تقارير

قبس من نور أقدم مساجد فلسطين (4من5)

المسجد العمري المشهور باسم المسجد القديم، أول مساجد قلقيلية الفلسطينية وأقدمها- (فيسبوك)

المساجد في فلسطين لا تقتصر على العبادة والتقرب إلى الله عز وجل فقط، فهي بالإضافة إلى الجانب الروحي والمعنوي والإيماني، تعد مخزونا تراثيا وتاريخيا يؤكد إسلامية وعروبة هذه الأرض التي بارك الله حول مسجدها، المسجد الأقصى. 

في هذا البحث نتلمس قبسا من النور من مساجد فلسطين التاريخية التي تشكل معلما تراثيا وإرثا إنسانيا ومعمارا فنيا ساحرا، ولن نعرج في هذا البحث إلى مساجد القدس والمسجد الإبراهيمي في الخليل لأنها مساجد معروفة للجميع وتحتاج منا إلى بحث مستقل وموسع، وسنركز على المساجد التي لا يعرف عنها القارئ العربي خارج فلسطين الكثير ضمن معركة الذاكرة في الحفاظ على الذاكرة الوطنية الفلسطينية والعربية. 

مسجد المحكمة: 

يقع في حي الشجاعية، في شارع بغداد بالقرب من برج الكمال، ولقد أنشئ هذا المسجد في القرن التاسع، وكان هذا الجامع مدرسة ثم محكمة للقضاء، والمدرسة أسسها الأمير بردبك الدودار أيام الملك الأشرف أبو النصر إينال، ويتميز المسجد بأنشطته العديدة والمميزة. 

ويتميز المسجد بموقعه على شارع بغداد وفي مقدمة حي الشجاعية، كما أنه يتميز بأنشطته النوعية مثل الرحلات والمسابقات والندوات وتقديم المساعدات وغيرها. 

 



عرف باسم "مدرسة الأمير بردبك الداودار" خلال العصر المملوكي وخلال العصر العثماني استخدم محكمة شرعية، لذا فقد أطلق عليه اسم "جامع المحكمة" والنقش التأسيسي الموجود على مدخل البناية يوضح أن المبنى كان عبارة عن مدرسة وظفت كمسجد. 

وقد بنيت المدرسة عام 1455 ويقع مدخلها عند الحائط الشمالي للمبني، أما المئذنة فيبلغ ارتفاعها حوالي 19 مترا، وتقع في الزاوية الشمالية الغربية للمبنى، وهي مزينة بزخارف مملوكية، نباتية وهندسية، محفورة في الحجر الرملي الصلب. 

وتبلغ مساحة المدرسة حوالي 546 مترا مربعا، ويشبه مخططها مخططات الكثير من المدارس الأيوبية والمملوكية، وتتكون من ساحة مكشوفة في وسط المبنى محاطة بغرف المعلمين والطلاب ومرافق أخرى، مثل أماكن الاغتسال والوضوء . 

وحول البناء زمن الاحتلال البريطاني إلى مدرسة حكومية للبنين سميت باسم "مدرسة الشجاعية الأميرية"، وفي الوقت الحاضر أضيف إليه مبني إسمنتي حديث في الجهة الغربية وهو ملاصق لبيت الصلاة القديم، وما زالت المدرسة تستخدم مسجدا عرف باسم "جامع المحكمة". 

مسجد السيد هاشم: 

يعتبر من أقدم مساجد غزة، وأتقنها بناء، ويقع في حي الدرج في المنطقة الشمالية لمدينة غزة القديمة، ويبعد عن المسجد العمري مسافة كيلومتر واحد تقريبا، وورد في الموسوعة الفلسطينية أنه من الراجح أن المماليك هم أول من أنشأه، وقد جدده السلطان عبد المجيد العثماني عام 1830. وتشير المراجع التاريخية إلى أن مدرسة كانت موجودة في المسجد أنشأها المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في فلسطين من مال الوقف، وقد أصابت الجامع قنبلة أثناء الحرب العالمية الأولى فخربته، لكن المجلس الإسلامي الأعلى عمره وأرجعه إلى أحسن مما كان عليه. 

ويكتسب مسجد السيد هاشم الذي يتوسط مدينة غزة ويقع في حي الدرج، طابعا تاريخيا كون قبر هاشم بن عبد مناف جد الرسول صلى الله عليه وسلم موجودا في إحدى غرفه الجانبية، ورغم أن كثيرا من الروايات التاريخية تؤكد دفن جد الرسول في موقع القبر تماما، إلا أن روايات أخرى تشكك في دقة موقع القبر. 

 


وتذكر إحدى أشهر الروايات التاريخية أن السيد هاشم بن عبد مناف دفن في مغارة إلى جانب سور مدينة غزة القديمة، حيث كان تاجرا يزور غزة بشكل دائم وخلال رحلته الأخيرة توفي ودفن في تلك المغارة. 

وفي أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، أزيلت المغارة وأحيط القبر بجدران تعلوها رقبة ثمانية الشكل مسقوفة بقبة كبيرة. 

وفي عام 1855 قدم مفتي المذهب الحنفي في قطاع غزة أحمد بن محي الدين الحسيني طلبا للسلطان العثماني عبد المجيد الأول بإنشاء مسجد قرب قبر السيد هاشم، فاستجاب السلطان العثماني للطلب وبنى بيتا للصلاة. 

وتبلغ مساحة المسجد 2400 متر مربع جزء صغير منها مبني عليه بيت الصلاة، وباقي المساحة عبارة عن ساحة رخامية وأروقة تحيط بالساحة من الشمال والجنوب والغرب، وتمتد على طول الأروقة أعمدة رخامية على الطراز الكورنثي، ويزين تاج العمود زخرفة محفورة من أوراق نبات الأكانتس والخرشوف. 

مسجد النصر: 

بني في العصر الأيوبي، يعتبر من أهم المعالم التاريخية الإسلامية في مدينة غزة. ففي 637 هـ وقعت معركة بين الفرنجة والمسلمين في بيت حانون، انهزم فيها الفرنجة كما تذكر البلاطة المثبتة فوق المسجد وقد بني خصيصا لذكرى هذه الموقعة.  

يقع المسجد في بيت حانون، ولم يبق من آثار المسجد على ما يدل على أنه أثري إلا بناءه من الداخل من حيث القيم المعمارية الإسلامية والبلاطة الأثرية المتبقية.  

 


والباحث في تاريخ بناء مسجد النصر يجد أنه بني في قرية بيت حانون قبل أن تصبح مدينة، وهو ثاني مسجد في قطاع غزة بعد المسجد العمري، لذلك فإنه يعتبر معلما تاريخيا سياحيا كان السياح يتوافدون إليه وخاصة "السياح اليهود" عندما كان القطاع محتلا وتم ترميم المسجد عدة مرات للمحافظة عليه وعلى أصله التاريخي ومكانته الدينية. 

وقبل أن يهدم الاحتلال مسجد النصر ويعاد ترميمه من جديد، فقد كان عبارة عن حجرتين مبنيتين من الحجارة المسماة "قناني الفخار" وهي عبارة عن مثلثات كروية الشكل، كما أن اللوحة التأسيسية نقش عليها بالخط النسخ الأيوبي ويتميز بسقفه الجميل ويتوسطها قبة ضحلة. 

ورغم تغير ملامح المسجد الأصلية، إلا أنه ما زال يحتفظ بمكانته وبنائه على الطراز الحديث لعدة أسباب منها: أن سبب بنائه هو الاعتزاز بالنصر الذي حققه المسلمون بهزيمتهم للصليبيين، والأرض التي أنشئ عليها هي أرض ساحة المعركة، وأخيرا لأن عددا من الشهداء المسلمين دفنوا في نفس المكان. 

المسجد العمري (المسجد القديم): 

يعتبر المسجد العمري أو المشهور باسم المسجد القديم، أول مساجد قلقيلية الفلسطينية وأقدمها، وهو عبارة عن إيوانين أو "عقدين" كبيرين كانا يؤلفان القسم الجنوبي الشرقي للمسجد الحالي، ولم يعرف تاريخ بنائهما، وهما من أطلال العمران القديم لقلقيلية، الذي استمر حتى عام 900ھ. فقام الشيخ حسن صبري إمام القرية بتوسيع المسجد، وصرف على بناء ثلاثة أيونات أخرى في القسم الجنوبي من المسجد، وقد بنيت عام 1847. 

 

 


ونقش تاريخ البناء عام 1846 على حجر وضع في جدار المسجد، وهو بخط الشيخ حسن صبري، وكتب عليه الأبيات الشعرية: 

هـذا إيـوان أسســـت بنيـانـــه على التقى وجامع الخيرات 

طوبى لمن أضحى إليه معمرا بعبــادة في سائـر الأوقـات 

قـد قلت في التاريـخ تم بنــاؤه إنـمـــــا الأعمـال بالـنيـات 

من الجدير بالذكر أن المسجد العمري القديم هو أكبر هذه المساجد جميعا حيث تقدر مساحته بنحو 2900 متر مربع وقد تم بناء المسجد وتوسعته على عدة مراحل، ويلاحظ ذلك من أسطحه غير المتساوية، فنرى سطح القسم الغربي يهبط قليلا عن سطح القسم الشرقي الجنوبي. كما أن جزأه الشمالي الشرقي يضم العديد من الإيونات.  

 

إقرأ أيضا: قبس من نور أقدم مساجد فلسطين (1-5)

 

إقرأ أيضا: قبس من نور أقدم مساجد فلسطين (2من5)

 

إقرأ أيضا: قبس من نور أقدم مساجد فلسطين (3 من 5)