قضايا وآراء

مقاربات السودان وتونس: ماذا "لو" فعلها البرهان؟

1300x600
(1)
ما هي ردة فعل موقف القوى اليسارية وبعض النشطاء والحالمين، إذا استند الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الإنتقالي والقائد العام لقوات الشعب المسلحة، على ذات منطق الرئيس التونسي قيس سعيد، وحل الحكومة وتولى زمام الأمر بنفسه؟.. لا يوجد برلمان ولا محكمة دستورية، والحاضنة السياسية في حالة غيبوبة، والوثيقة الدستورية محل تغيير وتبديل وتأويل من أول يوم لتوقيعها..

والحال في السودان أكثر بؤساً وأشد قتامة، وقد وصفه السيد رئيس الوزراء في مبادرته (حزيران/ يونيو ٢٠٢١م) بأن "نكون أو لا نكون"..

وتونس، ومع أزمتها الاقتصادية، وتداعيات كورونا، فإنها لا تعاني تصدعات داخلية ومواجهات بين مجموعات مختلفة، ومؤسساتها السياسية قائمة رئيس منتخب وبرلمان منتخب ورئيس وزراء تم تسميته وفق القواعد الدستورية..
نريد أن ننبه لافتقار بعض القوى السياسية السودانية للمبدئية الأخلاقية والاستقامة الفكرية، وهي تشير (تلميحاً وتصريحاً وابتهاجاً) إلى ما قام به الرئيس قيس سعيد، دون أن يرف لها جفن أو يخفض لها جناب، لأن غاياتها توجيه طعنات للإسلام السياسي مهما كان موقعه وموقفه

ومبتدأ، فإننا ضد هذا الإفتراض، جملة وتفصيلاً، ورأينا أن تستكمل الفترة الانتقالية مدتها رغم عوارها واختلالاتها وانحرافها وضعف كفاءتها، ولكننا نريد أن ننبه لافتقار بعض القوى السياسية السودانية للمبدئية الأخلاقية والاستقامة الفكرية، وهي تشير (تلميحاً وتصريحاً وابتهاجاً) إلى ما قام به الرئيس قيس سعيد، دون أن يرف لها جفن أو يخفض لها جناب، لأن غاياتها توجيه طعنات للإسلام السياسي مهما كان موقعه وموقفه..

(2)
جمد قيس سعيد البرلمان التونسي وحل الحكومة التنفيذية، وشرع في تولي النيابة العامة، ووظف الجيش والأجهزة الأمنية والنظامية لحماية هذه التدابير. وأصبح بذلك السلطة السيادية والتنفيذية والقضائية مع إبعاد الرقابة البرلمانية وغياب المحكمة الدستورية، وتضييق على وسائل الإعلام، فهل هناك "تعريف آخر لاحتكار السلطة"!..

بالتأكيد، فإن الرئيس قيس سيتراجع عن قراراته هذه، فهو لا يملك قدرة المضي قدماً، لا إسناد شعبيا ولا دعم دوليا، كما أن المؤسسات المدنية والعدلية في تونس قوية وفاعلة ومؤثرة.. إنه موقف متعجل وتصرف متسرع دون قراءة التداعيات..

وتبقى العبرة شاهدة على اختلال المفاهيم وضعف القناعات والمباعدة بين الشعارات الهتافية والواقع التجريبي..

(3)
ومع ذلك فإن الحدث يقتضي قراءة وفحصا، وأول ذلك: إن خيارات الشعوب أصبحت رهينة مصالح القوى الإقليمية والدولية، فلا يكفي اجراء انتخابات شفافة ونيل ثقة المواطن، وإنما هناك كوابح دولية وإقليمية تتربص بكل خطوة ومسار وتحرك. وخطورة هذا التدخل أنه عابر فوق مصالح المواطن ووحدة البلاد، بل قد يكون نقيضاً، وهو أمر غاية في الأهمية والخطورة، ليس للإسلاميين فحسب، بل لكل القوى الوطنية في المنطقة، ولعل سوريا وليبيا خير شاهد ودليل..
خيارات الشعوب أصبحت رهينة مصالح القوى الإقليمية والدولية، فلا يكفي اجراء انتخابات شفافة ونيل ثقة المواطن، وإنما هناك كوابح دولية وإقليمية تتربص بكل خطوة ومسار وتحرك

وثانياً: إن القيم المبدئية لا تتجزأ، واحتكار السلطات ومصادرة الحريات والحظر والتنكيل والعسف أمور مستهجنة، سواء في السودان أو تونس أو تركيا أو جنوب أفريقيا أو أوكرانيا، والقوى السياسية الراشدة لا تتعامل بمنطق المكايدة والمعايرة، وإنما تؤسس منطلقات قيمية مبدئية (لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا)..

وثالثاً: على الإسلاميين تدبر شأنهم، لأن هذه معركة بلا حدود وسقف، والبحث عن تحالفات سياسية أوسع ورهانات مؤسسات أقوى وإدارة حوار بناء واضح وجلي مع أطراف إقليمية ودولية، وفوق كل ذلك الارتباط مع قضايا الشعب والانحياز للمواطن، فهذا مناط السياسة.. والتأكيد بحزم على العملية الديمقراطية بكل تقلباتها ومنزلقاتها، فهي الأوفق.

ورابعاً: فإن الماء إذا "غلي فار وإذا حوصر فاض"، ومن حق الأجيال الجديدة البحث عن أحلام وتطلعات، وإذا كبتت أو قهرت أو ضيق عليها ستندفع في مسارات جانبية، للهجرة غير الشرعية أو للعنف أو الإرهاب أو المخدرات والسرقات المسلحة. وهو أمر خطورته كبيرة إقليمياً ودولياً وقبل ذلك محلياً، ومحاولات "تقزيم" طموحات الأجيال الجديدة خطيرة ومؤذية للجميع.. فارفعوا أيديكم وهذا أضعف الإيمان، وأبلغه ساندوا مؤسسات الانتقال بما يحقق إرادة الشعوب وليس تصوراتكم..

حفظ الله السودان وتونس.. ورفقاً بأوطانكم.