قضايا وآراء

بوصلة الإخوان التي لم تنحرف

1300x600
في تقرير نشرته وكالة الأناضول بتاريخ 13 آب/ أغسطس 2020، جاء بعنوان "سبع عجاف بعد "رابعة".. إلى أين يتجه الإخوان المسلمون في مصر؟"، قالت الوكالة: "ومع حلول الذكرى السابعة لفض اعتصامي ميداني "رابعة العدوية" و"نهضة مصر"، في 14 آب/ أغسطس 2013، فقدت الجماعة مرسي نهائيا بوفاته أثناء محاكمته قبل عام، وأنزلت راية شرعيته، التي تمسكت بها فأفقدتها فرصا براغماتية عديدة لإنقاذ التنظيم، فيما لا يزال بديع محبوسا، كأغلب قادة وكوادر الجماعة، مع استمرار تصنيفها جماعة محظورة في مصر".

وأقول: كان الأولى بالوكالة، أن تتحدث عن شرعية مرسي باعتبارها شرعية للشعب، الذي منحه هذه الشرعية، وبوفاته عادت الشرعية للشعب صاحب الشرعية الأصيل، وليس لنظام الانقلاب الذي يبحث عن شرعية. ومع ذلك فالجماعة مستمرة في نضالها السلمي من أجل حرية مصر وتحرير ونيل الشعب المصري لحقوقه المهدرة.

وأما حبس مرشد الجماعة، الذي تحدثت عنه التقارير، فلا يعدو عن كونه نوعا من التنكيل والانتقام برموز الجماعة، كما أن الجماعة لديها ثوابت واضحة بعيدا عن البراغماتية والميكيافلية.

وقالت الوكالة إن جماعة الإخوان تواصل "الخسائر"، خلال "سبع سنوات عجاف" تواجهها منذ الفض، بعد أن كانت قبل عام منه تمتلك مرشحا رئاسيا منتخبا فاز بكرسي الحكم، ووزراء ومحافظين، وتواجدا علنيا في مقار وهيئات محلية ودولية".

هذا لا يعني خسارة للجماعة، بقدر ما يعني فضيحة للعسكر، ومن دعمهم من القوى العلمانية التي تريد ديمقراطية لا تأتي بالإسلاميين. كما أنها فضيحة للقوى الدولية التي تتحدث عن القيم والمبادئ، ولكنها تجعل المصالح فوق كل اعتبار، فضلا عن أنها فضيحة لمتصهينة العرب، الذين دعموا النظام الانقلابي بمليارات الدولارات كراهية في الإسلاميين.

كما قالت الوكالة: "إن الجماعة، تقول في مرات عديدة إنها بقيت رغم كل ما عانته من قمع طيلة حقب عديدة سابقة، وستبقى رغم ما تواجهه حاليا في السبع العجاف. بل إن نائب مرشد الجماعة، إبراهيم منير، ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله قبل عام: بفضل الله بقيت الجماعة متماسكة (..) والآن اقترب القرن الأول من عمرها أن ينقضي (تأسست في 1928) ولم تُضيع أو تُبدل".

وأنا بدوري أؤكد على هذا المعلم المهم، لأن الجماعة منذ نشأتها تعرضت لظلم الأنظمة المتعاقبة، لكنها تجذرت في المجتمع، وأصبحت رقماً صعباً يستعصي على الفناء، فذهب الطغاة وبقيت الجماعة، وحتماً سيذهب السيسي - إن شاء الله - وستبقى الجماعة.

وذكرت الوكالة أن "إنكار الأفول" و"ادعاء التماسك" الذي تنتهجه الجماعة طيلة "السنوات السبع"، ربما يعود، وفق مراقبين، إلى ما عاشته في مصر منذ نشأتها.

ونقول إنها جولة من جولات الصراع بين الحق والباطل، وإذا كان للباطل جولة، فإن للحق دولة. وقبل هذا وذاك، فإن الإخوان فكرة والفكرة لم ولن تموت، وما تتعرض له هو أذى كما قال الله تعالى: "لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّآ أَذًى".

ومع كل محنة تخرج الجماعة أشد عودا، وأصلب بنيانا، بفضل من الله تعالى.

ولم تتوقف عن نشر الفكرة الإسلامية، ورعاية الصحوة التي جعلت وزير الثقافة يقول: "أصبح هناك تدين لكل شيء، حتى التحية تحولت لـ"السلام عليكم" بدلا من صباح الفل والورد والخير".. "الأمة أصبحت سلفية الوعي".

وهو ما يوضح لنا بجلاء بأن الحرب ليست على الإخوان، ولكنها حرب على الفكرة الإسلامية.

وقد فسرت الوكالة التأقلم مع الأوضاع، الذي تعلنه الجماعة، من خلال ثلاثة محاور رئيسية، أولها التمسك ببقاء التنظيم مهما كان الثمن. وبالتالي رفضت الجماعة أي دعوات لحل التنظيم، بل جمدت عضوية قيادات هاجمت أداءها وأنشأت كيانا موازيا في 2016م.

والسؤال هنا: لماذا الإنكار على الجماعة التمسك بالتنظيم، وكل التنظيمات تتمسك بتنظيماتها؟ فهذا الكلام فيه تجاوز لسياسة الكيل بمكيالين. أما تجميد عضوية بعض الأعضاء، فلأنهم لم يمتثلوا للتحقيق، فضلا عن أنهم أنشأوا كيانات موازية.

وبحسب الوكالة، فإن محور تأقلم الجماعة الثاني، هو الاعتماد على وسائل التكنولوجيا ومنصات التواصل والفضائيات المؤيدة لها أو المعارضة للنظام.

نعم، وذلك لأن الجماعة ليست منغلقة على نفسها، بل تأخذ بكل ما هو مفيد، فاستفادت من هذه التقنيات في طرح فكرتها ورفضها للانقلاب، وفضح النظام وكشف عوراته. بل إن الجماعة ملك لشعبها، وليس لأعضائها فقط.

وكأن وكالة الأناضول تريد حرمان الجماعة من الاستفادة من هذه التقنية الحديثة، التي كانت سببا في إفشال الانقلاب في تركيا على سبيل المثال!!

أما المحور الثالث للتأقلم من وجهة نظر الوكالة، فيرتكز على التمسك بكونها جماعة دينية شاملة، تُلقن أفرادها أن النصر يأتي بعد الهزيمة والمحن، وتستدعي من السير والمواقف التاريخية ما يرفع الروح المعنوية لدى الأنصار.

وكأن الوكالة تتحدث عن جماعة دراويش، وليست جماعة تضم بين جنباتها علماء ومفكرين من الأمة، أما التلقين فهو للبسطاء، والجماعة وسيلة وليست غاية.

فأفراد الجماعة، الذين انتسبوا لها في مقتبل العمر أصبحوا قامات كبيرة، من أمثال الدكتور محمد مرسي، والدكتور عصام العريان، وغيرهم كثيرون.

وقالت الوكالة إن "إبراهيم منير، نائب مرشد الجماعة، قال في مقال له: إن مصر منذ فض "رابعة" مرت بـ"سبع عجاف"، مستعرضا أزمات متعلقة بالفقر والحقوق المائية والظلم".

وتعلق الوكالة على ما قاله الأستاذ "إبراهيم منير" بقولها: "لكن غير بعيد عن ذلك، وفقا لمراقبين، عاشت الجماعة ذاتها تلك "السبع العجاف" داخل تنظيمها أيضا".

وأقول للوكالة إنها لا بد أن تعلم، أن السنين العجاف أصابت شعب مصر بكامله، بل أصابت المنطقة بأسرها.

والأموال التي أنفقت لتصنيف الجماعة، كمنظمة إرهابية صارت هباء منثورا، كما أن كافة المحاولات التي بذلت في هذا الصدد باءت بالفشل ولم تقنع أحدا "فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ".

وتقول الوكالة: "واجهت الجماعة أزمات مالية طاحنة أثرت على أنصارها في الخارج والداخل، مقابل انتقادات لما يتردد عن إنفاق باهظ في ملفات أخرى واجتماعات، وهو ما شكّل، ضمن أمور أخرى، صورة ذهنية سلبية نوعا ما، في ظل شكاوى من الداخل بعدم القدرة على الوفاء بالتزامات "الموقوفين سياسيا"، وهم بالآلاف كما تقدرهم الجماعة".

والمنطقة كلها تعيش أزمة مالية طاحنة، وليس الإخوان فقط، بسبب تداعيات الانقلاب في مصر، فضلا عن المصادرات التي تمت عقب الانقلاب.

وفي النهاية هي ضريبة الدعوة وليست نهاية الدنيا.

أما الحديث عن الإنفاق، وما يتردد على لسان أشخاص، بدون أدلة فهو كلام مرسل لا يستحق عناء الرد عليه.

فالجماعة تبذل ما في وسعها، برغم التحديات الداخلية والخارجية، لكي تبقى متمسكة بثوابتها وبمشروعها، مهما كانت التحديات، فالأيام دول.. والليالي حبلى يلدن كل عجيب.. "فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا"، ولن يغلب عسرٌ يسرين.

لقد قضى النظام الانقلابي على كل صوت معارض، حتى من الذين دعموه، فلماذا يُعاب على الجماعة أنها ما زالت متماسكة؟

وختمت الوكالة حديثها عن مستقبل الجماعة بقولها: "أما في نظر أكثر المتفائلين، فربما يتغير أسلوب وفكر الجماعة، لأسباب عديدة، ربما تتعلق بطول أمد ثبات المشهد وعدم تحقيق نجاحات، أو ظهور قراءة جديدة من القيادات أو ضغوط من داخل الجماعة، أو تغييرات إقليمية، أو تجاوب من فصائل المعارضة الأخرى مع الجماعة، وهنا قد يعود الإخوان إلى المشهد، كما فعلتها الجماعة في أكثر من محطة تاريخية".

وهذا كله مجرد تخمين ورجم بالغيب، فقد تعرضت الجماعة لحملات التشويه والشيطنة، ومع ذلك لم ينل ذلك من صمودها وثباتها.

وبالرغم من تواطؤ وصمت المجتمع الدولي، تجاه الجرائم والانتهاكات، التي مارسها النظام الانقلابي، والتي ترتقي إلى الجرائم ضد الإنسانية، فلن تسقط بالتقادم، وسيقف يوما كل من ساهم في سفك دماء الشعب ليحاسب على ما اقترفت يداه إن عاجلا أو آجلا.

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد قالت في حزيران/ يونيو الماضي: إن "مذبحة رابعة، التي لم تحقق فيها السلطات المصرية حتى بعد سبع سنوات، كانت أسوأ واقعة قتل جماعي للمتظاهرين في التاريخ الحديث".

و"دعت مرارا وتكرارا إلى فتح تحقيق دولي مستقل في مذبحة رابعة، وفيما لم يخضع أي مسؤول للتحقيق أو المقاضاة، حُكم على الكثير من الناجين بالإعدام والسجن في محاكمات غير عادلة".

ولشعور النظام بالخوف والرعب، أقر برلمان الانقلاب في 16 تموز/ يوليو 2018، قانونا لتحصين قادة الجيش من الملاحقة القضائية في المستقبل.

وأخيرا، يهمني أن أؤكد أن جماعة الإخوان ستبقى شوكة في حلوق الطغاة، مهما حاولوا إفناءها أو تغييبها!!