صحافة دولية

الغارديان: لا يمكن لماكرون حل مشاكله الاجتماعية بـ"إصلاح الإسلام"

اتهم ماكرون الإسلام أولا بالمشكلة الحاصلة في بلاده - جيتي

 قال أرثر غولدهامر الزميل في مركز الدراسات الأوروبية بجامعة هارفارد إن الرئيس الفرنسي راغب بإصلاح علل فرنسا الاجتماعية لكنه لا يستطيع عملها من خلال "إصلاح الإسلام".

 وأشار في بداية مقالته في صحيفة "الغارديان" لتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان صريحا في كلامه الناقد لماكرون بعد إعلانه سلسلة من الإجراءات لإصلاح الممارسة الإسلامية في فرنسا ومواجهة ما أسماها "الانفصالية الإسلامية".

 وعلق أردوغان أن ماكرون بحاجة لعلاج عقلي وأن تصريحاته تعطي فكرة أن لديه مشكلة مع الإسلام.

 وبعد أيام قام مهاجر جديد من تونس بطعن ثلاثة أشخاص في مدينة نيس. ورد ماكرون أنه ليس بحاجة لتذكير أبناء بلده أن مقتل المدرس صمويل باتي على يد مهاجر شيشاني وطعن شخصين أمام المجلة الساخرة "تشارلي إيبدو" هي جزء من الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا منذ 2012 وقتل فيها 260 شخصا.

لكن الرئيس التركي لم يكن الوحيد الذي انتقد ماكرون في العالم الإسلامي، فقد نظمت تظاهرات ضد عداء فرنسا في عدة أنحاء من العالم الإسلامي وانتشرت دعوات لمقاطعة البضائع الفرنسية في بنغلاديش وقطر ولبنان والدول ذات الغالبية المسلمة.

لكن ماكرون ولأسباب مختلفة يواجه انتقادات من الداخل. فنقاده في اليمين المتطرف يصورونه بأنه متساهل مع الإرهاب. ودعا عمدة مدينة نيس كريستيان إستورسي إلى تغيير في الدستور حتى يسهل "شن حرب" ضد الإرهاب. وبلغة مبالغ فيها أعلن الجمهوري إريك سوتي: "لأول مرة منذ الاحتلال لم تعد فرنسا حرة وبلدنا في حالة حرب.. ويجب أن نبيد الإسلامويين".

وتتزايد الدعوات لتعليق الحريات المدنية كما في حالة الحرب مع مرور كل يوم، كل هذا رغم السلطات الواسعة التي منحت للهيئات الحكومية ضمن قوانين الطوارئ المؤقتة وسارية المفعول حتى الآن. إلا أن هذه الإجراءات لم تعمل الكثير لمنع "الذئاب المنفردة".

وعلى اليسار، يتهم نقاد الرئيس مثل كلمنتين أوتين بالدوس على الحريات والديمقراطية. إلا أن اليسار ليس موحدا في مواقفه. فرئيسا الوزراء الاشتراكيين السابقين برنارد كازينوف ومانويل فال يقولان إن اليسار المتطرف الذي يؤمن بالتعددية الثقافية يقلل وبلامبالاة من التهديد الإسلامي.

ويتهم نقادٌ أوتين وحلفاءها في حزب جين لوك ميلنشون "فرنسا الأبية" بـ "اليسارية- الإسلاموية" بل والتواطؤ مع الجهاديين. وعلى اليمين هناك مارين لوبان التي هنأت ماكرون على رأيه في الإسلاموية كعدو خطير وانتقدته "بالخلط بين القول والعمل".

ويقول نقاد ماكرون إنه يقلد اليمين المتطرف لكي يسرق منه الزخم خاصة لو قررت لوبان الترشح مرة ثانية في 2022. لكن خطاب ماكرون في بداية تشرين الأول/أكتوبر لا يمكن وصفه بأنه مستلهم من خطاب وكلام لوبان. فقد حاول المرور عبر حقل من الألغام لكن الأحداث التي جرت بعد ذلك أخذت المبادرة من يديه وفي الحقيقة فقد كانت محاولته تصوير الموضوع عبر إعادة رسم الخط بين الدولة والدين حسب دستور 1905 لم يكن لديها أي نصيب من النجاح.

 

اقرأ أيضا: FT: حرب ماكرون على "الانفصالية الإسلامية" تهدد فرنسا

وحاول ماكرون وضع سياق دولي للصراع لكنه حمل الجانب المسلم المسؤولية ووصف الإسلام بأنه دين يعيش أزمة. وقال إن التوتر بين الأصوليات والدين الحقيقي والمشاريع السياسية هو السبب.

ومن هنا فالتباين بين خطاب ماكرون، المفكر السياسي وماكرون القائد الأعلى للقوات المسلحة ساعد على سوء الفهم. فقد حث الرئيس "مجلسه الدفاعي" قائلا إن "الإسلاميين يجب ألا يشعروا بالراحة في هذا البلد". وبالتأكيد فالتغير في النبرة جاء بعد مقتل باتي حيث غلت المشاعر، ومن هنا جاءت تعبيرات تلغي كل ما ورد في خطابه الأول من حسن نية واعتراف بذنب الجمهورية التي أوصلت الأمور إلى هذا الحد.

وعندما تعلق الأمر باقتراح علاج للأدواء حلل ماكرون البلد من المسؤولية وتخلى عن مشروعه الطامح الذي دعا إليه في بداية رئاسته. ففي تلك الفترة كلف جين لوي بارلو بمهمة النظر في غيتوهات الضواحي ليرفض التقرير الذي قدمه إليه في 2018.

واعترف بنقطة واحدة من تقرير بارلو وهو الإصلاح الجذري للإسكان في فرنسا. ولكنه خصص جزءا كبيرا من خطابه لمظاهر القصور القادمة من المسلمين في المساجد والمدارس الإسلامية والنوادي الاجتماعية مؤكدا على أهمية إدارة الدولة وقطع الدعم الأجنبي للمدارس الإسلامية وأهمية قيام الجامعات الفرنسية بتدريب وتأهيل الأئمة ومنع اللغة العربية والطعام الحلال من مطاعم المدارس. ولن يسمح لأي بلدية بتخصيص ساعات للنساء في المسابح العامة ومنع التعليم الخاص في البيوت.

ومهما كانت هذه الإجراءات التي اقترحها ماكرون وما يمكن أن تنجزه إلا أنها لن تقدم الكثير لمشروعه الطامح القائم على خمس نقاط وخلق إسلام التنوير في فرنسا وجعل المواطنين مرة ثانية يحبون الجمهورية.

وما فشل ماكرون في ملاحظته أن هدف تنوير الدين والحد من عاطفية الدين بسيادة العقل يتناقض مع إشعال مشاعر الوطنية بالحديث عن الحرب. والطريقة الوحيدة لهزيمة العاطفية الجهادية هو إظهار أن العقول الهادئة يمكنها الانتصار حتى في ظل استمرار الاستفزازات.

ومشكلة ماكرون أن هناك انفصالا بين تهويماته الفلسفية وأجندته التنظيمية مما يجعله عاجزا على الرد ضد انتقاد أشخاص مثل سوتي الذين لا يرون بديلا عن "إبادة" العدو. كما أن تنوير ماكرون لها أهدافها الأخرى وهي سحق هذا الشيء الحقير.