ملفات وتقارير

هل تلقى الدعوة الجديدة للانتخابات في الجزائر مصير سابقاتها؟

توحي كل المؤشرات بحسم السلطة لخيارها في الذهاب للانتخابات الرئاسية- فيسبوك

تدفع السلطة في الجزائر بقوة نحو تنظيم الانتخابات الرئاسية، قبل نهاية السنة الجارية، لكنها تُواجه في ذلك مقاومة من الشارع وعدد من الأحزاب والتنظيمات الرافضة لهذا الخيار.


وتوحي كل المؤشرات بحسم السلطة لخيارها في الذهاب للانتخابات الرئاسية، بعد "اقتراح" رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح استدعاء الهيئة الناخبة يوم 15 أيلول الجاري، ما يعني قانونا تنظيم الانتخابات في منتصف كانون الأول المقبل.

وأعلنت هيئة الحوار والوساطة التي يقودها كريم يونس، أمس، عن تسليمها التقرير النهائي لنتائج مشاوراتها لرئيس الدولة عبد القادر بن صالح، الذي يحوي اقتراحاتها بخصوص التعديلات الواجب إدراجها على قانون الانتخابات، وكيفية استحداث الهيئة الوطنية المستقلة لتنظيمها.

والاثنين، وافقت الرئاسة الجزائرية على مقترحات هيئة الوساطة والحوار في شكل مشروعي قانونين للانتخابات، وإنشاء لجنة عليا لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها، وأحالتهما إلى البرلمان لدراستهما.

وحسب بيان صدر بعد اجتماع لمجلس الوزراء ترأسه الرئيس المؤقت، عبد القادر بن صالح، "تمت المصادقة على مشروع تمهيدي لقانون عضوي يتعلق بالسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، ومشروع القانون المعدل للقانون المتعلق بنظام الانتخابات، قدمهما وزير العدل بلقاسم زغماتي".

وبدا من ناحية التوقيت أن هيئة الحوار أخضعت مسار مشاورتها للفاصل الزمني الذي رسمه رئيس أركان الجيش، فقد تم ضبط كل التفاصيل على عجل؛ من أجل اللحاق بموعد تنظيم الرئاسيات قبل نهاية السنة.

واللافت أن هيئة الحوار والوساطة، أيضا، تخلّت عن صلاحية تحديد رزنامة الانتخابات التي منحتها إياها مبادرة رئيس الدولة عند الإعلان عنها في يوليو الماضي، ورضخت إلى الأمر الواقع الذي فرضته قيادة الجيش.

وتتجه السلطة من أجل تحقيق مزيد من الإقناع بضرورة الذهاب للانتخابات، إلى التخلي عن الوزير الأول الحالي نور الدين بدوي، الذي ينتظر أن يقدم استقالته في الساعات القادمة، في استجابة جزئية لمطالب الحراك.

"الحراك يرفض"

لكن على مستوى الشارع يظهر تصميم كبير على رفض الانتخابات، خلال مظاهرات الحراك الشعبي كل جمعة، ما يُهدد بمزيد من تعقيد الأزمة السياسية، التي لم تجد لها حلا منذ نحو 6 أشهر من الانتفاضة الشعبية.

ورصدت "عربي21"، خلال الجمعة الأخيرة، عدة شعارات رافضة لخيار الذهاب للانتخابات على طريقة النظام، مثل "رئاسيات تحت الإكراه تساوي فرعونا جديدا"، و"نحن لسنا ضد الانتخابات ولكن ضد أن ينظمها من عاثوا في الأرض فسادا"، و"نرفض استدعاء الهيئة الناخبة من الثكنة"، و"انتخابات بنفس النظام والأحزاب تساوي انتخابات بنفس النتائج".

ولخّص أحد المتظاهرين شروط الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية بلافتة كتب عليها: "لكي أنتخب، لا بد من إعلام حرّ، وعدالة حرّة، ومراجعة قوانين الانتخابات، ومراجعة صلاحيات الرئيس".

وعلى الجانب السياسي، ترفض قوى "البديل الديمقراطي" الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية؛ لأنها ترى فيها "مناورة" من النظام السياسي الحالي للاستمرار، وقطع الطريق أمام التغيير الجذري الذي يُطالب به الحراك الشعبي.

وقالت زوبيدة عسول، رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي وعضو هذا التكتل، إن تجربة السنوات السابقة تُبين بأنه لا يمكن الوثوق في النظام السياسي الذي يريد الذهاب لانتخابات بنفس الآليات السابقة وفي ظل الدستور الحالي المرفوض.

وأوضحت عسول في حديثها مع "عربي21"، أنه لا بد من المرور على مرحلة انتقالية يتم فيها تعديل الدستور والقوانين الرئيسية الحالية، ثم الانطلاق بعد ذلك في مسار انتخابي.

وحذّرت القاضية السابقة من أن الذهاب للانتخابات الرئاسية في ظل الدستور الحالي، الذي يكرس صلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية، قد يؤدي إلى ظهور رئيس يحتكر السلطة، كما فعل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفيلقة، حسب قولها.

والاثنين، تبنت أحزاب البديل الديمقراطي أرضية سياسية تدعو الجزائريين للانخراط في مسار تأسيسي سيد يُتوّج بإعطاء الكلمة للشعب لكي يختار شكل ومضمون المؤسسات التي يريد وضعها لتلبية كل مطالبه وتطلعاته في مجمل الميادين.

وتُطالب أرضية "البديل الديمقراطي"، التي يجتمع حولها 11 حزبا بالإضافة إلى منظمات وجمعيات، بالدخول الفوري في مرحلة انتقالية ديمقراطية تُدار بها الدولة وفق منطق جديد عبر مسار تأسيسي سيد يُعبر عن المطامح الديمقراطية والاجتماعية للشعب الجزائري.

"آراء متباينة"

غير أن السؤال الذي يُتداول اليوم هو عن مدى قدرة السلطة على تنظيم هذه الانتخابات التي أعلنت عنها، في ظل التجربة السابقة التي اضطرت على إثرها لإلغاء الرئاسيات في 4 تموز/ يوليو، بعد الرفض الشعبي الذي أدى إلى عزوف السياسيين عن الترشح، وقبل ذلك رئاسيات 18 نيسان/ أبريل التي أسقطتها المظاهرات.

وبرأي سعيد صالحي، نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن الانتخابات المقبلة ستلقى دون شك مصير سابقتها؛ لأن الرفض الشعبي المعبر في أيام التظاهر منقطع النظير.

وقال صالحي، في حديثه مع "عربي21"، إن الحراك الشعبي متفطن لكل "ألاعيب السلطة"، وهو يعلم بأن النظام السياسي يراهن على تقسيم الحراك وإضعافه؛ من أجل تمرير ورقة الانتخابات.

وأبرز المتحدث أن هيئة الحوار والوساطة ثبت "أن النظام استعملها من أجل تبرير الذهاب للانتخابات، وهو ما أدى إلى فشلها في مهمتها قياسا إلى الرفض الشعبي الواسع الذي واجهته".

لكن هذه القراءة لا يقاسمها عدة فلاحي، النائب السابق، الذي يرى أن الانتخابات لن يتم إلغاؤها مثل سابقتها، لأن الظروف والمعطيات، حسبه، تغيّرت في الأشهر الثلاثة الأخيرة.

وأبرز فلاحي، في تصريح لـ"عربي21"، أن السلطة ستفرض الرئاسيات كأمر واقع بعد تفاهمات ستجريها مع بعض الشخصيات للمشاركة، ومنهم علي بن فليس رئيس الحكومة سابقا، وعبد العزيز بلعيد رئيس جبهة المستقبل، وعبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، ومترشحون آخرون من الوزن الخفيف.

ويرى فلاحي أن المواطنين في حال الذهاب للانتخابات سينقسمون على أنفسهم، وقد يتملكهم الخوف من انزلاق الأمور، خاصة أن الكثيرين منهم يبدون صراحة قلقهم من المستقبل، في ظل الحديث عن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والتي قد تزيد مع الوقت لو بقي هذا الوضع  على حاله.

اقرأ أيضا: الرئاسة الجزائرية تعتمد مقترحات هيئة الوساطة بشأن الانتخابات‎