فنون منوعة

"فاتن أمل حربي" يثير جدلا بمصر واتهامات بالإساءة للدين

المسلسل يتناول قصة مطلقة تتمسك بحضانة أطفالها رغم زواجها برجل آخر- تويتر
في الوقت الذي يطغى فيه الجدل الذي صنعه مسلسل "الاختيار3" على الشارع المصري، هناك جدل من نوع آخر صنعه الكاتب المثير بآرائه الصادمة إبراهيم عيسى، عبر مسلسله الأول الذي يقدمه خلال الموسم الدرامي الرمضاني 2022، "فاتن أمل حربي".

ورغم أن القصة اجتماعية لزوجة مطلقة تفقد حضانة أبنائها بعد زواجها الثاني، وتحاول استعادتها عبر القانون في قضية من بين آلاف القضايا بين النساء والرجال بالمجتمع المصري؛ إلا أن الكاتب أقحم الدين والفقه والتشريع الإسلامي في القضية.

وحاول عيسى عبر عدة مشاهد "التشكيك" في الأحاديث النبوية، داعيا للاعتماد على الآيات القرآنية فقط، عارضا المشايخ الحاليين في صورة ضعيفة ومهزوزة وغير واثقة، وصورهم بأنهم ينقلون دون فهم آراء الفقهاء، وهو ما استدعى رد العديد من الدعاة عليه.

"تشويه متعمد"

ويعرض المسلسل قضية الولاية التعليمية للأطفال حال طلاق الأبوين، وإسقاط حضانة الأم للأبناء حال زواجها من آخر، وهي الحالة التي يقننها قانون الأحوال الشخصية المصري، إلا أن تناول عيسى للقضية له أبعاد أخرى.

المشهد الأكثر إثارة للجدل في "فاتن أمل حربي" هو عندما توجهت فاتن المطلقة، التي تقوم بدورها الممثلة الشهيرة نيلي كريم، إلى دار الإفتاء المصرية لتحصل على فتوى حول فقدان المطلقة لحضانة أبنائها بمجرد زواجها.

وهنا يرسم عيسى صورة "مهزوزة وضعيفة" للشيخ الشاب يحيى ممثل الهيئة الدينية هنا، الذي يجيب فاتن بأن الفقه يقر ذلك، في إجابة مبهمة، دون أن يقدم لها رأيا فقهيا أو حديثا نبويا أو آية قرآنية، وهو ما قصده عيسى، ليأتي السؤال الثاني من فاتن، التي بدت يائسة، وهزمها الفقه الإسلامي، ولم ينتصر لها، فتسأل الشيخ، "هل ربنا قال كده (هذا) بنفسه؟.. أتحداك أن ربنا قال ذلك، الأمر لا يحتاج إلى دراسة، إن الله عادل ورحيم، ولا يمكن أن يحرم أمّا من أبنائها".



وفي المشهد الثاني، يُخبر الشيخ الشاب يحيى فاتن أنه بحث طويلا، وأن الله لم يقل ذلك، وأن الفقهاء هم من قالوا بذلك، فتطلق بطلة المسلسل زغرودة الانتصار.

لينتقل المشهد إلى شيخ آخر أكبر سنا وعلما وملتح، والذي يظهره عيسى بصورة الفظ الغليظ الذي يرفض النقاش معها، ويؤكد فقط أن هذا هو الفقه والشرع، ويطرد السيدة المكلومة بعدما قطع عنها أي أمل.

 

وفي حلقة أخرى، أثار عيسى جدلا آخر، وفكرة رفضها طويلا المجتمع المصري والشرع الإسلامي، وهي عن تغيير نسب الأبناء ليكتبوا بأسماء أمهاتهم، وهو ما قدمه عيسى في دور الطفلة نادين ابنة فاتن، التي استبدلت اسم والدها على ورقة امتحانها ليصبح نادين فاتن أمل حربي، ما اعتبره البعض تشويها للأب، وتقويضا لقيم الأسرة.

"انقسام مجتمعي"

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاقت أفكار عيسى خلال المسلسل، إشادة من مؤيديه، بينهم الكاتب سامح عسكر، الذي وصف عيسى بأنه "الرقم الصعب والعنصر المؤثر في مسيرة التنوير العربية الإسلامية"، على حد وصفه.

 

 


وعلى الجانب الآخر، انتقد نشطاء ومدافعون عن الدين الإسلامي ما اعتبروه "سموم إبراهيم عيسى التي ينفخها في كل كتاباته"، مؤكدين أن ما يعرضه يدفع للقول إن "بينه وبين الإسلام ثأر قديم".

ورأى البعض أن ما يقدمه مدفوع به من النظام الحاكم؛ بهدف "إثارة البلبلة" و"تمهيد الرأي العام لتغيير قوانين الأحوال الشخصية بالمخالفة للشريعة الإسلامية، والتي لم يوافق على تغييرها شيخ الأزهر من قبل".

وعبر موقع "تويتر"، انتقد الداعية الأزهري عبدالله رشدي إشارات إبراهيم عيسى ولمزه للدين الإسلامي وللسنة النبوية ولعلماء الفقه والشريعة الإسلامية، وأكد أن هدف الكاتب هو حصر الدين الإسلامي في القرآن الكريم فقط، بعيدا عن الأحاديث النبوية وتفسير النبي والصحابة للقرآن.

وانتقد جملة كتبها عيسى، وسألتها بطلة المسلسل للشيخ في دار الإفتاء: "هل ربنا قال إن الست المطلقة تسقط حضانتها لو تزوجت؟"، ليوضح رشدي أن "السؤال الصحيح كان يجب أن يكون: هل في دين الله أو في شرع الله؟ بما يشمل القرآن والسنة والفقه".


وفي رؤية نقدية من الكاتب والسيناريست أمير طعيمة، أكد أنه كان يجب الاستعانة بالأزهر الشريف لمراجعة هذا العمل كما يتم الاستعانة بالمؤسسة العسكرية وبالمخابرات والقضاء والشرطة في الأعمال الدرامية العسكرية والمخابراتية والقانونية.

وأكد أن ما يعرضه المسلسل من عدم وجود نقطة أو كلمة معينة في القرآن تبسيط وسطحية مبالغ فيها، متسائلا: "الكوكايين والهيرويين والمخدرات عموما غير مذكورة لفظا في القرآن، فهل نبني أحكاما على عدم ذكرها صراحة".

ولفت إلى أن "تصوير المشايخ طول الوقت على أنهم إما جهلاء أو متطرفون، وفي أفضل الأحوال انتهازيون، أمر يجب أن يتوقف".

صفحة "تمرد ضد قانون الأسرة"، انتقدت المسلسل، وقالت إنه "يُصدر الكثير من زيف الحقائق والمعلومات الكاذبة، وإن كان عرضه يحمل صدق بعض الأحداث من جانب معين، إلا أنه عرض وجهة نظر واحدة وعرضها بشكل غير صحيح، فلم يذكر العمل الدرامي مثلا أن قانون الأحوال الشخصية منصف للمرأة في كل شيء".

وطالبت الصفحة بـ"سرعة وقف هذا العمل، الذي أتي داعيا لتمزيق الحياه الأسرية بدلا من لم شملها، وتعديل قانون الأحوال الشخصية بما يتلاءم مع مصلحة الطفل بأن يقضي طفولته بين الأب والأم بشكل متزن".

"السم في العسل"

وفي تعليقها على ما يثيره إبراهيم عيسى خلال مسلسل "فاتن أمل حربي" من أفكار أثارت جدلا وانقساما في المجتمع المصري، قالت الباحثة المصرية في العلوم السياسية الدكتورة فرناز عطية: "أعترض على ما يقدمه بشكل عام من تجرؤ على الإسلام وسخريته من التراث الإسلامي وثوابت الدين ورموزه".

وفي حديثها لـ"عربي21"، أضافت أن "عدم احترامه وتقديره للدين الإسلامي هو ازدراء للأديان، وهناك مقولات كثيرة له أعترض عليها ولا أقبلها نهائيا، وأهمها موقفه من حادثة المعراج، بجانب حديثه عن حرية الرأي وادعائه أن ازدراءه الإسلام والتهكم على رموزه حرية رأي".

وعن المسلسل، ترى الباحثة المصرية أنه "يجسد صورة الظلم والاضطهاد الواقع على المرأة مجتمعيا من الناحية التشريعية، خاصة أن قانون الأحوال الشخصية منمق في ظاهره، ولكن في باطنه العذاب، وبه ثغرات تظهر عند التطبيق تضر بالمرأة وتهدر حقوقها، لذا يجب إعادة النظر فيه، ومراعاة حقوق المرأة".

لكنها أكدت أن عيسى، ورغم أنه "أثار قضية مهمة، لكنه يدس السم في العسل، بما يعرضه في المسلسل، وما قدمه عن شهادة السيدة وشهادة الرجل، كمثال وضعه في إطار مظلومية المرأة، لكن هذا أمر غير مقبول".

وتابعت: "صحيح هناك مظلومية وحقوق مهدرة للمرأة، لكن أن يتهم عيسى الدين، ويعدل عليه، ويعترض على ما جاءت به الشريعة، ويشكك في ثوابت الدين، فهذا غير مقبول، وكلنا يعرف ويوقن أن الشرع شيء والقوانين الوضعية شيء آخر، ولو كان الشرع الإسلامي مطبق من الأساس لم نكن لنصل إلى ما وصلنا إليه".

"تمهيد لأشياء أخرى"

وفي تقديره لخطورة ما يطرحه عيسى عبر المسلسل من أفكار تصل إلى قاعدة المجتمع المصري والعربي، غير برامجه التي لم يكن يشاهدها إلا النخب، قال الكاتب الصحفي محمد فخري: "لا يمكن التحدث عن مسلسل إبراهيم عيسى بشكل منفصل دون وضعه في سياقه العام".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "نحن أمام شخص يقدم نفسه كمثقف مرتزق يعبر عن أفكار وآراء جهات الرعاية والتمويل والدعم المالي، كما يعبر في الوقت ذاته ويمهد لخطوات النظام الحاكم القائم الذي يوفر له الحماية والبقاء والانتشار".

وفيما يخص مسلسل "فاتن أمل حربي"، أكد الكاتب الصحفي، أننا "أمام عمل يُرضي عدة أطراف، ومنها السلطة القائمة التي بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات لتعديل قوانين الأحوال الشخصية".

ولفت إلى أنه "بالتزامن مع مسلسل إبراهيم عيسى، بدأ عدد من أتباع النظام والناشطات والفنانات، منهم هالة صدقي، بالمطالبة بتغيير قانون الأحوال الشخصية؛ حتى لا تتقاطع مرجعيته بأي شكل مع الشريعة الإسلامية، وهو ما يطالب به بفجاجة عيسى على لسان أبطال المسلسل".

وحول مدى تأثير العمل الدرامي على الانقسام المجتمعي، يرى فخري أن "ذلك من أهداف هذا العمل، لكن العزاء يتمثل بأن الدراما لم تعد بنفس درجة التأثير الذي كان بعد أن تم انتهاك وإنهاك تفاصيلها وأحداثها لصالح التوجيه السياسي والاجتماعي والطبقي للجهة الممولة الوحيدة، والتي تتبع النظام".

ويعتقد أن "هذا الأمر أفقدها كثيرا من الثقة والتأثير عند المشاهد، الذي لا يرى نفسه في الأعمال الدعائية التي تقدم" .

وختم بالقول: "أصبحت أعمال إبراهيم عيسى بشكل عام، ومن ضمنها الدراما، محلا لعلامات الاستفهام والريبة، وعدم الثقة لقطاعات شعبية كبيرة، لذا أشك أن يزيد المسلسل من الانقسام الاجتماعي، في رأيي هو بمثابة خطوة ضمن خطوات تمهيدية لتغييرات تشريعية وقانونية تخص الأحوال الشخصية".