ملفات وتقارير

هل يريد "لودريان" دعم دستور الجزائر أم التشويش عليه؟

قال لودريان عقب لقائه الرئيس تبون بالعاصمة الجزائرية إن "الجزائر على عتبة مرحلة مهمة"- جيتي

عاد وزير الخارجية الفرنسي، جون إيف لودريان، ليثير الجدل في الجزائر، بتصريحاته التي تناول فيها موضوع تعديل الدستور، بشكل رآه الرافضون للمسار الجاري تدخلا في الشأن الداخلي للبلاد.


وقال لودريان عقب لقائه الرئيس عبد المجيد تبون بالعاصمة الجزائرية، إن "الجزائر على عتبة مرحلة مهمة ستسمح للشعب الجزائري بالتصويت في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل على مشروع مراجعة الدستور".


وتحدث الوزير الفرنسي، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، بإيجابية عن المسار السياسي للسلطة في الجزائر، مشيرا إلى أن "الرئيس تبون أعرب عن نواياه في إصلاح المؤسسات لتعزيز الحوكمة والتوازن بين السلطات والحريات".


وبحسب لودريان الذي يزور العاصمة الجزائرية للمرة الثالثة هذه السنة، فإن "الجزائريين ينبغي عليهم أن يجسدوا طموحاتهم المعبر عنها بتحضر وكرامة، في نظرة سياسية مع مؤسسات قادرة على بلورتها".


وعلى الرغم من تأكيد لودريان على أن بلاده "تتمنى النجاح والازدهار للجزائر مع الاحترام التام لسيادته"، إلا أن خوضه في الشأن الدستوري، الذي يثير انقساما حادا في البلاد، ولّد ردود فعل كثيرة ساخطة.


الرافضون "يعززون موقفهم"


وبرز من بين المحتجين بشدة على تصريحات قائد الدبلوماسية الفرنسية، عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، الذي خصّص الجزء الأكبر من كلمة له في العاصمة لمهاجمة مشروع الدستور، والدعوة للتصويت عليه بـ"لا".


وقال مقري إن تصريحات لودريان وتدخله في شأن لا يعنيه أظهرت الخيط الأبيض من الأسود من هذا الدستور، الذي يعتبره خطرا على الهوية الوطنية، ويحمل في طياته، حسبه، موادّ تُقدّم لعلمنة المجتمع الجزائري.

 

اقرأ أيضا: وزير خارجية فرنسا يزور الجزائر.. ويوجه نداء لدول جوار ليبيا


وعزّز مقري من موقفه الرافض للدستور، بتوظيف تصريحات لودريان التي اعتبرها مثنية على المشروع المعروض على الاستفتاء، داعيا الجزائريين إلى تأمل ما قاله الوزير الفرنسي، والحكم بأنفسهم على الدستور.


وجدّد رئيس حمس تحذيره مما سماها "الوصاية الفرنسية" على الجزائر، التي ترفض السلطات حسبه التصدي لها، بإبقاء حضور اللغة الفرنسية في الوثائق الرسمية، ومنع تجريم ذلك، وكذلك بعدم دسترة بيان أول نوفمبر الذي أعلن الثورة على الاستعمار الفرنسي كمرجع تأسيسي في الدستور، وإدراجه ضمن المواد الصمّاء.


المقاطعون يتساءلون عن السيادة


لكن تصريحات لودريان لم تلق معارضة فقط من المتخوفين على ضرب الهوية الوطنية في الجزائر، بل أيضا من التيار الديمقراطي المقاطع لاستفتاء الدستور، الذي عقدت بعض رموزه مقارنة مع ما قاله هذا الوزير الفرنسي في فترة الحراك.


وعلّقت زبيدة عسول، رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، في حساباتها الرسمية على مواقع التواصل، بالقول: "لقد ظهرت اليوم بوضوح الأيادي الخارجية والتبعية لمن كان يراودهم أدنى شك.. أين هم المدافعون عن السيادة؟".


وذكرت في منشور آخر: "وزير الخارجية الفرنسي يزكي تعديل الدستور، كما سبق أن فعلها يوم أكد للجزائريين أن الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة في صحة جيدة قبل الإعلان عن عهدة خامسة".

 

اقرأ أيضا: "عربي21" تقرأ خريطة المؤيدين والرافضين لدستور الجزائر الجديد


ويحيل كلام زبيدة عسول حول الأيادي الخارجية والسيادة إلى الفترة التي كان فيها بعض نشطاء الحراك الشعبي يتهمون بالتبعية للخارج؛ بسبب مطالبتهم بتنظيم مرحلة انتقالية عكس الحلّ الدستوري الذي كانت تريده السلطة.


وفي تلك الفترة، كانت تستغل تصريحات لودريان المتتالية، حول ضرورة الذهاب لمرحلة انتقالية، في ضرب هذا المقترح الذي نادت به في الأصل تيارات سياسية جزائرية.


المؤيدون لا يكترثون للتصريحات


وعلى الطرف المقابل المؤيد للتعديل الدستوري، مرّت تصريحات لودريان دون أن تثير أي اهتمام، وهو تجاهل مبرر سياسيا بالنظر لحساسية الناخب الجزائري من كل ما يصدر عن فرنسا الرسمية.


وفي اعتقاد عدة فلاحي النائب السابق في البرلمان، وهو من مؤيدي التعديل الدستوري، أن من قرر التصويت بنعم على الدستور يرجع لقناعاتهم، ولا ينتظرون نصيحة من لودريان أو غيره.


وأشار فلاحي في تصريح لـ"عربي21"، إلى أن تأييده للدستور يأتي من منطق إيمانه بأن التغيير معركة طويلة على مستوى المنظومة التربوية والثقافية والنفسية، تشترك فيها السلطة والمجتمع معا.


وأبرز النائب السابق أن تصريحات لودريان مثل سابقاتها هي "لا حدث"، معتبرا أن استغلالها من قبل الرافضين للدستور يعود لكونهم وجدوا أنفسهم في طريق مسدود وهم يتشبثون -حسبه- بأي قشة ليناوروا بها؛ لتعزيز موقفهم.

 

اقرأ أيضا: من هم المؤيدون والرافضون للاستفتاء على الدستور بالجزائر؟


لكن، هناك من رأى أن تصريحات لودريان ليست بريئة، وهي تنطوي على خلفيات، قد يكون الهدف منها توريط السلطة الحالية، عبر استغلال الأثر العكسي على الرأي العام لكل ما يصدر عن فرنسا الرسمية.


وفي استطلاع "المؤشر العربي" الأخير الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ذكر 61 بالمئة من الجزائريين أن فرنسا تمثل التهديد الأول لبلادهم، وهي نسبة تختلف عن كل البلاد العربية التي يضع مواطنوها في العادة إسرائيل أو الولايات المتحدة أو إيران في صدارة المهددين لدولهم.


مخاوف من نوايا تشويش


ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، رابح لونيسي، أن القراءات المطروحة لتصريحات لودريان يغيب عنها أن هذا الوزير معروف بالتشويش على الجزائر عبر حديثه الذي يستغل لتشويه المبادرات والمشاريع، وإلصاقها بفرنسا المرفوضة شعبيا بحكم ماضيها الاستعماري.


وقال لونيسي، في تصريح لـ"عربي21"، إن الكل يذكر كيف كان تصريحه عند بدايات الحراك، عندما أثنى على الانتقال الديمقراطي، وطالب السلطة بتطبيقه، مقدمة لشيطنة كل من يطالب به، واعتباره عميلا لفرنسا.


ولا يستبعد أستاذ العلوم السياسية أن يكون تصريح لودريان الأخير حول الاستفتاء على الدستور يندرج ضمن عملية تشويش، يمكن أن يستغلها بعض المعارضين للدستور، بالقول إنه ما دامت فرنسا راضية عن المشروع فذلك يعني أنه ليس في صالح الجزائر.


وبتعبير آخر، يقول لونيسي إن لودريان عبر ما قاله يحاول أن يدعم لوبيات تريد إضعاف الرئيس عبد المجيد تبون، ومشروع التعديل الدستوري الذي يحمله.