أفكَار

سلفيون يتهمون الألباني بالإرجاء وآخرون يدافعون.. أين الحقيقة؟

باحثون في الفكر الديني يناقشون أطروحات الشيخ ناصر الدين الألباني- (عربي21)

يُتهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، عالم الحديث المعروف، وصاحب التآليف المشهورة في تحقيق السنة النبوية، من قبل سلفيين بالإرجاء، وهي صفة ذم وتجريح، في الوقت الذي يدافع عنه سلفيون آخرون، مؤكدين براءته تماما من تهمة الإرجاء، بوصفه إماما من أئمة أهل السنة المعاصرين في صحة الاعتقاد وسلامته. 

وتعرف المرجئة بأنها فرقة منحرفة قديمة ظهرت في بواكير الإسلام، من عقائدها أن "الإيمان قول بلا عمل، والعمل خارج من مسمى الإيمان، وهو عندهم ليس جزءا منه، وأن تركه بالكلية لا ينفي الإيمان بالكلية، والأعمال عندهم من فرائض الإيمان وشرائعه وثمراته، وليس من حقيقته في شيء، والمرجئة طوائف ومذاهب مختلفة..".   

وكان الدكتور سفر الحوالي، عالم الدين السعودي المتخصص في العقيدة الإسلامية، قد صرح بنسبة الإرجاء للشيخ الألباني في كتابه (ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي)، والتي ترجع إلى كون الألباني يرى أن العمل شرط كمال في الإيمان، وليس شرط صحة، وأن الكفر لا يقع إلا بالاعتقاد، لا بمجرد العمل، وهو بهذا يوافق المرجئة في بعض مقولاتهم، بحسب الحوالي. 

وقد تنبه الشيخ الألباني لذلك في حياته، فعلق على كلام الحوالي في إجابته عن رأيه في كتابه (ظاهرة الإرجاء) بقوله: "وقد بدا لي من مطالعتي للكتاب المذكور أنه ذو فائدة كبيرة جدا في الرد على علماء الكلام الذين يخالفون أهل الحديث في قولهم (الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال الصالحة من الإيمان)، مع غلو ظاهر في عبارته؛ حتى ليخال إليَّ أنه يميل إلى مذهب الخوارج، مع أنه يرد عليهم". 

وتابع: "وغمزني بالإرجاء أكثر من مرة، تارة تصريحا وأخرى تلويحا، مع إظهاره الاحترام والتبجيل ـ خلافا لبعض الغلاة ولا أقول: الأتباع ـ، وهو يعلم أنني أنصر مذهب الحديث، متعذرا بأنني لا أكفر تارك الصلاة كسلا؛ ما لم يدل على أن تركه عن عقيدة وجحود، كالذي يقال له (إن لم تصل وإلا قتلناك)، فيأبى فيقتل، فهذا كافر مرتد ـ كما نقلته في رسالتي (حكم تارك الصلاة) عن ابن القيم وشيخه ابن تيمية ـ وعلى مثله حمل ابن تيمية الآثار التي استفاضت عن الصحابة في كفر تارك الصلاة..". 

وفي هذا الإطار أوضح الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، خالد القاضي أن "الدكتور الحوالي انتقد منهج الشيخ الألباني العلمي في تقرير مسائل الاعتقاد، وخاصة في مسائل الإرجاء بما يوافق المرجئة في كتابه (ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي)، كما انتقد أثر منهج الألباني على الحركة الإسلامية في فصل كامل في كتابه (الإسلام والحضارة الغربية)". 

 

                        خالد القاضي.. باحث في الفكر الإسلامي

وأضاف: "فعلى سبيل المثال قال في ظاهرة الإرجاء (ص: 350) "والمؤسف للغاية أن بعض علماء الحديث المعاصرين الملتزمين بمنهج السلف الصالح قد تبعوا هؤلاء المرجئة في القول بأن الأعمال شرط كمال فقط، ونسبوا ذلك إلى أهل السنة والجماعة، كما فعل أولئك الذين ذكرنا بعضهم أعلاه، ولا أدري كيف يوافقون هؤلاء في هذه المسألة العظيمة من مسائل العقيدة التي جاء بيانها في الكتاب والسنة وإجماع السلف..". 

وأجمل القاضي في حديثه لـ"عربي21" انتقاد الحوالي للألباني في عدة نقاط، منها: "قوله إن الأعمال كلها شرط كمال، وإن تارك جنس العمل لا يكفر، موافقة للمرجئة، ومخالفة لأهل السنة، وثانيها: قوله بأن كل الكفر العملي لا يخرج من الملة، وثالثها: قوله بأن من كفر تارك الصلاة هو من الخوارج.. مخالفا بذلك أهل السنة". 

وعن انعكاس الخلاف في تلك المسألة على التيارات السلفية المختلفة، رأى القاضي أنه "زاد التيار السلفي انقساما في عدة مسائل، منها: تقرير مسائل الإيمان والكفر والأسماء والأحكام، وتبادل الاتهامات، فطرف يتهم طرف بأنه مرجئ، وطرف يرد بأن المتهمين خوارج وحزبية وإخونجية وحركية، وغلو طرف في اتباع الألباني (الألبانية الجدد)، وغلو طرف في اتهام الألباني وإسقاطه بالكلية في العقيدة، وعلم الحديث (غلاة السلفية)".

وأردف: "وكذلك احتدام المعركة الفكرية بين تلامذة الألباني وعلى رأسهم علي الحلبي، والعنبري والزهراني، واللجنة الدائمة في السعودية التي حذرت من إرجائهم وتحريفاتهم، فشقت عصا السلفية بين علماء نجد ومدرسة الألباني، وظهور مدرسة سلفية أصولية وسطية تنتقد الأقوال والتقريرات دول الإشارة لقائليها، وعلى رأسها الشيخ محمد الخضير، وكتابه الفريد (الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين).

من جهته قال الأكاديمي الأردني، المتخصص في العقيدة الإسلامية، الدكتور محمد أبو ارحيم: "يُعدّ الدكتور سفر الحوالي من أوائل العلماء الذين تنبهوا إلى عقيدة الإرجاء عند الشيخ الألباني، مع أن الشيخ لم يخفِ شيئا من عقيدته في المسألة ذاتها؛ تعريفا للإيمان وثمراته المتعلقة بأفعال العباد وأقوالهم".

وواصل: "لم تكن عقيدة الشيخ هذه وليدة هجرته إلى الأردن، وثمنا لإقامته فيها، بل كانت هي عقيدته في سوريا، وازدادت حدتها في الأردن على أيدي أتباع ربيع المدخلي مستغلين اجتهاد الشيخ ـ رحمه الله ـ في المسألة ذاتها، وجاء ذلك منهم ضربا للعقيدة الصافية الموروثة عن سلف الأمة إنفاذا لخطط أعداء الإسلام من الداخل والخارج في التهوين من شأن أركان الإسلام، والولاء والبراء، وطمسا لجهاد الدفع..، وتخطيطا وتهيئة لقبول الدين الإبراهيمي الذي كثر أتباعه ودعاته هذه الأيام".

 

                    محمد أبو رحيم.. أكاديمي أردني متخصص في العقيدة

ولفت أبو ارحيم في تصريحاته لـ"عربي21" إلى أن "تنبيهات الدكتور سفر الحوالي لم تكن مجردة عن متابعة الشيخ، بل أحكم ـ حفظه الله ـ ذلك بتعقبه كتابات الشيخ ومقالاته، وبخاصة كتاب (حكم تارك الصلاة)، رصد الدكتور ذلك بالأدلة الدامغة، وما علينا من تشكيك أدعياء التلمذة وتشويشهم المفتعل وزرا وبهتانا". 

وعن رأيه فيما قاله الحوالي وانتقد به الألباني، أكدّ أبو ارحيم أنه استوثق من ذلك بنفسه، فكان رده على كتاب علي الحلبي (التحذير من فتنة التكفير)، وهو "ثمرة من ثمرات تعريف الإيمان عند الشيخ الألباني، والذي بارك فيه، ودعا لكاتبه وجامعه كما زعم المدّعي". 

وتابع: "أقر علي الحلبي في الكتاب نفسه بتأييد الشيخ له مما جعلني أتصدر مناقشة الشيخ نفسه في الكتاب، ومناظرة الحلبي في منزل الشيخ محمد إبراهيم شقرة وبتحكيمه وكان ذلك سببا في مخاطبتي اللجنة الدائمة للبحوث في السعودية بقراءة ما كتبه الحلبي في كتاب التحذير، وإصدار فتوى تناسب محتواه الإرجائي، وقد كان، وقد جاءت فتوى اللجنة الدائمة متضمنة الرد على منهج الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في المسألة".
 
وأردف: "استكمالا للمسالة ألّفت في حياة الشيخ الألباني ـ ردا وتوضحيا لمنهجه الإرجائي ـ كتابين: الأول (تحذير الأمة من تعليقات حلبي على أقوال الأئمة)، والثاني: (حقيقة الخلاف بين السلفية الشرعية وأدعيائها في مسألة الإيمان)، وألفت من بعد وفاته كتابين: (حقيقة الإيمان عند الشيخ الألباني دراسة نصية تأصيلية)، و (التعقبات الجلية في الترددات الألبانية في حكم تارك الصلاة). 

وعن موقف الشيخ الألباني من كتابيه الأوليين؛ ذكر أبو ارحيم أنه لم يقرأ له ردا علميا مكتوبا بخط يده، "بل أرسل إلي زوج ابنته نظام سكجها لمقابلته أكثر من ثلاث مرات ـ بعد مناظرتي حلبي فرفضت مبينا لزوج ابنته أن الأمر فصل في المناظرة وبان، فإن كان للشيخ رد فدونه الكتابة، وعن موقف أدعياء التلمذة للشيخ الألباني فحبلهم ممتد للثبات على المنهج الذي أسسه ربيع المدخلي.. لتمزيق الدعوة السلفية النقية الصافية والواقع يشهد بذلك" وفق قوله. 

بدوره اعتبر الداعية والباحث الأردني، الدكتور سمير مراد من يطلق على الشيخ الألباني بأنه مرجئ في العقيدة بأنه "إما أنه لا يعرف حقيقة الإرجاء، أو أنه لا يعرف حقيقة عقيدة الشيخ ـ رحمه الله ـ، ولا بد أن نبين أولا قضية مهمة جدا، وهي ما هو الإرجاء؟ فالإرجاء الذي هو إرجاء الفقهاء قائم على أصول". 

وتابع: "وهي أولا أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان والعمل سواء كان عمل قلب أو عمل جوارح عندهم ليس من الإيمان يترتب على هذا أصلهم الثاني أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ثم يترتب عليه أن الإيمان عند الفاجر كالإيمان عند البر، لا يختلف وإنما التفاوت بالتقوى والعمل الصالح، والثالثة أنهم لا يجيزون قول إن شاء الله أنا مؤمن، لأن قول إن شاء الله شك في التوحيد والشك في التوحيد عندهم كفر". 

 

                           سمير مراد.. داعية وباحث أردني

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وفارقهم في ذلك الخوارج والمعتزلة، وافقوهم من حيث أن الإيمان كل لا يتجرأ لكن فارقوهم في أن الإيمان عندهم كل الأعمال الظاهرة والباطنة، ولذا قالوا بتكفير مرتكب الكبيرة، وهذه المسألة كلها تسمى مسألة حد الإيمان أو مسمى الإيمان". 

ولفت مراد إلى مسالة تتعلق بتعريف الإيمان، "فهل يعرف بدلالة اللزوم أم يعرف بدلالة التضمن؟ فهما قولان لأهل العلم، والأكثر على تعريفه بدلالة اللزوم، والمرجئة على تعريفه بدلالة التضمن، والخلاف هنا لفظي لاتفاقهم على تحقق الوعيد إلا أن يعفو الله تعالى، ولما كان مذهب أهل السنة أن الإيمان يتبعض ويزيد وينقص، وأنه ناقص وكامل وأكمل، ويجوز الاستثناء فيه، وأن له أصلا وفرعا، وأن أصله قول القلب وعمله، وقول اللسان وفرعه أعمال الجوارح، وهذه الفروع إما أن تكون واجبة، أو أن تكون مستحبة، وهم لا يقولون فرع كمال أو فرع صحة، وإنما يقولون فرع واجب أو فرع مستحب".
 
وأضاف: "ونحن إذا استقرأنا عقيدة الشيخ الألباني في كتبه وجدناها لا تخرج عن هذا القول، ألا وهو أن الإيمان له أصل وفرع، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأهله فيه ليسوا متساوين، ويجوز فيه الاستثناء". 

وعن الفرق بين أهل السنة والمرجئة من قضية الوعيد، بيَّن مراد أن "أهل السنة لا يفارقون المرجئة في قضية الوعيد فيرون جميعا أن أهل المعاصي يستحقون العذاب، ومن هنا كان الخلاف بين أهل السنة ومرجئة الفقهاء لفظيا، لأنهم رتبوا العذاب على المعصية، أعني المرجئة كأهل السنة". 

وخلص إلى القول: "وإذ ذلك كذلك فإن الشيخ الألباني رحمه الله بريء كل البراءة من موضوع الإرجاء، وأما ما ينقل عنه مما قد يخالف ذلك، فإنه مأخوذ من نقاشات ومحاورات لا من تأصيل علمي، أي أن النقاشات تكون في تنزيل الحكم على المعين، فلا يصلح أخذ عقيدة الرجل منها" على حد تعبيره. 

وفي السياق ذاته علق الباحث في الحديث النبوي وعلومه، سعد الشيخ على اختلاف التيارات السلفية في تقييم مقالة الشيخ الألباني في الإيمان بالقول: "اختلفت التيارات السلفية في ذلك، وكثر الجدال والردود بينهم حتى هذه اللحظة، وإلى أن يشاء الله، وانقسموا حيال ذلك إلى اتجاهين: الأول: يتبنى تصويب اعتقاد الألباني في قضايا الإيمان والكفر، وينسب مقالته إلى عقائد السلف". 

 

                        سعد الشيخ.. باحث في مجال الحديث النبوي

وأضاف لـ"عربي21": "ويمثل هذا الاتجاه: التيار الجامي أو المدخلي، وبعض رموز المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية كالشيخين: عبد العزيز بن باز، ومحمد بن صالح العثيمين، اللذين قدما لكتابه (التحذير من التكفير)، وهو يمثل خلاصة فكر الألباني في قضايا التكفير وأحكامه ومناطاته، بل صرَّح الشيخ ابن عثيمين بأن من يتهم الألباني بالإرجاء فلا يعرف الإرجاء، أو لا يعرف الألباني". 


أما الاتجاه الثاني، فتابع الباحث الشيخ: "وهو الذي أسَّس القول بانحراف الألباني عن عقائد السلف واعتناق مقالة الجهمية والمرجئة في الإيمان، ويمثل هذا الاتجاه: التيار السروري الصحوي، وتبعه الجهادي، ونصر هذا القول أيضا: بعض رموز المؤسسة الدينية الرسمية في الممكلة العربية السعودية، وهو الشيخ صالح الفوزان". 

وعن الأسس التي بنى عليها الحوالي نسبة الشيخ الألباني للإرجاء بيَّن الشيخ أنه بناها على عدة عناصر أساسية: منها: نعريفه للإيمان بأنه قول واعتقاد، والعمل شرط كمال، وحصر الإيمان بتصديق القلب، وبنى الألباني على ذلك: 

أ ـ حصر الكفر المخرج من الملة بالكفر القلبي، ومن ذلك: الامتناع عن تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله حتى يثبت عدم إيمانه بالشريعة.

ب ـ القول بإيمان تارك جنس العمل، ومن ذلك: "عدم تكفير تارك الصلاة وأركان الإسلام وأعمال الجوارح". 

ت ـ الكفر عنده قصد الكفر وليس قصد الفعل، ومن ذلك: "عدم تكفير ساب الله والرسول، وهذه الآثار المترتبة على تعريفه للإيمان هي مقالات المرجئة في الإيمان الذين ربطوا الكفر بالتصديق دون القول والعمل، هذه أهم الأسس التي بنى عليها الحوالي تثبيت تهمة الإرجاء على الألباني".  

وأشار في ختام حديثه إلى أن رسالة الدكتور سفر الحوالي (ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي) "مثّلت أوسع دراسة سلفية/ صحوية لنقد فكرة الإرجاء وآثارها السيئة على الأمة، وخصص جزءً كبيرا منها لمناقشة الألباني، لحضوره الكبير والمؤثر في الوسط السلفي، وقد انتهى الشيخ صالح الفوزان مؤخرا إلى تحميل الألباني سبب نشر عقيدة الإرجاء بين السلفيين، وغلّط الشيخ ابن عثيمين في مقولته السابقة".