ملفات وتقارير

احتجاجات أكتوبر بالعراق.. 3 معالم لموجة غضب جديدة

العراق يشهد انقطاعا للإنترنت وعنفا واسعا أوقع عشرات القتلى والجرحى- جيتي

يشهد العراق احتجاجات واسعة لليوم الثالث على التوالي، في موجة غضب شعبي متجددة، ولكن بسياق مختلف ومفاجئ، إزاء تردي الخدمات والفساد وغياب المؤسسية بالبلاد.

واتسعت دائرة الاحتجاجات المتجددة بشكل سريع، بعد أيام من تظاهرات أخرى في الموصل، ضد قرار إزاحة قائد قوة مكافحة الإرهاب عبد الوهاب الساعدي، من منصبه، وهو الذي يحظى بشعبية واسعة.

وفجأة، بدأ الحديث عن مظاهرات عارمة بالعاصمة بغداد وتسع محافظات أخرى، قبل توارد أنباء بسقوط قتلى وجرحى، بينهم رجال أمن، واعتقال العشرات.

ويشير متابعون للشأن العراقي إلى وجود ثلاثة معالم تميز هذه الموجة عن سابقاتها، أولها ارتفاع سقف المطالب، وثانيها غياب مشاركة تيار سياسي بارز، وثالثها القمع الذي بلغ حد قتل وإصابة العشرات وتعطيل شبكات الإنترنت.

مطلب إسقاط الحكومة

رغم أن حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، التي تشكلت بعد مخاض سياسي عسير، لم تكمل عامها الأول، إلا أن سقف الاحتجاجات بلغ حد المطالبة بإسقاطها، في سابقة مقارنة بموجتي 2016 و2018.

وتدور تساؤلات بشأن وجود أياد مناهضة لإيران، ومن ثم للمنظومة الحاكمة بالعراق، المحسوبة عليها، لا سيما مع ورود مشاهد لحرق علم الجارة الشرقية للبلاد.

اقرأ أيضا: 21 قتيلا ومئات الجرحى في احتجاجات العراق.. تفاصيل (شاهد)

وفي حديث لـ"عربي21"، رفض الخبير بالشأن العراقي، صبحي ناظم توفيق، وضع ما يجري في سياق "مؤامراتي"، وقال: "هذه انتفاضة شعب غاضب لأسباب معروفة"، كما أنه استبعد ارتباطها بقضية "الساعدي".

وأضاف: "بلغ السيل الزبى في البلاد، وفقد الشباب خصوصا أي أمل بمستقبلهم، وأصابهم اليأس من الأداء السيئ للسلطات".

وأشار إلى دور مهم لعدم استجابة الحكومة لمطالب أصحاب الدرجات العليا بالتوظيف، الأمر الذي كان له "تأثير ملموس في الإصابة باليأس، بل والانتحار".

واتفق مع ذلك أيضا المحلل السياسي العراقي، رائد الحامد، الذي قال في مقال نشرته وكالة الأناضول، الخميس، إنه "لا توجد مؤشرات على ارتباط المحتجين بأي جهة خارجية، ومطالبهم في الأساس اقتصادية اجتماعية".

وأكد الحامد أن "العنوان الأهم للاحتجاجات يبقى معاناة العراقيين من تردي الأوضاع المعيشية وسوء الخدمات الأساسية، ومكافحة الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والاقتصادية والخدمية، بالإضافة إلى توفير فرص العمل، ولا يبدو للآن أنها مسيسة من أي جهة".

ولفت إلى أن الرئاسات الثلاث لم تتفق على موقف موحد إزاء الاحتجاجات، إذ أيدت رئاستا الجمهورية ومجلس النواب "الحق في التظاهر السلمي مع ضرورة عدم الاعتداء من قبلهم على القوات الأمنية والممتلكات العامة".

طابع شعبي خالص

لفت "توفيق" في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "مشكلة المظاهرات الحالية تكمن في أنها بلا قيادة، على عكس ما جرى بتونس ومصر بالأخص، التي دخل فيها الإخوان المسلمون، المنظمون بإتقان، على الخط سريعا وقادوا الاعتصامات".

وعلى عكس احتجاجات 2016 و2018، لم يبرز التيار الصدري في قيادة الاحتجاجات، وقد برر زعيمه، مقتدى الصدر، عدم مشاركة أنصاره بالحرص على طابعها الشعبي.

وفي تغريدة عبر تويتر، تعليقا على الاحتجاجات، قال الصدر: "إننا لا نريد ولا نرى من المصلحة تحول التظاهرات الشعبية إلى تظاهرات (تيارية) وإلا لأمرنا ثوار الإصلاح بالتظاهر معهم، ولكننا نريد الحفاظ على شعبيتها تماما".

 

 

وأضاف: "نطالب بسلمية التظاهرات، ولو بإسنادها باعتصامات سلمية أو إضراب عام يشترك به الشعب كافة".

وشدد الصدر في الوقت ذاته على رفض "التعدي على المتظاهرين العزل الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ولا عنفا".

إلا أن ذلك المشهد يزيد مخاوف من تحرر السلطات من حسابات سياسية أثناء مواجهتها المتظاهرين، ومن ثم ازدياد مشاهد القمع.

مخاوف من قمع غير مسبوق

أشار الخبير بالشأن العراقي، صبحي ناظم توفيق، إلى أن لجوء الحكومة إلى حظر التجوال، وتحدي المتظاهرين له، من شأنه تصعيد الموقف.

وتوقع "توفيق" أن يتم استخدام قوات الحشد الشعبي في حال لم تتمكن الحكومة من صد المظاهرات، وهو ما سيجعل جميع الخيارات مفتوحة أمام البلاد.


اقرأ أيضا: إيران تغلق منفذين حدوديين مع العراق وتعلق على الاحتجاجات

وأضاف أن الحكومة ستحاول الالتفاف على المتظاهرين بوعود النظر في كل ما يطلبونه، ولكن في حال تواصل الحراك فإنها ستلجأ إلى القوة، ما سيخلف عشرات القتلى ومئات الجرحى والمعتقلين، فضلا عن أعمال تخريب ونهب، دون أن يتحقق تغيير يذكر. 

بدوره، لفت الحامد، في مقاله المشار إليه، إلى أن "طابع العنف" الذي تتسم به الاحتجاجات يثير قلق أطراف إقليمية ودولية، لا سيما إيران والولايات المتحدة.

وأوضح أن البلاد باتت، وبشكل متزايد، ساحة للتجاذب بين الطرفين، وذلك منذ تصاعد حدة التوترات بينهما في أيار/ مايو الماضي، لكنهما غير معنيين بفوضى في العراق.