قضايا وآراء

جمعيات توعية المغتربين

1300x600
الغريب أعمى ولو كان بصيرا، والمغترب تائه حتى في أعظم الدول وأحسن الظروف. يحتاج الغريب والمغترب للأمور المادية قطعا؛ لكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. يحتاج أيضا وبشدة لحواضن اجتماعية وانتماء للبيئة الجديدة، ودوائر مختلفة من العلاقات المهنية والشخصية.

هذه الاحتياجات تقع غالبا في أدنى سلم أولويات المغتربين بسبب الكفاح والسعي الدؤوب وراء لقمة العيش وتدبير أوراق وأمور الإقامات، وقد ينتبه لها البعض في الوقت المناسب، وقد لا ينتبه ويطويها نسيان طاحونة الحياة التي لا ترحم، ليفيق بعد حين على خسائر اجتماعية كبيرة يصعب تداركها لاحقا.
تنتبه كثير من الدول لهذه الاحتياجات مع اللاجئين بشكل خاص لأسباب عديدة؛ منها أن أعدادهم كبيرة وأن أي خلل في طريقة عيشهم سيؤثر قطعا على النسيج الاجتماعي، وبالتالي تسعى لعدة خطوات لمساعدتهم بمجرد دخولهم البلاد على عدة مستويات

تنتبه كثير من الدول لهذه الاحتياجات مع اللاجئين بشكل خاص لأسباب عديدة؛ منها أن أعدادهم كبيرة وأن أي خلل في طريقة عيشهم سيؤثر قطعا على النسيج الاجتماعي، وبالتالي تسعى لعدة خطوات لمساعدتهم بمجرد دخولهم البلاد على عدة مستويات، بخلاف المستوى المادي والمالي، مثل التعريف بثقافة البلاد ومختلف طرق المساعدة التي تقدمها الدولة والمجتمع المدني. الأمر مختلف لدى المغتربين بسبب الدراسة والعمل، والذين زادت أعدادهم خلال الأعوام الماضية بسبب الظروف القاسية التي تمر بها كثير من الدول العربية. 

تلجأ معظم الأسر للمحاضن الدينية التقليدية في بلدان الاغتراب سواء في المراكز الإسلامية أو الكنائس، وكثير منها يحمّل هذه الأماكن أكثر مما تحتمل، فليست كل المراكز الإسلامية والكنائس مؤهلة للقيام بنشاط اجتماعي متنوع على نطاق واسع خاصة في المدن المتوسطة والصغيرة، الأمر الذي يسترعي سد فجوة غياب مؤسسات وجمعيات أهلية تعنى بتوعية المغتربين.

ففي الدول الديمقراطية مثلا هناك حقوق كثيرة للمغترب يستطيع التمتع بها، حتى لو كانت إقامته مؤقته ولو لم يكتسب الجنسية. منها على سبيل المثال حقه في الاتصال بالنائب البرلماني عن دائرته الانتخابية أو عضو المجلس المحلي لتذليل مشكلة يتعرض لها، أو الاتصال بمكاتب خدمة المواطنين، وغيرها الكثير من الخدمات.

أحد مظاهر هذه المشكلة هي عزوف معظم المغتربين عن المشاركة في أي نشاط عام، حتى لو لم يكن ذا صلة بالسياسة، وذلك بسبب غياب التنشئة الديمقراطية التي تطبع معظم الدول العربية وتجعل من أي نشاط عام عرضة للمضايقة والاستهداف، ناهيك عن المساهمة في تأسيس عمل اجتماعي عام. وبذلك تقل أو تنعدم خبرة التعامل مع المجتمع المدني ومؤسساته والمؤسسات الحكومية التي تقدم خدمات أخرى متنوعة؛ بداية من الدعم النفسي وحتى دعم تربية الأطفال، وصولا للدعم الأسري والأنشطة الثقافية والفنية.
عزوف معظم المغتربين عن المشاركة في أي نشاط عام، حتى لو لم يكن ذا صلة بالسياسة، وذلك بسبب غياب التنشئة الديمقراطية التي تطبع معظم الدول العربية وتجعل من أي نشاط عام عرضة للمضايقة والاستهداف، ناهيك عن المساهمة في تأسيس عمل اجتماعي عام. وبذلك تقل أو تنعدم خبرة التعامل مع المجتمع المدني ومؤسساته

الاغتراب في الدول العربية والإسلامية فيه ميزة وجود دوائر اجتماعية واسعة العدد والتأثير؛ تعتمد على قيمة التكافل بمستوياتها المختلفة. وهي ميزة غير مؤطرة في شكل مؤسسات أو جمعيات تنبع من بقايا قيمة العلاقات التراحمية التي لا تزال تصبغ معظم المجتمعات العربية والمسلمة، ولهذا يظن المغترب القادم للدول الغربية أن الأمر نفسه قائم في هذه الدول، وهذا غير صحيح.

فالأمر في الدول الغربية قائم على صيغة العلاقات التعاقدية بتعبير المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري، وهذا يعني أن كل مستويات النشاط الإنساني مؤطرة في شكل مؤسسات وعلاقات تعاقدية، والتعامل معها يكون بحسب طبيعتها لا بحسب طبيعة صاحب الثقافة المختلفة الوافد على هذه البلدان.

المجتمعات الليبرالية الغربية تعترف وتدعم النشاط المؤسسي بكل السبل، وتهمش ولا تعترف بالنشاط الأهلي غير الرسمي، والتعامل مع مثل هذا النشاط يحتاج لمهارات تأسيسية وفهم لطبيعة القوانين والعلاقات المختلفة. وهي أمور ليست صعبة لكنها تحتاج إلى بعض الوقت والجهد، وهو جهد يستحق القيام به، لأن الخسائر الاجتماعية للمغتربين فادحة بسبب عدم الوعي بالفرص المحيطة بهم والتفاعل الإيجابي مع المجتمع الذي يعيشون فيه.

twitter.com/hanybeshr