كتاب عربي 21

بلاك ووتر كردي.. والبحث عن أسياد لخدمتهم

1300x600
جاء في الإنجيل: "لاَ يَقْدِرُ خَادِمٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ"، لكن لدينا زعماء عرب خدموا أكثر من سيد وبنجاح متواصل.

لا يعرف أحد عدد الأسياد الذين يخدمهم السيسي.. أمريكا، الحبشة، الإمارات، السعودية، روسيا.. برزّ أو دون رزّ، فهناك رزّ يصرف على شكل رضى سياسي وعلاقات عامة، خدم كل واحد إلا شعبه..

أثنى بوتين مؤخراً على السيسي عندما قال على هامش قمة "روسيا- أفريقيا" في سوتشي: "أود أن أشكر الرئيس السيسي على دعمه.. إنه جالس بجانبي طوال اليوم ويساعدني في عملي، وسيتعين عليّ أن أتقاسم راتبي معه"، وضحك السيسي.. العبارة طريفة لكنها مهينة، كان يمكن أن تكون طريفة لو كانت بين متماثلين ومتكافئين. الرجل يضحك كثيراً، يضحك لنكات بين ماكرون وبوتين مع أنه لا يفهم العربية، حتى يوحي لشعبه بأنه بلبل متعدد اللغات، وكان يمكن أن يقول شيئاً؛ مثل أن راتبه يكفيه، أو إنه يعيش على الماء، وليس بحاجة إلى نصف راتب بوتين، أو إنه من أسرة غنية، وقد أسف للشعب لأنه تباهى مرّة وقال ذلك. وكان ترامب قد أثنى على حذائه، وأهداه بوتين جاكيتاً حتى يقيه برد روسيا، وها هو ذا بوتين يثني على ربطة عنقه، فابتسم.. هل هو رئيس دولة أم عارض أزياء؟

كان ترامب قد أثنى على إنجازاته الكثيرة وهي: محاربة الإرهاب.. لديه إنجازات أخرى، الكفتة مثلاً، والطرق التي تنهار، وفيينا في القاهرة الممطرة، وحقوق الإنسان مختلفة حسب الجغرافيا كما قال السيسي في خطبة فلسفية عن "عيوننا" المصرية وعيونكم الأوربية، فزاغت عينا ماكرون طرباً ودهشة، فحقوق الإنسان في أوروبا ليست مثل حقوق الإنسان في مصر!

أجمعت وسائل الإعلام على أن رئيس الوزراء الإثيوبي أهانه بتلك الجلسة التي وضع فيها قدماً على قدم.. آبي أحمد الذي حاز على نوبل ونال كثيراً من الثناء؛ في مأزق سياسي حالياً، وبحاجة إلى جرعة وطنية ترفعه في عيون شعبه، فهدد السيسي بمليون جندي، وجلس تلك الجلسة، وكان السيسي يبتسم وكأنه رئيس دولة ميكرونيزيا.. وبشّرتنا وسائل الإعلام المصرية بأن المفاوضات بين الحبشة ومصر ستستمر، فالمفاوضات نصف نصر، أو هزيمة مؤجلة، فالغرض هو بثُّ الأمل، والسد الحبشي يكتمل. السيسي أيضاً يبني سدّه على أفواه الشعب، لكن لا أحد يعرف كم سيداً خدم السيسي الخادم ويخدم، هو يخدم عشرة أسياد، ربما أكثر، أولهم إسرائيل، والثاني أمريكا، والثالث روسيا، والرابع... عبارة الإنجيل تجعل من المستحيل خدمة سيدين متخالفين هما الله والمال، السيسي يخدمهما بخشوع مشهود له به!

الأسد يخدم أسياداً كثيرين أيضاً، روسيا، إيران، إسرائيل.. تباهى إعلام النظام السوري مرات بأنه أعاد روسيا إلى الساحة الدولية، وجعلها قطباً عالمياً، وكان قطباً مصاباً بالاكتئاب والوحشة والتوحد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. طالب وزير الخارجية السوري والشحوم الثلاثية؛ أمريكا عدو الشعوب، بالتنسيق مع النظام، لم يمانع في أن تؤاجر أمريكا في الثواب بشرط التنسيق مع الحكومة السورية، ولو رمزياً من أجل ماء الوجه.

في فلسطين: شاهدنا ذلك المشهد الكوميدي الذي يمكن أن يؤدى في السيرك؛ جون كيري وهو يعبث بأبي مازن، يمد يده للمصافحة فيمد أبو مازن يده، فيسحب كيري يده، كان عرضاً رائعاً يشبه ألعاب الخفّة، وكان أبو مازن يضحك، وكنا نضحك. أبو مازن لاعب سيرك سياسي، يخدم سادة كثيرين وبنجاح، وهو يحكم الضفة بنجاح وإلى الأبد، وأبد الرئيس العربي هو موته.

في الشمال السوري، برز في الأيام الأخيرة قائد قوات سوريا الديمقراطية، اسمه الحركي مظلوم عبدي، وهو صاحب أسماء متعددة، لكنه فيها جميعاً مظلوم وعبدي. وأحد الاسمين الأولين أو الثاني مستعار، وهو اسم ضعيف الخيال، رديء الاستعارة، المهم أنَّ الرجل الذي لم يجد سوى اسم مظلوم اسماً حركياً، نال مكرمة باتصال من لدن ترامب ودُعي إلى واشنطن، وسط احتفال كردي وكأنه اعتراف بالدولة الكردية. غرد ترامب وذكر اسمه فانطرب القوم، ولقبه بالجنرال فسكروا، مع أنه قائد كتائب، وليست جيشاً نظامياً، والكرد يسكرون بسرعة، شيء يشبه تفخيم بوتين وتعظيمه لسهيل النمر وتخصيصه بهدايا عسكرية ومراسيم خاصة.

أطلقت فضائيات على مظلوم عبدي لقب اللواء، كما في الجيوش النظامية، جيوش الدول، نكاية بالحليف التركي في الناتو الذي تراجع من عضو عامل إلى عضو نصير لأنه غدا أكثر استقلالاً، وتراجعت علمانيته الأتاتوركية إلى إسلامية. نظر ترامب بعين العطف إلى الكرد، وقال للجنرال إنه سيكلفه بحماية النفط، وهو نفط الشعب السوري، والحقل اسمه عمر، وليس حقل جون ولا سيرغي ولا فرهاد، وكانت روسيا قد احتجت على سرقة النفط السوري، الذي لم تجرؤ سوريا على الاحتجاج على سرقته، كأن النفط روسي!

وظهر مثقفان كرديان، تظهر علامات النجابة والذكاء عليهما وهما ينصحان القوم: إياكم ومساعدة الأمريكان وحراسة النفط من غير ضمانات، وأظهر المثقفان حكمة ورشدا، وكأن أمريكا يمكن إلزامها بضمانات، وقد حنثت في تاريخها بـ375 معاهدة دولية، ليس آخرها المعاهدة مع حليفتها تركيا، التي اضطرت مكرهةً إلى التحالف مع روسيا لإنفاذ "نبع السلام"..

يجدر بالذكر إن بعض نشطاء الكرد أحسَّ بالإهانة لأن ترامب لا يرى فيهم سوى "بلاك ووتر كردي" قيد الإعداد، إلا أن إعلامياً كردياً لا يجيد سوى كلمة واحدة بالكردية هي: عديم الناموس، والكلمة نصفها الأكبر المفيد عربي، سِعدَ بمهمة حراسة النفط وأظهر مشاعر النكاية بالمعارضة وبرئيس تلفزيون أورينت؛ لأن ترامب منحهم شرف حماية النفط. لا تنسوا إنه ذهب أسود، وهذه يعني أنَّ المعارضة والنظام وتركيا سيحرمون من هذا الشراب اللذيذ، وطبّاخ السّم يذوقه، وهذا يعني أنّ الكرد سيشبعون زفتاً أسود، وقد عثروا على ثلاثة أسياد: روسيا، وأمريكا، وعادوا إلى حضن النظام الذي يطلقون عليه اسم "الحكومة المركزية في دمشق"، ما يعني أن هناك حكومة غير مركزية في الشمال السوري.

هناك شعار كردي يرفعه أنصار حزب العمال: لا حياة بلا رئيس، يقصدون أوجلان، وليس بشار الأسد.