قضايا وآراء

الكيان الصهيوني.. الهزيمة النفسية وحتمية الزوال

1300x600
لم يكن الرفض اليهودي لقيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية بأقل من الرفض العربي، منذ مؤتمر بازل في سويسرا 1897 مرورا بوعد بلفور 1917 حتى يومنا هذا. فقد رفض كثير من المتدينين اليهود فكرة الوطن القومي في فلسطين، وحذروا من خطورة هذه الخطوة، وكان ذلك بسبب مخالفة فكرة إقامة دولة في فلسطين للرؤية الدينية التي تقول بنزول "الماشيح" الذي سيمنحهم أرض فلسطين ليقيموا عليها كيانهم، وأن أية فكرة غير هذه الفكرة مرفوضة لديهم. وحين وجدت فكرة الاستيطان في فلسطين معارضة شديدة، اضطر هرتزل للتصريح بأنه لا يخضع في مشروعه لأي دافع ديني، كما جاء في مذكراته.

ومع مرور الأيام لم يتوقف الانتقاد والتعريض بالكيان، بل توالت ردود الفعل الرافضة لاحتلال فلسطين من عدد كبير من اليهود العلمايين والمتدينين، وعلى رأسهم: نعوم تشومسكي وحنا أرندت ومارتن بوبر وغيرهم كثير. ونذكر هنا ما أبداه "إيدون مونتاجو"، الوزير اليهودي في حكومة بريطانيا إبان صدور وعد بلفور، من معارضته الشديدة للصهيونية ووصفها بأنها توجُّهٌ شرير، وعقيدة سياسية مضلّلة لا يمكن لأي مواطن محب لوطنه الدفاع عنها، وأن عودة اليهود من المنفى يجب أن تتم بإرادة إلهية وليس بإرادة الصهاينة، بل واقترح حرمان كل صهيوني من حق التصويت داخل المملكة المتحدة، وأكَّد أن وعد بلفور يسيء لليهود؛ إذ يحرمهم من حقوقهم بوصفهم مواطنين في البلدان التي ينتمون إليها.. يحدث ذلك في اللحظة التي تآمر بعض العرب فيها مع إنجلترا ووقعوا على صكوك بالموافقة على إقامة كيان يهودي في فلسطين، ولم يزل بعضهم يقوم بدور الحارس الأمين للحدود مع فلسطين ثمنا لبقائه على رأس السلطة في بلاده..
رفض كثير من المتدينين اليهود فكرة الوطن القومي في فلسطين، وحذروا من خطورة هذه الخطوة، وكان ذلك بسبب مخالفة فكرة إقامة دولة في فلسطين للرؤية الدينية التي تقول بنزول "الماشيح" الذي سيمنحهم أرض فلسطين ليقيموا عليها كيانهم، وأن أية فكرة غير هذه الفكرة مرفوضة لديهم

ولم تزل الأصوات اليهودية المحذرة والرافضة أو المرتجفة تزداد يوما بعد يوم، حتى من قلب الكيان الصهيوني ومن كبار ساسته، من أمثال رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو الذي قال: "سأجتهد لتبلغ إسرائيل عيد ميلادها المئة؛ لكن هذا ليس بدهيا، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تعمّر دولة للشعب اليهودي أكثر من ثمانين عاما، وهي دولة الحشمونائيم"..!!

وفي مقالة لرئيس جهاز الشاباك السابق يوفال ديسكين، قال: "لا أدري هل هي نهاية البداية؟ أم بداية النهاية؟ لسنا فقط فاسدين، بل نحن متعفنون".

وقال المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس: "خلال سنوات سينتصر العرب والمسلمون ويكون اليهود أقلية في هذه البقعة من الأرض، إما مطاردة أو مقتولة، وصاحب الحظ من يستطيع الهرب إلى أوروبا أو أمريكا".

ونلاحظ هنا النظرة التشاؤمية والخوف من المستقبل، وهو أمر طبيعي لأن المغتصب لا يمكن أن يحسّ بالطمأنينة مهما حاول أن يقنع نفسه بها، فثمة لحظة حقيقة تظل تطارده حتى يقرّ بها ويعترف بضعف موقفه أمامها.. ويرجع هذا الضعف إلى إحساس اللص بخطيئته، وتوثّبه للاعتراف بها، كلما لاح له شبح الحساب والعقاب، وكلما أحس باقتراب نهايته؛ فيتحسس رقبته، ويحذر رفاقه اللصوص مما ينتظرهم لقاء ما سلبوا وقتلوا وهتكوا.

فالحقيقة أقوى من الافتراء مهما حاول اللصوص تنميق زيفهم وتزيين كذبهم التاريخي، كاختراع إسرائيل القديمة التي كشف زيفها مؤرخون حول العالم، ومن أهمهم - على سبيل المثال لا الحصر - اليهودي الأمريكي "كيث وايتلام"، صاحـب كتاب "اختلاف إسرائيل القديمة" الذي يعدّ وثيقة مهمة في إدانة التلفيق التاريخي اليهودي حول فلسطين، وحق اليهود التاريخي والديني فيها، كما يدعون..
لمزيد من الكشف عن هشاشة الموقف الصهيوني نورد بعض مقولات ليهود وصهاينة آخرين في ذات السياق لنتعرف إلى كم القلق والخوف الذي يسيطر على محتل يعرف أن هذه الأرض ليست له، وأن ثمة شعبا مقاوما عنيدا، يعمل ليل نهار في سبيل تحرير أرضه ومقدساته، مهما كان الثمن غاليا

ولمزيد من الكشف عن هشاشة الموقف الصهيوني نورد بعض مقولات ليهود وصهاينة آخرين في ذات السياق لنتعرف إلى كم القلق والخوف الذي يسيطر على محتل يعرف أن هذه الأرض ليست له، وأن ثمة شعبا مقاوما عنيدا، يعمل ليل نهار في سبيل تحرير أرضه ومقدساته، مهما كان الثمن غاليا، وقد استوت لديه فكرة الموت والحياة، عكس الصهاينة الذين يفجعهم الموت ويدمر نفوسهم، ويخشونه بطريقة لا يمكن وصفها بأقل من خوف القاتل من حبل المشنقة، وهو يعلم أن ذنبه كبير لا يغتفر، وأن حياته انتهت إلى أسوأ ما يمكن أن تكون عليه نهاية مجرم..!!

وهذه بعض التصريحات من قلب الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني، تؤشر على فقدان الشعور بالأمن والطمأنينة والرعب من القادم الحتمي:

- في كتابه "من مذكرات صحافي عبري" الذي صدر نهاية 2014 يقول الصحافي يارون لندن: "إنني أعدّ نفسي لمحادثة مع حفيدي؛ لأقول له بأن نسبة بقائنا في هذه الدولة لا يتعدى 50 في المائة، ولمن يغضبهم قولي هذا، فإنني أقول لهم بأن نسبة 50 في المائة تعدّ نسبة جيدة، لأن الحقيقة أصعب من ذلك".

- ويقول المحلل العسكري في القناة العبرية الثانية روني دانييل: "أنا غير مطمئن أن أولادي سيكون لهم مستقبل في هذه الدولة، ولا أظن أنهم سيبقون في هذه البلاد".

- ويضيف الباحث والمحلل السياسي اليهودي أمنون أبراموفيتش: "إن أخطر ملف تواجهه إسرائيل ليس متعلقا بملفات فساد نتنياهو، وإنما الأخطر منها ملف خراب إسرائيل الثالث".

- إلى ذلك فهذا رئيس جهاز الموساد العاشر مئير داغان يصف توجساته بالخطر على مصير الكيان فيقول: "إنني أشعر بخطر على ضياع الحلم الصهيوني".

إن التصريحات المرتجفة على مستقبل الكيان الصهيوني من قبل اليهود والصهاينة لا تعد ولا تحصى، وما اخترته قليل، وكان يمكن أن يكون أضعاف ما ذكرت لولا أن السياق لا يحتمل المزيد.. إنهم لا يعيشون حياة طبيعية كتلك التي يعيشها البشر في بلدانهم الأصلية، وقد ابتلوا بشعب جبار لا يستسلم ولا يركن إلى الانتظار، ولديه عقيدة راسخة بأن نهاية هذا الكيان قد اقتربت. وتشكل أدبيات حركة حماس جوهر هذه العقيدة، وفلسطين محاطة بالدول العربية التي لن تبقى على ما هي عليه إلى الأبد؛ فاليوم غير أمس وغدا غير اليوم، وكل المؤشرات تشي بالوعد الحق الذي يحمل معه كل عوامل النصر والتمكين..
التصريحات المرتجفة على مستقبل الكيان الصهيوني من قبل اليهود والصهاينة لا تعد ولا تحصى، وما اخترته قليل، وكان يمكن أن يكون أضعاف ما ذكرت لولا أن السياق لا يحتمل المزيد.. إنهم لا يعيشون حياة طبيعية كتلك التي يعيشها البشر في بلدانهم الأصلية

إن هاجس تدمير "إسرائيل" يسيطر على عصابة اللصوص الحاكمة في تل أبيب، وأكثر ما يخيفهم ترسانة الصواريخ التي يحتفظ بها حزب الله، والتي تبلغ نحو 150 ألف صاروخ إن لم يكن أكثر، فهذا مسؤول رفيع في الجيش الإسرائيلي يقول في تصريح لوكالة فرانس برس: "إسرائيل تتوقّع أن تُستهدف بألفي صاروخ في اليوم في حال اندلاع نزاع مع حزب الله"..!!

ويتلخص خوف الكيان الصهيوني من حزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية في إدراكه بأن هذه الحركات ليس من السهل إحداث اختراقات فيها بغية تمييعها أو إضعاف موقفها وهدم روحها المعنوية، وتعرف جيدا منهجيتها الراديكالية وعقيدتها القتالية؛ لذلك فإن الكيان الصهيوني لا يملك إلا أن يفكر في المواجهة القادمة تفكيرا عسكريا محضا مليئا بالخوف والقلق وأسوأ الاحتمالات. فهذه الحركات ليست دولا يسهل التفاوض معها؛ بقدر ما هي مليشيات مدججة بالسلاح ومدعومة بقوة من إيران التي تناصب الكيان الصهيوني عداءً شديدا..

سنوات - ربما تكون قليلة - ويلف الكيان الصهيوني الحبل حول عنقه؛ لتصبح عنجهيته وكبرياؤه الزائفة أثرا بعد عين.. "ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا"..!