تقارير

الكوفية الفلسطينية من غطاء رأس إلى رمز وطني يتوشحه الأحرار

متضامنون أجانب يرتدون الكوفية الفلسطينية في مظاهرة مؤيدة لفلسطين- (أرشيف)

لم تكن الكوفية الفلسطينية قبل ثورة عام 1936م ضد الانتداب البريطاني معروفة في العالم حتى ارتداها الثوار الذين كانوا يغطون بها وجوههم للتخفي من الاحتلال وأعوانه، لتصبح فيما بعد رمزا وطنيا ليس في فلسطين أو في الوطن العربي فحسب بل في العالم كله.

وباتت هذه الكوفية والتي تعرف لدى الفلسطينيين بعدة أسماء، منها "الحَطة" و"الشماغ" و"غطاء الرأس" و"الوشاح"، رمزا وطنيا معروفا ومطلوبا في كل العالم وموضة لا تبلى يحرص أحرار العالم على ارتدائها للتعبير عن حبهم وتضامنهم مع الشعب الفلسطيني..

 



وفي المقابل، فإن الاحتلال البريطاني ومن بعده الإسرائيلي حاول بكل السبل القضاء على هذا الرمز من خلال محاربته بالقوة تارة وبالتشويه تارة أخرى لعلمه مدى تأثيرها في الغرب، حتى تغنى بها الشعراء والمنشدون وباتت تزين أعناق الكثير من الوطنيين الأحرار في العالم.

والكوفية الفلسطينية هي وشاح أبيض مطرز عليه بعدة ألوان أغلبها اللون الأسود، ترمز رسومه إلى البحر وطائر فلسطين، ويتم ارتداؤه عادة حول الرقبة أو فوق الرأس. 

ويعود تاريخ الكوفية الفلسطينية بحسب الدكتور أدهم حسونة أستاذ الإعلام في جامعة غزة إلى ثورة عام 1936م، حيث أصبحت لباس الثوار آنذاك.

 



وقال حسونة لـ"عربي21": "لأسباب سياسية وتكتيكية قرر زعماء الثورة الفلسطينية عام 1936م توحيد لباس الرأس عند الفلسطينيين فقرروا لبس الكوفية والعقال لرجال فلسطين حتى يتعذر على سلطات الانتداب تمييز الثوار واعتقالهم، وفي هذه المرحلة".

وأضاف: "كانت الكوفية وعليها العقال الأسود هي لباس المزارعين الفلسطينيين والبدو، وكان هذا تقليد فلسطيني بحت تعزز بعد ثورة 1936م، وأصبح اللباس الرسمي بعدما ارتداها الثوار وعززها إصرار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على ارتدائها وإلقاء خطابه الشهير في الأمم المتحدة عام 1973م".

وتابع: "لازمت الكوفية الفلسطينية الرئيس عرفات حتى آخر يوم في حياته؛ فكانت رمزا للثورة الفلسطينية المعاصرة، وخلال انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى ظهرت الكوفية بزخم من جديد، إذ ارتداها المشاركون بالفعاليات، وتجاوزت بذلك كل الحدود الجغرافية لتصبح رمزاً لقضية فلسطين العادلة في كل أنحاء العالم".

وارتبطت الكوفية بعدد من قادة الثورة الفلسطينية أمثال عبد القادر الحسيني في أربعينيات القرن الماضي، وليلى خالد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية والتي اشتهرت بخطف الطائرات في سبعينيات القرن الماضي.

 

 



وارتداها الثائر الإيطالي "فرانكو فونتال" الذي انضم إلى صفوف الثورة الفلسطينية في عام 1975 وقاتل في صفوفه 22 عاما.

 

 


وفي تسعينيات القرن الماضي دوخ شاب صغير يدعى عماد عقل والذي قاد حرب العصابات في حركة "حماس"؛ جيش الاحتلال دون أن يعرفه أحد إلى أن ظهر في صورة له وزعتها وكالات الأنباء العالمية وهو ملثم بالكوفية الحمراء ويشهر مسدسه.

 



وحينما كان جيش الاحتلال يبحث عن المهندس يحيى عياش صانع المتفجرات في كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة "حماس" عام 1995م، لم يعثر له على أي صور حتى وجد له صورة وحيدة وهو يرتدي الكوفية الحمراء ووزعها على كل نقاط التفتيش من أجل القبض عليه لتصبح هذه الصورة واحدة من أشهر صور الفدائيين الفلسطينيين.

 



وظهر محمد ضيف القائد العام لكتائب القسام عام 1994 ملثما بالكوفية حينما أعلن عن خطف الجندي الإسرائيلي نخشون فاكسمان.

وكان ظهور "أبو عبيدة" الناطق العسكري باسم "كتائب القسام" بكوفيته الحمراء يثلج صدور الفلسطينيين وهو يعلن عن إنجازات المقاومة الفلسطينية لا سيما خلال الحرب التي تعرض لها قطاع غزة.

 



وقتل الجيش الإسرائيلي راشيل كوري الناشطة الأمريكية المدافعة عن الفلسطينيين عام 2003 وهي  تتوشح بهذه الكوفية وتحاول منع جرافات الاحتلال من هدم منازل الفلسطينيين في رفح جنوب قطاع غزة.

 



وفي عام 2006 ألقى رئيس الوزراء الإسباني الأسبق "خوسيه لويس ثباتيرو" خطابا انتقد فيه دولة الاحتلال بشدة ثم قبل كوفية أحد الجمهور وأخذت له صورة وهو يرتديها.

وأكد الباحث الفلسطيني إبراهيم المدهون أن كل مجتمع وكل شعب له هوية ورمز معين، مشيرا إلى أن الشعب الفلسطيني تراكمت لديه الهوية البارزة والعنوان البارز وهي الكوفية الفلسطينية.

وقال المدهون لـ "عربي21" :"الكوفية الفلسطينية كانت لبس الفلاح الفلسطيني في القديم ولكنها في ثورة عام 1936م ارتداها الثوار الفلسطينيون وقادة الثوار ومنفذو العمليات ضد الانتداب البريطاني وقطعان المستوطنين الصهاينة، ولهذا فقد أخذت من هذا الرداء ومن هذه الثورة مسحة تقليدية ومسحة اعتزاز وفخر توارثها عبر الأجيال الفلسطينيون جيلا بعد جيل".

 

 

 

وشدد على أن الكوفية الفلسطينية لم تعتبر رمزا للفلسطينيين فحسب ولكنها رمز للثورة، ورمز لرفض الاستعمار ورفض الاحتلال ومقاومته في كل مكان.

وأكد المدهون على أن أهمية الكوفية اليوم أنها باتت تحمل صورة للفدائي، وصورة للثائر والمضحي من أجل قضيته.

وقال: "كثير من الشهداء الذين سقطوا في الثورات والانتفاضات المتعاقبة كانوا يرتدون هذه الكوفية وهي تميزت عن الكوفيات الأخرى باللون الأسود والأبيض".

وأضاف: "هذه الكوفية أعطت مسحة فلسطينية خالصة في العالم، وباتت من التراث العالمي لأنها ترمز إلى النضال والثورة وإلى فلسطين".

واعتبر المدهون أن ارتداء الرئيس عرفات هذه الكوفية عززها كرمز فلسطيني، واعتبرت كركترا خاصا به.

 



وقال الباحث لفلسطيني: "اليوم وحتى اللحظة ما زال الفدائي الفلسطيني يرتدي هذه الكوفية، ويتصور بها أيضا، ويتلثم بها ليخفي وجهه عن الاحتلال والملاحقة، ولكن الأكثر من كل ذلك أنه يعتز ويبرزها كحالة وهوية نضالية ولهذا فهي تستفز الاحتلال الإسرائيلي".

وأضاف: "هذه الكوفية تغلغلت في الثقافة العالمية، فهي بدأت تدخل في الأزياء وفي الرمزية الكفاحية في كل العالم".

وأكد أن الفلسطينيين نجحوا في تعزيز هذه الكوفية، مشيرا إلى أن كل من يتعاطف الآن مع فلسطين يحرص على ارتداء هذه الكوفية والسير في المظاهرات وهو يتوشح بها، معتبرا أن مجرد التقاط صور ونشر الصور بالكوفية هو إعلان عن التضامن مع الشعب الفلسطيني.

 



ويحيي الشعب الفلسطيني ومؤسساته التربوية في الوطن والشتات في السادس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام يوم الكوفية الفلسطيني؛ وذلك بناء على قرار اتخذته وزارة التربية والتعليم الفلسطينية عام 2015، باعتبار هذا اليوم يوما وطنيًا يتوشح فيه الطلبة كافة ومديرو المدارس والمعلمون والموظفون بالكوفية، ويرفعون الأعلام الفلسطينية، وينشدون الأغاني الوطنية والشعبية؛ وتنظم فيه العديد من الأنشطة الكشفية والرياضية؛ كي تبقى أجيالنا الناشئة أينما وُجدت متصلة برموز الهوية الوطنية الفلسطينية؛ ليكون يوماً للشعور بالحرية، ولربط الطلبة بالماضي والحاضر والمستقبل، ولتعزيز وعيهم الوطني الأصيل.

وقال الكاتب والصحفي الفلسطيني حسن جبر لـ"عربي21": "لعبت الكوفية دورا مهما في مراحل النضال الوطني منذ بداية انطلاقة الثورة وحتى الآن، وتحولت من كوفية لإخفاء معالم وجه المناضلين إلى رمز للاتجاهات السياسية المختلفة بألوانها المخالفة".

 



وأضاف: "أصبحت الكوفية مصدر عزة وفخر لكل من يرتديها، لهذا طاردها الاحتلال وصار يضرب من يلبسها وأحيانا يعتقله ويحاكمه تحت أي تهمة".

وتابع: "طار عقل جنود الاحتلال بعد أن بدأ المتضامنون الأجانب في ارتداء الكوفية ليعبروا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني لتنتقل الكوفية إلى العالمية وتنتشر بين الطلبة اليساريين المؤيدين للشعب الفلسطيني".

وأكد جبر أنه يعرف أصدقاء أجانب يحتفظون بالكوفية منذ سنوات طويلة بعد أن ارتدوها في الجامعة لأول مرة.

وأشار إلى أن جهات تجارية حاولت ترويج قطع قماش تشبه الكوفية لكنها لم تنجح وبقيت منبوذة لصالح الكوفية الفلسطينية التي لا يخلو بيت فلسطيني منها.

وتحتضن مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة المصنع الوحيد في فلسطين والذي ينتج الكوفية الفلسطينية والذي أسسه الحاج ياسر الحرباوي عام 1961م خصيصا لصناعة الكوفية لإدراكه لأهميتها كرمز من الرموز الفلسطينية.

 



وأكد أحد أبناء مؤسس المصنع جودة الحرباوي لـ"عربي21" أن مصنعهم ينتج شهريا قرابة الـ3000 كوفية وأن 85 في المائة من إنتاج مصنعه يتم تصديره إلى أوروبا وأمريكا ودول أخرى.

وأشار إلى أنه يعمل في المصنع 10 عمال وهو من الماكنات المتطورة جدا، منوها إلى أنهم لا يزالون يحتفظون بالماكنات القديمة التي قام عليها المصنع قبل 60 عاما.

وأوضح أن مصنعهم ينتج كل أنواع الكوفيات وبكل ألوانها، مشيرا إلى أنهم ينتجون الحجم المعروف 125سم في 125سم، مؤكدا أنهم سيواصلون العمل في إنتاجها مهما كانت العوائق والتحديدات في ظل تراجع الوضع الاقتصادي.

وعن رسالتهم من إنتاج الكوفية قال الحرباوي: "هذه صنعة الوالد الله يرحمه وهو الذي أسس هذا المصنع وبدأ العمل فيه عام 1961م وهو الحاج ياسر الحرباوي، ومن منطلق اعتزازنا به وإصرارنا على مواصلة السير على دربه لإيصال رسالته الوطنية".

وأضاف: "صنع الكوفية الفلسطينية يعبر عن تمسكنا بالتراث والهوية الفلسطينية، ويدلل على التمسك بالأرض بعدما أصبحت الكوفية رمزا لكل الوطنيين وأحرار العالم".