كتاب عربي 21

سوريا بين ممثل الفاتيكان ومخلوف.. وحقيقة صراع الإقليم

1300x600

لم تغادر الحرب السورية مكانتها المحورية في أزمة الإقليم، رغم دخولها العقد الثاني، ولا شك أن لذلك صلة كبرى بوقوعها على حدود الكيان الأكثر دلالا في العالم، الذي غالبا ما تتحدّد سياسات أمريكا والغرب في الشرق الأوسط بناء على مصالحه وحساباته.


ولنتخيّل مثلا لو كانت سوريا في مكان آخر، بعيدا عن حدود الكيان الصهيوني، هل كانت حربها ستتواصل على هذا النحو، وهل كان شعبها سيعاني هذا العذاب على يد نظام أقلية طائفي متوحّش، ومن ثم على يد قوة إقليمية هي إيران، وأخرى دولية هي روسيا؟


كلا بكل تأكيد، فقد تكفّل الكيان بتحديد مسار الأحداث بناء على حساباته، إذ أراد سوريا "ثقبا أسود" يستنزف كل القوى المعادية (إيران وحلفاؤها، تركيا، بجانب تدمير سوريا، والأهم؛ وضع حد لمسيرة الربيع العربي التي لو مرّت بنجاح في سوريا، لما كان لها أن تنتهي تلك النهاية في مصر، ولشملت أكثر الدول العربية، في وقت يعلم الصهاينة أن الشعوب لا تعترف لهم بأي شبر من فلسطين، خلافا للأنظمة التي اعترفت لهم بـ78% منها.


كل ما يقال عن أمراض الثورة السورية؛ يتجاهل ما ذُكر أعلاه، ويحيل الأمر إلى غياب المعارضة العاقلة، وإلى الشرذمة والتكسّب، وما إلى ذلك، متجاهلا لحقيقة أن موقع سوريا هو الذي أدخل عللا ثورتها أكثر شياطين الأرض. ويكفي أن ندرك أن أيا من القوى التي قيل إنها تدعم الثورة لم تكن تريد انتصارها بالفعل، ومن أرادت، كانت عاجزة عن مدّها بالسلاح النوعي بسبب ضغوط أمريكا. وما كان يجري هو التنفيذ العملي لمسار "الثقب الأسود"، من دون تبرئة كثير من قوى المعارضة ورموزها؛ تبعا لحسابات بائسة ليس هذا مجال الخوض فيها، فضلا عن الدور السلبي الذي أدّته القوى "الجهادية"، والذي سهّله النظام لشيطنة الثورة، رغم أنها كانت أكثر من أثخن فيه.

كل ذلك، تحدثنا عنه مرارا وتكرارا خلال السنوات الماضية، وما يعنينا هنا هو التوقف عند واقع الحال راهنا

كل ذلك، تحدثنا عنه مرارا وتكرارا خلال السنوات الماضية، وما يعنينا هنا هو التوقف عند واقع الحال راهنا، كما ورد على لسان ممثل "الفاتيكان" في سوريا؛ الكاردينال ماريو تزيناري، وكما ورد أيضا على لسان رامي مخلوف (ابن خال بشار)، وذراعه المالي، قبل اندلاع الخلاف بينهما، ومن ثمّ دلالة ذلك على حريق الإقليم.


يقول الكاردينال؛ إن "القنابل لم تعد تسقط في كثير من أرجاء سوريا؛ عدا شمال الشرق في محافظة إدلب، التي تشهد صدامات بين حين وآخر"، لكن "أكرر دائما أن هناك قنبلة رهيبة انفجرت"، التي "وفقا لبيانات الأمم المتحدة، دفعت 90% من الشعب السوري تحت خط الفقر".


وأضاف: "بعد 10 سنوات من الحرب، وكما يمكنكم التصور، هناك الدمار في ظل غياب إعادة الإعمار وإطلاق عجلة الاقتصاد". وبينما "تبقى عملية السلام متوقفة للأسف، يتقدم الفقر بخطى حثيثة جدا".


وتابع قائلا: "على سبيل المثال، عندما أخرج في دمشق أصبحت أرى مشاهد لم تكن موجودة من قبل. صور تدعو للتأمل، كطوابير الناس أمام الأفران التي تبيع الخبر بأسعار تدعمها الدولة؛ لأن الناس الفقراء لم تعد تتوفر لديهم النقود، وينتظرون بصبر لشراء الخبر بهذه الأسعار"، كما أشاهد صفوفا طويلة للسيارات أمام محطات الوقود"، وهي "صور لم تُرَ حتى في أصعب لحظات الحرب".


أما رامي مخلوف، فخصّص إطلالته الأخيرة للحديث عن سرقة أموال الناس من خلال "الاتصالات"، مشيرا إلى أن "أثرياء الحرب" يحصلون على المال من خلال سيطرتهم على شركتي سيريتل" (كانت له قبل مصادرتها) و"أم تي إن"، لاستثمار عائداتها في مشغّل الاتصالات الثالث الذي تقف خلفه جهات أساسية ثلاث، هي: مؤسسة الاتصالات الحكومية بحصة صغيرة، والإيرانيون لقاء مديونياتهم على الدولة السورية، وأخيرا "أثرياء الحرب" الذين لم يسمّهم، وإن أدرك الجميع أنهم رموز النظام وقادة المليشيات التي ساندته.


سيتحدث شبيحة النظام، وعناصر التابعية الإيرانية عن "الحرب الاقتصادية" التي تتعرّض لها سوريا، ويتجاهلون ما صنعوه من دمار، تفوّق على نظيره في العراق الذي يئن بدوره دون حرب اقتصادية، ورغم تمتّعه بثروات أكبر بأضعاف مما تتمتّع به سوريا، وكل ذلك بسبب فساد الساسة الذين تحميهم إيران.

 

هذا البؤس الذي نشاهده في سوريا الآن، وفي العراق، وكذلك في لبنان واليمن، لا يتعلق بحكاية المقاومة والممانعة

هذا البؤس الذي نشاهده في سوريا الآن، وفي العراق، وكذلك في لبنان واليمن، لا يتعلق بحكاية المقاومة والممانعة، كما يحبّ أتباع إيران أن يروّجوا، بل يتعلق بالرد الطبيعي من قبل الشعوب، ومن قبل الأنظمة المحيطة على مشروع تمدّد مذهبي يستعيد ثارات التاريخ، وإلا، فأين هي المقاومة في اليمن التي استدعت الانقلاب على ثورة الشعب، وأين هي في العراق الذي تحمي فيه إيران ساسة نفّذوا أكبر عملية نهب في التاريخ، بل أين هي مقاومة لبنان بعد حرب 2006؟!


هل تدخل عمليات "التشييع" في سوريا، وشراء العقارات وتغيير الديمغرافيا، في سياق المقاومة والممانعة، أم في سياق المشروع المذهبي الذي نتحدث عنه، وهل ستصمت الغالبية في الداخل و"الشتات" على ذلك، أم ستجد سبلا شتى لمواصلة حربها على النظام؟


لو جاءت طيور أبابيل غدا، وأنهت وجود الصهاينة في فلسطين، لما تغيّر مشهد الصراع مع مشروع إيران قيد أنملة، فمن يعتقد أن حرب الأقلية في المنطقة على الغالبية، يمكن أن تفضي لغير حريق مدمّر لكل المنطقة وشعوبها؛ لا يعرف السياسة ولا هذه الأمّة، فضلا عن أن القوى الكبرى ستشجّع ذلك، لأنه يفيدها على كل صعيد، خلافا للحال لو تصالحت قوى الإقليم الثلاث (العرب وتركيا وإيران)، وبدأت تتحدث مع العالم بلغة مختلفة.