ملفات وتقارير

مشاورات تبون مع الأحزاب.. هل تذهب الرئاسة نحو التهدئة؟

يستند الرافضون للانخراط في مسار الرئاسة إلى الحراك الشعبي الذي ظل ينبذ في مسيراته أي تعامل مع السلطة الحالية- جيتي

بعد يوم من عودته للجزائر بعد رحلة علاجية طويلة، شرع الرئيس عبد المجيد تبون في إجراء لقاءات مع قادة أحزاب سياسية، لغرض التشاور معها حول مسار ما بعد اعتماد الدستور.


واستقبل الرئيس في ظرف يومين، مجموعة من قادة الأحزاب التي سبق له لقاءها، مثل رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري ورئيس جيل جديد جيلالي سفيان ورئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة ورئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد، وهي في مجملها شخصيات تتبنى طروحات إصلاحية.


لكن المفاجأة كانت في لقاء الرئيس بقيادة جبهة القوى الاشتراكية، وهي أقدم حزب معارض في الجزائر، عُرف عنه تبني طروحات راديكالية فيما يتعلق بشرعية نظام الحكم في البلاد.


وظلت جبهة القوى الاشتراكية، رافضة للمسار السياسي الذي اعتمدته السلطة الفعلية خلال فترة الحراك الشعبي والذي قاد إلى الانتخابات الرئاسية الأخيرة في كانون الأول/ديسمبر 2019 التي أتت بعبد المجيد تبون رئيسا.

 

وأدى هذا اللقاء، إلى جدل واسع في صفوف هذا الحزب، الذي يرى بعض مناضليه وقيادييه السابقين أن الاقتراب من السلطة في هذه الفترة، يمثل طعنة في الظهر للحراك الشعبي تزامنا مع الذكرى الثانية لانطلاقه.


نحو التهدئة

 
ودارت اللقاءات التي نظمتها الرئاسة، حول مسألة تنظيم الانتخابات التشريعية والمحلية المقرر أن تجرى هذا العام وتوقيت حل البرلمان وإمكانية القيام بتعديل حكومي لإصلاح الاختلالات الموجودة في العمل الوزاري.


وبات في حكم المؤكد أن الرئيس تبون، يعتزم حل البرلمان في غضون أيام قليلة، يرافقه تغيير حكومي واسع، ينتظر أن يطيح بالوزير الأول الحالي عبد العزيز جراد ووزراء فاعلين في طاقمه.


وقال عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، في تصريح لـ"عربي 21"، إنه لمس من الرئيس تبون خلال لقائه به، أنه عازم على استكمال المسار الانتخابي واتخاذ إجراءات للتهدئة.


ويُقصد بإجراءات التهدئة في الجزائر، مجموعة من القرارات التي بإمكانها إزالة الاحتقان الموجود في الشارع، مثل إطلاق سراح معتقلي الحراك الشعبي وإزالة القيود عن الإعلام وفتح المجال للنشاط السياسي والحزبي دون عراقيل.


وأوضح مقري أن أهم شيء فيما يتعلق بالانتخابات المنتظرة، هو توفر إرادة سياسية لعدم تزوير الانتخابات، وقراءة العواقب الوخيمة على البلد، بل على المزورين أنفسهم إن تم السطو مرة أخرى على الإرادة الشعبية. 


وأضاف رئيس الحركة المعروفة بـ"حمس" أن الوضع صعب ودقيق ولا يتحمل التصرفات العبثية واللامسؤولة كما في السابق، مشددا على أهمية توفير كل الأجواء اللازمة للسماح للجزائريين بالتعبير عن إرادتهم بكل حرية وديمقراطية.


انقسام داخل الطبقة السياسية

 
ومن الواضح أن الساحة السياسية في الجزائر، منقسمة إلى توجهين رئيسيين، المؤيدون لمسار السلطة الانتخابي مع مطالب بتحسين شروط العملية الانتخابية، والرافضون للانخراط في هذا المسار بمبرر غياب الثقة.


وتضم الفئة الثانية، أحزابا ترفض لقاء الرئيس الحالي، خاصة تلك المنخرطة في تكتل البديل الديمقراطي، مثل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والحركة الديمقراطية الاجتماعية والاتحاد من أجل الرقي والتغيير وغيرها.


وموازاة مع لقاءات تبون، عرضت زوبيدة عسول، رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، مقترحا لمعالجة أزمة الانسداد السياسي، يرتكز على إعادة النظر في العهدة الرئاسية لتبون.


وورد في وثيقة نشرها حزب عسول، اقتراح يقضي بـ"إعلان رئيس الدولة عبد المجيد تبون عن تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة خلال سنة 2022 عملا بأحكام المادة 91 من الدستور"، على أن يقوم الرئيس في هذه الفترة بتفويض صلاحياته لرئيس حكومة وحدة وطنية يكون من ضمنها وزير دفاع مدني.

 

اقرأ أيضا : معارض جزائري: حل الأزمة بالعودة للشعب عبر انتخابات عامة


وذكر المقترح أن هذه الحكومة يجب أن تعمل على "إطلاق سراح السجناء السياسيين مع إعادة الاعتبار لهم، وفتح المجال الإعلامي والسياسي وإلغاء جميع القوانين المسماة بالحريات لتعارضها مع أحكام الدستور"، إلى جانب "تكليف شخصيات وطنية مستقلة ذات مصداقية لإيجاد الآليات والشروط الضرورية لتنظيم انتخابات تعددية حرة نزيهة وشفافة".

ويستند الرافضون للانخراط في مسار الرئاسة، إلى الحراك الشعبي الذي ظل ينبذ في مسيراته أي تعامل مع السلطة الحالية، كونها تمثل حسب فاعليه واجهة فقط لنظام الحكم الذي لم يتغير.

ويراهن العديد من النشطاء، على إعادة بعث المسيرات، خلال هذه الفترة التي تتزامن مع ذكرى انطلاق الحراك الشعبي الثانية، وبدأت إرهاصات ذلك تظهر في المسيرة الحاشدة التي شهدتها منطقة خراطة شرقي البلاد قبل يومين.

توقعات نتائج المشاورات

 
وتؤكد تحركات الرئيس الأخيرة، وفق مراقبين، وجود أزمة سياسية في البلاد، تستدعي إيجاد نوع من التوافقات، خاصة بعد الاستفتاء الأخير على الدستور الذي شهد نسبة مقاطعة قياسية.


وفي هذا الشأن، يرى الباحث في العلوم السياسية، زين العابدين غبولي، أن لقاءات الرئيس مع أقطاب المعارضة، على الرغم من التطمينات المستمرة، تسعى إلى معالجة الشّرخ الواضح في الطبقة السياسية والذي بات حسبه، لا يهدّد فقط استقرار حكم تبّون بل حتى استقرار المؤسّسات. 


وأشار غبولي في تصريح لـ"عربي21"، إلى أنه من المبكّر الحكم على نتائج هذه المشاورات، إلا أن الانقسام السياسي الحاد بعد سنتين من الحراك يؤكّد أنها تأتي في سياق مختلف عن تلك التي حصلت في وقت الرئيس بوتفليقة.


ولفت الباحث إلى أن الوضع اليوم مختلف عن زمن الرئيس السابق، لأن السلطة باتت تحت مجهر المراقبة من طرف الشعب والمعارضة بشكل أكبر مما كانت عليه قبل فبراير 2019.


وتابع يقول: "هذه اللقاءات تستطيع أن تثمر عن خارطة سياسية جديدة إذا زادت حدّة التشنّجات التي تعرفها الساحة السياسية باقتراب الذكرى الثانية للحراك إلا أنها تبقى، لحدّ الآن، بدون نتيجة واضحة ما لم ترتبط بقرارات سياسية هامة تسعى للتهدئة".