قضايا وآراء

من بورما إلى كشمير ومن إدلب إلى عدن.. احزن يا قلبي! (2)

1300x600

اجتاحت الشعبوية والشوفينية شعوب العالم، فانتخبوا حكامهم الجدد من هذا المنظار العنصري. فبعد فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية أصبح الغرب كله يتجه إلى اليمين المتطرف، ويسير على نفس الدرب، بل أكمل سيره ليصل إلى جنوب آسيا في الهند، فجاء برجل شوفيني متعصب للقومية الهندوسية، ويحلم باستعادة شبه القارة الهندية كاملة، وإلى الفترة قبل ما يسميه بـ"الغزو الإسلامي".

ولكي نتعرف على هذا الرجل، أعني رئيس الوزراء الهندى "ناريندرا مودي"، لا بد أن نلقي نظرة سريعة على تكوينه الفكري ونشأته الأولى، لنعرف مفتاح شخصيته التي أهّلته لهذا المنصب، والتي جعلته فجأة يستولي على إقليم كشمير المسلم.

"مودي" تدرب في شبابه في معسكر "آر إس إس" مع مجموعة عسكرية يمينية متطرفة، تحث على النهوض وإعلاء شأن الديانة الهندوسية، لإحياء القومية الهندوسية. وكانت المجموعة تبث سموم الكراهية والعداء للمسلمين، في نفوس وعقول الشباب المتطوعين في مخيماتها، وتحثهم بل وتحضهم على محاربة ما أسمته "مجمع الأشرار"، بدءًا من "الغزاة المسلمين"، مروراً بالمتخاذلين الذين فرطوا في القومية الهندوسية، من أمثال "غاندي" وحزبه (المؤتمر)، وانتهاء بالقوميين المسلمين، الذين قطعوا أوصال الهند لكي يقيموا على أرضها دولة باكستان، والذين يسعون لفصل كشمير عن محيطها الهندي..

يقول الكاتب "كابيل كوميردي" في صحيفة واشنطن بوست": "هذا المعسكر (آر إس إس) أثر على عقل الشاب مودي لدرجة أنه بات يعتبره عائلته، فتخلى عن زوجته وأمه، وأصبح متجولاً في أرجاء الهند داعياً للقضية القومية الهندوسية"..

ولك أن تتخيل رجلاً تربى وترعرع في أحضان هذه المجموعة العنصرية البغيضة؛ ماذا سيفعل عندما يصل إلى الحكم؟!

 

سجل "مودي" حافلاً بالجرائم في حق المسلمين العزل، فعندما كان وزيراً في ولاية "كوجارات" شهدت الولاية عام 2002 أكبر مذبحة في تاريخ الهند الحديث

سجل "مودي" حافلاً بالجرائم في حق المسلمين العزل، فعندما كان وزيراً في ولاية "كوجارات" شهدت الولاية عام 2002 أكبر مذبحة في تاريخ الهند الحديث، حيث تعرض أكثر من ألف مسلم للذبح على يد الهندوس، الذين كانوا يتجولون في شوارع الولاية شاهرين سيوفهم لإثارة الخوف والفزع في نفوس المسلمين، ولعدة أسابيع متواصلة. واتهم "مودي" حينذاك بأنه المحرض الأبرز على هذه المذبحة، وأنه وراء تلك الأحداث الدامية. وقد رفضت الولايات المتحدة منحه تأشيرة دخول إليها وقاطعته كل دول الاتحاد الأوروبي.

منذ انتخاب "مودي" رئيساً للوزراء عام 2014، ازادت حدة التعصب والتطرف الهندوسى لدي الغالبية العظمى من الشعب الهندي التي انتخبته من هذا المنطلق، وكان ينفخ في مؤيديه تلك الروح العنصرية ويعززها، فهو يراها انعكاساً أو دليلاً على الاعتزاز بالهوية الهندوسية التي تبيح إعدام المسلمين، فكانوا يرتكبون أبشع الجرائم ويغتصبون النساء المسلمات وينشرون هذه الصور والفيديوهات كنوع من التفاخر والتباهي!

يقول الكاتب "كابيل كوميردي": "لقد استخدم مودي ثلاث أدوات قوية ليضمن صعوده، أهمها السادية، حيث كان يوحي بأنه سيكون بإمكان الهندوس المتطرفين في عهده إطلاق العنان لشهوة سفك الدماء المكبوتة في نفوسهم".

منذ صعود "مودي" لسدة الحكم، لم تُسجل حالة إعدام واحدة أو عقاب بالحبس لأي رجل هندوسى جراء قتله مسلمين، بل قام أحد وزرائه بتكريم ثمانية رجال أدينوا بإعدام رجل مسلم خارج القانون! ووفقاً لمنظمات حقوقية، فإن القوات الهندية قامت بالعديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان والأعمال الإرهابية ضد السكان المدنيين الكشميريين، من قتل خارج القضاء واغتصاب وتعذيب، كما أنها سجلت مئات الحالات من الاختفاء القسري، ولأن الجنود الهنود فوق المساءلة، فلم يُقدم أحد منهم إلى القضاء..

لقد جاء قرار "مودي" المباغت بالاستيلاء على كشمير وإخضاع الغالبية المسلمة من سكانها، كإحدى أمانيه الكبرى لتحقيق رؤيته لأمة هندية متجانسة، وجاءته الفرصة لتحقيقها على أرض الواقع بعدما صعد لسدة الحكم، ولكنه لم يستطع في ولايته الأولى ضمها، فربما الأحداث العنيفة التي مر بها العالم في تلك الفترة، قد حالت دون اتخاذه قرار جريئا كهذا، أو ربما كان يمهد له خلال تلك الفترة التي شهدت اضطرابات وأعمال عنف وقمع من جهة حكومته، وأدى به الأمر لوضع حتى الزعماء السياسيين المتعاونين معه تحت الإقامة الجبرية.

 

جاء قرار "مودي" المباغت بالاستيلاء على كشمير وإخضاع الغالبية المسلمة من سكانها، كإحدى أمانيه الكبرى لتحقيق رؤيته لأمة هندية متجانسة

وأيا كانت الأسباب لتأخير قراره، إلا أنه اتخذه في ولايته الثانية، بعد أن أعيد انتخابه هذا العام، ووجد الفرصة مواتية له تماماً، فالعالم كله يحارب المسلمين تحت شعار محاربة الإرهاب، والكشميريون في عرف العالم إرهابيون، ولا بد من محاربتهم، والعالم سيدعمه في قراره. كما أن مطالبة أنصاره ومؤيديه من القوميين الهندوسيين الذين انتخبوه وبوأوه هذا المقعد؛ قد شكلت له حافزاً وبعداً معنويا، فأصدر قراره بإلغاء الحكم الذاتي لكشمير، وجميع القوانين الخاصة بالإقليم، وتقسيمه إلى ولايتين اثنتين تداران مركزيا، ليصبح من بعده زعيماً لما يسمونها "الهند الجديدة"..

تم وضع كشمير تحت قيود أمنية شديدة وقيود على الاتصالات وقطع الإنترنت، وأصبح الأقليم معزولا تماماً عن العالم، ولا نعرف ماذا يفعل هذا العنصري الفاشي مع المسلمين في كشمير في ظل تعتيم إعلامي كامل؟ فالأخبار التي تصلنا شحيحة للغاية، وخاصة عن تلك المظاهرات التي عمت الإقليم والقبض على آلاف المتظاهرين، ومن بينهم الناشطون دعاة الانفصال، وإن كانت هناك استغاثات من بعض الأهالي في الإقليم، فهل من مُجيب؟!

لا حياه لمَن يستغيث في هذا العالم المنافق الذى يرى بعين واحدة، خاصة إذا كان المستغيث مسلماً، فالأمم المتحدة تراقب الأحداث بانزعاج، وأمريكا تدعو للهدوء وتجنب الحرب، ومنظمة التعاون الإسلامي تندد، وباكستان تسحب سفيرها من نيودلهي والصين لن تعترف، ومظاهرات ووقفات احتجاجية هنا أو هناك و.. ولا شيء من كل هذا له قيمة ولا معنى، أو كما يقول إخواننا السوريون "بلا طعمة"، فكله ذر للرماد في العيون، وكله طبطبة وحنية على الجانب الهندي، فمصالحهم الاقتصادية مع نيودلهي، أقوى من أن يُتخذ موقف حازم وصارم تجاهها..

ولكن ما يدعو للخزي والعار حقاً، هو الموقف العربي، ففي أوج أزمة كشمير، تستقبل دولة المؤامرات العربية "مودي" بحفاوة بالغة، وتكرمه وتمنحه أعلى وسام مدني، ولا ننسى أنها كانت أول دولة أيدت قرار الهند وباركته، على لسان سفيرها في نيودلهي.

 

ما يدعو للخزي والعار حقاً، هو الموقف العربي، ففي أوج أزمة كشمير، تستقبل دولة المؤامرات العربية "مودي" بحفاوة بالغة، وتكرمه وتمنحه أعلى وسام مدني

وهذا ليس بغريب على دولة الإمارات (مركز المؤامرات الصهيونية) التي يحاك من فوق أرضها كل المؤامرات ضد الأمة بمساعدة رجال الموساد.

وعلى خطى الإمارات، سارت البحرين وحذت حذوها واستقبله ملك البحرين بنفس الحفاوة، وكرمه أيضا، ومنحه وسام البحرين من الدرجة الأولى تقديراً لجهوده في محاربة الإرهاب، وزادته شرفاً بأن جعلته يدشن معبدا هندوسيا في بلدها المسلم، على أنقاض دماء الكشميريين المسلمين..

أما السعودية، فحدث ولا حرج، فقد صرحت بأنه نزاع داخلي، وهذا أفك مبين، بل هو نزاع إقليمي شاهدت صراعاته أروقة الأمم المتحدة على مدار خمسين عاما. ولم تكتف السعودية بهذا، بل إنها إمعان في استفزاز مشاعر المسلمين، كافأت مودي مادياً أيضا، إذ إن شركة أرامكو السعودية أبرمت اتفاقاً مع الشركة الهندية "ريلاينس" لشراء 20 في المئة من أنشطة النفط والكيماويات، بعد أيام معدودة من الاستيلاء على كشمير. وصرحت "ريلاينس" القريبة من "مودي" بأن الصفقة ستكون قيمتها 15 مليار دولار، وستكون أكبر استثمار أجنبي في تاريخ الهند عموماً، وأنه سوف يكون في كشمير بعدما ألغيت القرارت الخاصة بالإقليم، والتي تمنع غير الكشميريين من الاستثمار أو حق التملك فيه..

إنها نفس المواقف السعودية المخزية تجاه مسلمي "الإيجور" في أقليم تركستان الشرقية، والمؤيدة للحكومة الصينية، كما ذكرنا في المقال السابق!

لقد تعرض مسلمو كشمير، والذين يمثلون 90  من عدد سكان الإقليم البالغ عددهم 15 مليون نسمة، لأبشع أنواع القتل والتعذيب الوحشي، على أيدي جنود الاحتلال الهندي طيلة نصف قرن من الزمان، ويطالب سكانه بالاستقلال عن الهند والانضمام إلى باكستان، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام 1947 واقتسامهما الإقليم. وفي إطار الصراع على كشمير، خاضت باكستان والهند ثلاث حروب، أعوام 1948 و1965 و1971، ما أسفر عن مقتل نحو 70 ألف شخص من الطرفين. ومنذ عام 1989 عندما ازدادت جرائم المحتل الهندي واضطهاده العنيف للمسلمين، وارتفاع وتيرة المطالبة بالانفصال من جموع الشعب في الإقليم، قُتل أكثر من 100 ألف كشميرى، وتعرضت أكثر من 10 آلاف امرأة للاغتصاب في الشطر الخاضع للهند من الإقليم، حسب جهات حقوقية..

وهنا يحضرني ما حدث في إقليم "تيمور الشرقية" في دولة إندونسيا والتي استقطعوه منها على مزاعم الاضطهاد للمسيحيين فيه، وكان عدد سكانه أقل من تسعمائة ألف نسمة فقط، أقاموا لهم دولة مستقلة على أرض أندونسيا عام 2002 بمباركة العالم الغربي وبتصديق من الأمم المتحدة، بينما في كشمير لا يُسمح لهم بإقامة دولتهم المستقلة أو حتى الالتحاق بالدولة الأم (باكستان). فالمسلمون لا بواكي لهم حتى من ذوي القربي، بل هم مَن يتآمرون عليهم، ولولا خيانتهم وتآمرهم لما تمكن منهم أعداؤهم، ولما تجرأ الصهاينة على قتل الفلسطينيين واغتصاب أرضهم، ولما جرأت الهند على الاستيلاء على كشمير، ولما أقدمت الصين ولا بورما ولا أفريقيا الوسطى على اضطهاد المسلمين وذبحهم أمام أعين العالم أجمع ولما.. ولما.. ولما.. لولا أنهم أخذوا صك الأمان من الأنظمة العربية ودعمها وتأييدها، بل ومباركتها على كل إجرامهم، إنهم الصهاينة العرب، وهم أشد خطراً على الأمة من الصهاينة الإسرائيليين ..

لقد سقط القناع عن القناع..

وللموضوع تتمة الأسبوع القادم بإذن الله.