملك للدولة والجزء الآخر للمواطنين وفيها عرب الرشايدة وغيرهم من السكان.

وأشار إلى ان هناك أجزاء من المحمية مناطق رعوية تعتبر مصدر لقوت حيوانات سكان تلك المنطقة.

وأوضح مدير التوعية والتعليم البيئي في سلطة جودة البيئة الفلسطينية أن المحمية تمتاز بالمناخ الجاف، وهي مروث طبيعي وإرث ثقافي في المنطقة.

وقال: "في بداية المحمية نشاهد أبعاد الوجود البشري من أقدم الحضارات وبداية الديانة المسيحية لوجود دير مار سابا، وهذا يؤشر كم ان هذه المنطقة غنية بالتاريخ والتراث نتيجة انها نظام بيئي متميز".

وأضاف: "حجم الجمال الطبيعي في المحمية من جبال وغيره يؤكد أننا في حاجة لمزيد من الحفاظ عليها كارث طبيعي وارث انساني".

وأشار إلى أن هذه المحمية تأخذ أهميتها لكبر مساحتها إضافة الى وجود مختلفة من في باطن أرضها الفسفور وبعض السبائك المعدية الأخرى، مؤكدا أنها تعتبر كنزا تاريخيا طبيعيا للموروث البشري بشكل عالي جدا.

 



وأوضح شواهنة أن هناك مجموعة من الأودية من الشمال والجنوب مثل وادي المثلث وهي مجموعة من الأودية التي تتجمع جرائها مجموعة عيون بسيطة وتحولت إلى شلالات نهرية تصب في البحر الميت.

وقال: "الانحدار الحاد مع عوامل التعرية وتغير المناخ أدى إلى تشكيل مجموعة من الأودية المنحوتة في الصخور التي تتشكل وتكون اشبه بأنهار جارية تكون مصباتها في البحر الميت وجزء منها قريبة على حدود مدينة أريحا التاريخية".

وأضاف: "يوجد بها الكثير من الأدوية وشلالات الماء والجداول التي تشكل النظام البيئي وتكون ظاهرة في الشتاء وتكون تجمعات في أعالي الجبال وهي نوع للتغذية الجوفية للخزان الجوفي الشرقي وتستمر في تدفقها تجاه البحر الميت لترفده في المياه".