قضايا وآراء

دعايات انتخابيّة خياليّة!

1300x600
ظهرت التجربة الديمقراطيّة في العراق بصورة مفاجئة وصادمة، حيث فوجئ العراقيّون بديمقراطيّة سقطت على بلادهم بعد احتلال جعلهم أمام مرحلة جديدة وغريبة، وربّما سقيمة!

واليوم، وبعد أكثر من 18 عاما على "العهد الديمقراطيّ"، هنالك العديد من الأسئلة التي لا يمكن معرفة أجوبتها بشفافيّة وسهولة، ومنها:

- هل نجحت التجربة الديمقراطيّة العراقيّة، وما ثمارها؟

- ولماذا تحاول حكومات العراق المتعاقبة، والدول الداعمة لها، تلميع صورة الديمقراطيّة المشوّهة، والتي تنمو بصعوبة وسط واقع مليء بالرعب والسلاح المنفلت والفساد؟

- وكيف يمكن تفهّم المزج بين التحكم بالمليشيات والقرارات البرلمانيّة، أو بين مفهوم الدولة واللا دولة؟

- ومَنْ يمكنه محاسبة القوى التي آذت الوطن والمواطن منذ العام 2003 وحتّى اللحظة؟

وبعيدا عن أجوبة هذه الأسئلة الجدليّة، فإنّ الانتخابات الميدان العمليّ للديمقراطيّة في عالم السياسة، والمسار الانتخابيّ يفرض على المرشّحين بيان برامجهم الانتخابيّة للجمهور لتفضيل بعضهم على بعض في التصويت، وهذا لا يكون إلا عبر دعايات مباشرة وغير مباشرة، ومن خلال حملة انتخابيّة مدروسة ومنظّمة!

ويفترض في الظروف الطبيعيّة أن تكون الدعايات الانتخابيّة ضمن مسار متّزن وعلميّ وأخلاقيّ، ولهذا حاولت مفوضيّة الانتخابات العراقيّة التذكير بهذه الأخلاقيات، وأصدرت في 10 تمّوز/ يوليو 2021 شروط حملات الانتخابات البرلمانيّة المقرّرة في 10 تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل، وسيتنافس فيها أكثر من 3200 مرشّح للفوز بـ329 مقعدا!

وشدّدت المفوّضيّة على عدم الاعتداء على حملات الآخرين، وأن لا تتضمّن الحملة الانتخابيّة دعوات إلى النعرات الطائفيّة والقوميّة ودعوات لزرع الكراهية، وعدم استخدام دور العبادة ومؤسّسات الدولة والمال العامّ.

وأكدت المفوّضيّة أنّ المخالفين ستُفرض عليهم عقوبات ماليّة بقيمة خمسة ملايين دينار (حوالي 3433 دولارا أمريكيا) فضلاً عن عقوبة الحبس.

وعلى الرغم من هذه التعليمات، لاحظنا الكثير من الدعايات المصوّرة والمسجّلة المليئة بالكراهية والنعرات الطائفيّة والخطابات المسمومة!

وقد تجرأ أحد المرشّحين والنوّاب الحاليّين، وهو زعيم في مليشيا كبيرة، على الطعن برموز الأمّة خلال تجمّع انتخابيّ، وكان الأولى به أن يتحدّث عمّا قدّمه وسيقدّمه للمواطنين وليس الهروب نحو الماضي، ومحاولة اللعب بمشاعر البسطاء لكسب أصواتهم بأساليب غير منطقيّة!

وقد تميزت العديد من الحملات (الدعايات) بوعود غير منطقيّة، رغم أنّ غالبيّة تلك الوعود هي من مهام السلطات التنفيذيّة والقضائيّة، ولا علاقة لها بالسلطات البرلمانيّة!

وقد تنوّعت الوعود الخياليّة والوهميّة لبعض المرشّحين، ومنها:

- أحد المرشّحين وزّع، بالكلام، على كلّ مواطن 70 مليون دينار عراقيّ والسداد بعد خمس سنوات، وبعد الفوز سيلغي تلك الأموال (القروض) بسطرين فقط. ولم يتوقّف عند هذا الحدّ، بل حتّى أحكام التوقيف والإعدام سيلغيها! ولا ندري من أين له هذه السلطة والجرأة لتنفيذها؟

- الوعود بتعيينات في دوائر الدولة، وذلك من باب استغلال الفقراء في المجتمع! وكثرة هذه الوعود دفعت رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، يوم الأربعاء الماضي، للتحذير من أيّ "محاولة لشراء الأصوات عبر تعيينات وهميّة، أو توزيع قطع أراض، وهي وعود كاذبة وعلى المواطنين عدم تصديقها"!

- تنظيم رحلات سياحيّة وعلاجيّة داخليّة وخارجيّة للناخبين، ونصب محوّلات الكهرباء، وتبليط الشوارع وغيرها من المهامّ المتعلّقة بعمل الحكومة!

- مخالفة بعض الدعايات للأعراف المجتمعيّة، ومن ذلك توزيع ملابس غير لائقة، وسندويشات رخيصة جدّا ومعها صورة المرشّح!

هذه الوعود الوهميّة وغيرها تؤكّد أنّ الغاية تبرّر الوسيلة لدى غالبيّة المرشّحين!

إنّ المرشّح الذي يحمل أجندة وهميّة وخياليّة من أخطر أعداء الوطن، وهو مخرّب يزعم البراءة، وسارق يدّعي النزاهة والعفاف!

لقد أثبتت التجارب السابقة أنّ غالبيّة وعود المرشّحين تُمحى مع اللحظات الأولى لإعلان النتائج الانتخابيّة، وأنّ المرشّح قبل النتائج لا يشبه المرشّح (نفسه) بعد الفوز. وهذه معضلة إنسانيّة وثقافيّة وسياسيّة يتوجّب القضاء عليها عبر توعية الناس بخطورة مثل هؤلاء الراكبين على ظهور الوطن والفقراء والمحتاجين!

إنّ المُنادين بالعدالة المجتمعيّة، ومقاطعة الانتخابات والعصيان المدنيّ، وضرورة تصويب حالة العراق المشوّهة؛ يُعانون الأمرّين بسبب الجيوش الإلكترونيّة التي تحاول ترهيبهم وترويعهم، وهذه أساليب بدائية غير مثمرة لأنّ العراقيّين اليوم متفهّمون لحقيقة واقعهم الهزيل!

أصحاب الدعايات الخياليّة حبالهم قصيرة، وسيكتب التاريخ نكثهم بوعودهم السرابيّة والخادعة للمجتمع! ولا ندري، لاحقاً، كيف سيواجهون الناس، وهم عاجزون عن تنفيذ وعودهم الماكِرة!

twitter.com/dr_jasemj67