تقارير

جبل الجرمق أعلى قمم فلسطين.. كيف استخدمه الاحتلال في حربه على غزة؟

يذكر جبل الجرمق في الأخبار منذ حرب غزة بحكم أن الاحتلال أنشأ قاعدة للاتصالات والمراقبة تابعة لسلاح الجو
يعرف باسمين، أحدهما عربي، وهو جبل الجرمق؛ وآخر عبري، وهو جبل ميرون.

جبل الجرمق من مرتفعات الجليل التي تتصل بجبل عامل، وتتشابه معه في الصفات الطبيعية، وهذه المرتفعات تمتد لما يقارب الخمسين كيلومترا من أطراف سهول عكا غربا إلى بداية طبريا شرقا، وتمتد لمسافة مقاربة من الشمال حيث حدود لبنان، إلى سهل مرج ابن عامر جنوبا.

يقع جبل الجرمق، في منطقة الجليل الأعلى في فلسطين. يبلغ ارتفاعه 1204 أمتار فوق مستوى سطح البحر، ويعد أعلى قمة في فلسطين داخل الخط الأخضر، على الرغم من أن العديد من القمم في مرتفعات الجولان وجبل الشيخ المحتلة أعلى من ذلك. ويتمتع بمناظر أخاذة وهواء عليل، وإطلالة ساحرة.

يعود الإسم السرياني للجبل إلى "الجرامقة"، وكان "الجرامقة" من المسيحيين السريان، ويعتقد أن تسميتهم تعود إلى منطقة "بيث جرمايي" أو "باجرمي" أي "بيت العظام" في السريانية.

وتكلم المؤرخون عن "الجرامقة" عن كونهم قوما سكنوا في الموصل وأطرافها. واختلف في أصلهم فمنهم من نسبهم إلى الفرس، أما المسعودي في كتابه "التنبيه والأشراف" فقد نسبهم إلى "الكلدان" الذين حكموا بابل والمنطقة في القرن السابع والسادس قبل الميلاد.

وذكرت مراجع عدة سبب تسمية جبل الجرمق بهذا الاسم، فنجد ثلاث روايات مختلفة عن بعضها البعض.. إذ تقول الأولى، إنه سمي كذلك نسبة إلى وجود الشجر الذي يعرف باسم شجر الجرمق والذي يتواجد بكثرة في هذا الجبل. أما الرواية الثانية، فتقول إن تسمية الجرمق تعني المكان ذا الارتفاع. وأما الرواية الثّالثة، فتنسب التسمية إلى القبيلة العربية الشهيرة بالجرامقة، والتي رحلت منذ العصور القديمة من اليمن، واستوطنت في القسم الشمالي من فلسطين وأيضا في جنوب لبنان، وقد خلدت هذه القبيلة اسمها في هذا الجبل.

تكسوه الثلوج أحيانا، ويبلغ متوسط الأمطار فيه حوالي 1000 ملم، ومن الأمطار التي تسقط على الجرمق وتتجمع تتفرع عدة أودية مخصبة لجهة الشمال الغربي والشمال الشرقي والشرق.


                                               الثلوج تغطي جبل الجرمق.

يقصد العديد من اليهود هذا الجبل، وخاصة في يوم يعرف عندهم بـ (لگ بعمر)، فيخيمون في سفوح الجبل كنوع من طقوس الحجيج بالنسبة لهم، ويعود ذلك لكون قبر الحاخام اليهودي "شيمون بار يوخاي" يقع في هذا الجبل.

رغم أن مؤرخين يؤكدن بأنهم لم يسكنوا جبل الجرمق ولم يرتبطوا به لا في حياتهم ولا في مماتهم، ويؤكدون أن الادعاء بوجودهم التاريخي ووجود قبورهم ومقاماتهم مرتبط كله بقرية ميرون التي تبعد حوالي 6 كيلومترات إلى الشرق من جبل الجرمق، في منتصف المسافة تقريبا بين صفد وسعسع.

ومع أن عددا كبيرا من القرى العربية الفلسطينية منتشر على الجبال والهضاب المحيطة بجبل الجرمق، مثل الجش وحرفيش وبيت جن والبقيعة وكفر سميع وترشيحا، وكذلك عدد كبير من القرى الفلسطينية المهجرة مثل ميرون وسعسع وعين الزيتون والمنصورة والصفصاف وسحماتا ودير القاسي، إلا أن جبل الجرمق نفسه لم يشهد سوى محاولات متقطعة فاشلة للاستيطان البشري، وكانت كل هذه المحاولات تتمركز في بقعة صغيرة تقع تحت قمة الجبل بحوالي 100 متر من الجهة الجنوبية الغربية، وهي البقعة التي يدعوها المؤرخ الفلسطيني مصطفى مراد الدباغ في مؤلفه الشهير "بلادنا فلسطين" باسم "خربة الجرمق".


                                           قرية الجِش على سفوح جبل الجرمق

وقفز اسم الجبل إلى وسائل الإعلام في ليلة 30 نيسان/ أبريل عام 2021، حين احتشد نحو 25 ألفا من اليهود الحريديم في مبنى قديم على سفح جبل "هار ميرون" (جبل ميرون)، للاحتفال بما يسمونه "عيد الشعلة" اليهودي، وكان هذا المبنى القديم لا يتسع أساسا إلا لثلاثة آلاف شخص، فأدى الضغط البشري الهائل إلى انهيار المدرج داخل المبنى، فتدافعت الحشود للهرب من المبنى عبر ممر ضيق، الأمر الذي أدى إلى مقتل 45 شخصاً وجرح المئات.

على الفور بدأت وسائل الإعلام بتناقل أنباء "الكارثة في هار ميرون"، وسرعان ما اكتشفت وسائل الإعلام العربية أن "هار ميرون" هو نفسه الجبل الذي يعرف بالعربية جبل الجرمق في شمال فلسطين المحتلة، وتصدر  الجرمق الأخبار في الإعلام العربي والعالمية لأيام عدة.

بالطبع وجدت اللجنة المعنية بالتحقيق في "الكارثة" المعروفة في دولة الاحتلال بـ"كارثة جبل ميرون" وبعد ثلاث سنوات، أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين مسؤولون شخصيا عن وفاة 45 شخصا.

وألقت اللجنة المسؤولية على عاتق وزير الأمن العام آنذاك أمير أوحانا، وهو نائب عن حزب الليكود يشغل حاليا منصب رئيس البرلمان، وأوصت بعدم شغله هذا المنصب الوزاري في المستقبل.

ورغم أن اللجنة وجدت أن نتنياهو مسؤول شخصيا، إلا أنها قررت عدم فرض عقوبات عليه بسبب "الخصائص الفريدة" لدور رئيس الوزراء المنتخب.

ووجهت التوصية الأشد قسوة ضد مفوض الشرطة الإسرائيلية يعقوب شبتاي، الذي لا يزال يشغل منصب رئيس جهاز إنفاذ القانون، لإقالته من منصبه بسبب مسؤوليته عن الحادث.

وكان من المقرر أن ينهي شبتاي فترة ولايته بداية هذا العام، لكن تم الإبقاء عليه بسبب الحرب في غزة، ولهذا ذكرت اللجنة أنه بسبب الظروف الخاصة فستترك للحكومة تحديد الموعد الصحيح لإقالته.

ويذكر جبل الجرمق في الأخبار منذ حرب غزة بحكم أن الاحتلال أنشأ قاعدة للاتصالات والمراقبة تابعة لسلاح الجو، وهي قاعدة عسكرية مغلقة، تتعرض لقصف وصواريخ تطلقها المقاومة وحزب الله من لبنان.

المصادر

ـ غادة الحلايقة، "أين يقع جبل الجرمق؟"، موقع موضوع، 16/10/2015.
ـ وليد الخالدي، كي لا ننسى، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
ـ مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، بيروت، دار الطليعة، 1965.
ـ مصلح كناعنة، "جبل الجرمق..تاريخه وأهميته وأسباب تسميته بهذا الاسم"، الميادين، 21/11/2022.
ـ  "لجنة إسرائيلية تحمل نتنياهو المسؤولية الشخصية عن حادث جبل الجرمق"، شبكة "أر تي" الروسية، 6/3/2024.