كتاب عربي 21

السيسي وقيس سعيّد.. ساعة الذروة

1300x600

النجومية السينمائية والإعلامية من السؤدد المعاصر، بل هو السؤدد كله، ولن تجد صفة واحدة من صفات السؤدد المعروفة عند العرب في سفهاء الأحلام وحدثاء الأنياب، وقد شاعت عدوى خوارزمية "الفرعونية" بين النظم العربية بعد الإطاحة بالرئيس مرسي، وانتقلت إلى تونس، فلم يبق سوى بها رمق من الربيع، فالنهضة لا تزال في مجلس الشعب، وكانت قد عقدت جلسة عبر أجهزة التواصل فسارع الملك المعظم قيس سعيّد إلى حلّه من أجل حماية الوطن من عدوان البرلمان المنتخب.

إنّ نظاما منتخبا بين أنظمة ملكية، وزهرة بين أشواك منظرٌ غير محمود، فلا بد من إسقاط برلمان تونس.

رؤساء الجمهوريات العربية المعاصرون سفهاء أحلام، لكن لا بد أن تكون في الرئيس المنتخب أو المنقلب صفة ما صدّرته في الصدر، وجعلت بعض الشعب يميل إليه طوعًا أو كرهًا، وسنبحث عن العطاء الإلهي بالسراج والفتيلة فنجد الجواب في كحل عين الكاميرا السلطانية الساحرة، والإعلاميين المدربين الذين يخرجون الفيل من القبعة، ويعملون ليل نهار في مديح الرئيس حتى يمكثوا في مناصبهم، ويسترون عوراته ليس بورق التوت وإنما بالرصاص، ويجعلون الحبّة قبّة والقبّة حبّة، فلو سقط لسقطوا، والسيسي ممثل جيد، وصيته دافئ في الشتاء وبارد في الصيف، و"جفنه علم الغزل" وإن ركّت لغته ولحنت وشلبت (نسبة إلى يونس شلبي)، وهذا ما وجده حازم صلاح أبو إسماعيل مبكرًا فحذر من سحر الممثل العاطفي، والتمثيل ليس من طبائع العرب ولا صناعاتهم، بل هي صنعة مكروهة لدى متأخريهم الذين ظهرت لهم الصنعة، وكان اسم الممثل مشخصاتيا في أول أمره تصغيرًا، ولم تكن تقبل له شهادة، ودار الزمان حتى صار البطل الأوحد، وحلّ محل العالم والفقيه والداعية المصمد.

سوّدت السينما ممثلين في منصب الرئاسة في عدة دول مثل أمريكا والفليبين وأوكرانيا، وهذا يعني أن السينما افترست الفنون الأخرى وكان أثرها في مصر أكبر من الدول العربية، فالقاهرة هوليود العرب، ورئيسها الحالي ممثل يلعب دورين، هما الدكتور جيكل والسيد هايد، ويُجمع كثيرون أنه احتال على مرسي بالتمثيل والخداع. 

حاول مبارك دغدغة مشاعر الشعب بخطابه إلى ميدان التحرير ورغبته في الموت تحت تراب مصر، لكنه لم يكن بإتقان عبد الفتاح أوسكار الذي يضحك حتى تبدو نواجذه ولهاته ثم يبكي بدموع سجام، وقد نصحت الإمارات ـ مصنع القادة الجدد ومركز صيانة الرؤساء القدماء وترميم الأنظمة البالية ـ رئيس تونس أستاذ القانون الدستوري بالاستفادة من خبرات السيسي في التمثيل، وهو أيضًا يهوى فنَّ الخطابة منذ أن انطلقت حملته الانتخابية، وكان قد وجد أنَّ الناس تطرب باللغة العربية "الفصحى"، وتتذكر أمجادها، فلبس دور الخليفة العادل، فهو يخطب دومًا وكأنه قس بن ساعدة الأيادي، إنه يخطب حتى في سكرتيرته الخطب البتراء ويهم "بعصبها عصب السَلمة"، ولا نعلم إن كان في المنزل يخطب أيضًا في أهله؟

 

سوّدت السينما ممثلين في منصب الرئاسة في عدة دول مثل أمريكا والفليبين وأوكرانيا، وهذا يعني أن السينما افترست الفنون الأخرى وكان أثرها في مصر أكبر من الدول العربية، فالقاهرة هوليود العرب، ورئيسها الحالي ممثل يلعب دورين، هما الدكتور جيكل والسيد هايد، ويُجمع كثيرون أنه احتال على مرسي بالتمثيل والخداع.

 



الظهور الإعلامي سؤدد، ومن ذلك انشغال العالم بصفعة الممثل الأمريكي ويل سميث أكثر من الجائزة نفسها، ظنًا أنها فحولة، ونخوة دفاعا عن زوجته مهيضة الجناح حليقة الشعر، ثم ما لبث الفارس المغوار أن اعتذر عن الصفعة، فليس بالفارس والحبيب المجهول، وكانت غضبته تشبه غضبة الحكومة البريطانية من وزير الصحة الذي ضبط وهو يقبل زميلته في المصعد، فأقالته بسبب عدم وضع الكمامة!
الحكومات الديمقراطية لا تقف في وجه الحب. وبطولات الممثلين فارغة، وهي خدع تصويرية عادة، ويؤدي الحركات الخطرة عنهم رجال مخاطر هم الأبطال الحقيقيون.

انتبه كثير من المراقبين إلى أنَّ رئيس أوكرانيا، الممثل السابق، يقود دولة وحربًا مع دولة عظمى، ويناجزها أفضل من جنرالات مطرزين بالأوسمة تأتمر بأمرهم جيوش، وأنَّ رئيس باكستان الذي جاء من ملاعب الكريكت تحدى أمريكا ويؤذن بزوال عصرها، فقد شبع الإثنان، من اللهو والعبث، ويريدان مجدًا حقيقيًا وبطولة راسخة.

 

أما أسباب تعثر "سؤدد" قيس سعيد، فأولها أنَّ الخوف أسرع آلات السؤدد إجابةً وثمرا، فمن أجل التأسيس للدولة الجديدة لا بد من دماء، لا بد للتأسيس الجديد من مذبحة مثل مذبحة رابعة، تكون درسًا للشعب يرعوي منها ويتعظ.

 



قال الأحنف: السّؤدد مع السواد، يريد أنه يكون سيدًا من أتته السيادة في حداثته، وسواد رأسه ولحيته، وكلاهما السيسي وسعيد عجوزان، وقد يذهب بمعناه إلى سواد الناس وعامّتهم، يراد أن السّؤدد يكون بتسويد العامّة، وهما بخيلان، ومتهمان بتجويع الشعبين المصري والتونسي، ولا سواد مع البخل والمشاكل الاقتصادية المتراكمة.

لن يجد المرء خصيصة من خصائص السؤدد فيهما، ومن تمام السؤدد حفظ الودائع، واستتمام الصنائع. والحال إن تمام السؤدد في زمننا هو خيانة العهود، والحنث باليمين.

قالت العرب أربع يسوّدن العبد: الأدب، والصّدق، والعفّة، والأمانة. وهي معدومة في رؤساء الجمهوريات العربية وأكثر ملوكهم، الصفة اللازمة هي الغباء، وقديمًا قالت العرب:

ليس الغبيّ بسيد في قومه ... لكنّ سيّد قومه المتغابي

وقالوا: لا سؤدد مع انتقام، وهم ينتقمون حتى من الأيامى والأبكار، ونذكر انتقام الرئيس المصري من صاحبات البالونات، وانتقام ولي العهد السعودي من صحفي في جريمة صارت فضيحة. ولايزال السيسي ينتقم من الشعب المصري بالاعتقال والقرارات وبناء الجسور التي تكتم نفسه، وقد باع ماءها ومرعاها، ويؤدي دور شبيهًا بدور الواد سيد الشغال، بينما يؤدي الرئيس التونسي دور الخليفة عمر بن الخطاب. 

أما أسباب تعثر "سؤدد" قيس سعيد، فأولها أنَّ الخوف أسرع آلات السؤدد إجابةً وثمرا، فمن أجل التأسيس للدولة الجديدة لا بد من دماء، لا بد للتأسيس الجديد من مذبحة مثل مذبحة رابعة، تكون درسًا للشعب يرعوي منها ويتعظ.

وثانيهما أن عصابة السيسي أفضل من عصابة قيس سعيد في فنِّ العرض والإخراج بسبب خبرة مصر في فنِّ السيما.

الثالث أنَّ السيسي في الستين، وهو أشبّ من قيس، وتدرب في مصانع أمريكا على التمثيل والخداع، وهو الناجي الوحيد من طائرة سقطت ومات بها خمسون ضابطًا مصريا.

الرابع أنَّ العسكر أحسنوا استخدام "الدوبليرات" ـ أي الدروع البشريّة ـ وقطع التبديل السياسية أمثال حمدين صباحي والمستشار عدلي منصور وآلات الدين مثل الكنيسة والأزهر والسلفية، وقضوا على كل الأصوات المعارضة، واستخدم المخرج المصري بدعة الانتخاب في الشارع باستمارات تمرد، تأتي المستفتي وهو في بيته، وهي وسيلة أرقُّ من بدعة الاستشارة القانونية عبر البريد الالكتروني، والخامس أنَّ العسكر سلطوا البلطجية على الشعب حتى ضاق الناس، وصار حالهم مثل دجاجة ستالين. والسادس مركزية مصر وطيبة الشعب المصري وبساطته وانخداعه بالصور فمصر بلاد عروض مسرحيّة. من ذلك عرض البرلمانية التونسية عبير موسي مسرحية المرأة الملهوفة التي غُزيت في خدرها، فحضرت في الجلسة التالية بالخوذة وهو عرض مقتبس من عرض البرلماني السلفي ممدوح إسماعيل الذي أذّن في مجس الشعب المصري لصلاة العصر، أيتها العير إنكم لسارقون، وكلا العرضين مقتبسان من مدرسة المشاغبين التي جعلت أكسل الطلبة أصحاب السواد، وملوك البلاد، ورؤوس العباد.